"الصابئة المندائيون" ..وما هي طقوسهم؟
الجمعة 28/ديسمبر/2018 - 02:37 م
طباعة
علي رجب
بعد هزيمة تنظيم داعش الارهابي عسكريا في العراق تعيش الأقلية المندائية تهديدا جديدا يتمثل في التلوث الذى تعاني منها المياه التي يستخدمونها في صلواتهم .فبعد القتل والخطف الذى اقدم عليه داعش جاء التلوث ليقضي علي اعدادهم القليلة وقد اصدرت الامانة العامة لهيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق في أكتوبر 2018، بيانا اعربت فيه عن قلقها البليغ من محاولات اندثار اعرق ديانة في التاريخ البشري والعبث بحضارة العراق قديما وحديثا.
الصابئة المندائيون وما هي طقوسهم؟
التي يدعي أتباعها أنها حدى الديانات الإبراهيمية وهي أصل جميع تلك الأديان؛ لأنها أولى الأديان الموحدة، وأتباعها من الصابئة يتبعون أنبياء الله آدم، شعيب، إدريس، نوح، سام بن ونوح، يحيى بن زكريا وقد كانوا منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين، ولا يزال بعض من أتباعها موجودين في العراق، كما أن هناك تواجدا للصابئة في إقليم الأحواز في إيران إلى الآن ويطلق عليهم في اللهجة العراقية "الصبّة" كما يسمون، وكلمة الصابئة مشتقة من الجذر (صبا) والذي يعني باللغة المندائية اصطبغ، غط أو غطس في الماء (أقرب إلى معنى المعمودية في الديانة المسيحية) وهي من أهم شعائرهم الدينية وبذلك يكون معنى الصابئة أي المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان. تدعو الديانة الصابئية للإيمان بالله ووحدانيته مطلقاً، لا شريك له، واحد أحـد، وله من الأسماء والصفات عندهم مطلقة، ومن جملة أسمائه الحسنى، والتي لا تحصى ولا تـُعـَـد عندهم الحي العظيم، الحي الأزلي، المزكي، المهيمن، الرحيم، الغفور حيث جاء في كتاب الصابئة المقدس كنزا ربا أي ( باسم الحي العظيم): هو الحي العظيم، البصير القدير العليم، وشريعة أول أنبيائه (آدم وشعيب ونوح وسام بن نوح وإدريس ويحيى) مباركة أسمائهم أجمعين. وعندهم أن الإنسان الصابئي المؤمن التقي يدرك تماماً، أن (القوة الغيبيّة) هي التي تحدد سلوكه وتصرفاته، ويعلم أيضاً أن أي إنسان مؤمن ضمن الإطار العام لهذا الكون الواسع وضمن شريعته السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية، يشاطره هذا الإدراك والعلم، حيث إن مصدر جميع هذه الأديان هي الله مسبح اسمه، واعتبرهم مشايخ المسلمين بكونهم من أهل الذمة لأن جميع شروط وأحكام أهل الذمة تنطبق عليهم؛ لكونهم أول ديانة موحدة، ولهم كتابهم السماوي، وأنبياؤهم التي تجلها جميع الأديان، مع ذكرهم بالقرآن الكريم، ولكونهم لم يخوضوا أي حروب طيلة تعايشهم مع الأديان الأخرى التي تلتهم بالتوحيد، وعند دخول سعد بن أبي وقاص للعراق وعدهم بالأمن والأمان.
الإله
- يعتقدون من حيث المبدأ- بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لا تناله الحواس ولا يفضي إليه مخلوق- ولكنهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله، وهؤلاء الأشخاص ليسوا بآلهة ولا ملائكة، يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار… وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار- هؤلاء الأشخاص الـ 360 ليسوا مخلوقين كبقية الكائنات الحية، ولكن الله ناداهم بأسمائهم فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة فتحمل امرأته فوراً وتلد واحداً منهم- يعتقدون بأن الكواكب مسكن للملائكة؛ ولذلك يعظمونها ويقدسونها.
المعبد
- ويسمى (المندى) هو معبد الصابئة، وفيه كتبهم المقدسة، ويجري فيه تعميد رجال الدين، يقام على الضفاف اليمني من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه نجم القطب الشمالي، لا بدَّ من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر، ولا يجوز دخوله من قبل النساء، ولا بدّ من وجود علم يحيى فوقه في ساعات العمل.
الأنبياء
يؤمن الصابئة بعدد من الأنبياء وهم: آدم، شيت بن آدم (شيتل)، سام بن نوح، زكريا، يحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان أي الذي يقوم بطقس التعميد).
ولكن اسمهم ارتبط بالنبي إبراهيم الخليل الذي عاش في مدينة أور الكلدنيين السومرية ـ مدينة إلهة القمر إنانا ـ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.
كما ارتبطت طقوسهم- وبخاصة طقوس الصباغة المصبتا- بمياه الرافدين فاعتبروا نهريها (دجلة والفرات) أنهارا مقدسة تطهر الأرواح والأجساد، وقد ورد مفهوم الاغتسال والصباغة في العديد من النصوص المسمارية وهو دليل على تأثر الأديان العراقية زمان الحضارات الآكدية والبابلية والسومرية والآشورية بالديانة المندائية، وأحد الأدلة القاطعة على كون الديانة المندائية أقدم الأديان التوحيدية.
كتبهم المقدسة
جنزاربا: أو كنزاربا: الكنز العظيم.
كتابهم الديني المقدس الذين يدعون أنه الكتاب المنزل عليهم يسمى الكنزا ربا "الكنز العظيم"، يسمى أيضاً سدرا ربا.
وهم يقولون: إن الكتاب أنزل على أنبياء الصابئة أي على آدم أول أنبيائهم، ثم شيتل بن آدم، ثم نوح، ثم سام بن نوح، ثم يحيى بن زكريا آخر أنبيائهم.
يتكون هذا الكتاب الديني المقدس من عدة أجزاء: كل جزء منها يسمى كتابا.. لقد كانت (هذه الأجزاء) تكتب في الماضي على ورق من البردي على شكل لفافات، أو تنقش على صفائح من المعادن كالرصاص. وعندما جُمعتْ وبوبت لم يراع تسلسل الأحداث ولا تنظيم هذا العلم الهائل بشكل يتناسب وكل حدث، سواء نوعيته أو زمانه.
للصابئة مجموعة من الكتب الأخرى التي تنظم لهم طقوسهم، وشعائرهم وتنقسم تلك الكتب إلى ثلاث مجاميع هي:
المجموعة الأولى: أجزاء التعاليم الدينية: والتي جاءت بشكل أساس في:
1- الجنزا ربا (الكنز الكبير).
2- دراشا إد يهيا (دروس يحيى أو يوحنا).
3- ديوان أباثر (ديوان الملاك أباثر).
4- آلما ريشايا ربا وآلما ريشايا زوطا، وفيهما شرح عن العالم الكبير الأول والعالم الصغير الأول.
5- عدد من الدواوين الصغيرة.
المجموعة الثانية: الأجزاء التي تتناول المراسيم والطقوس الدينية من الكنزا المندائي المقدس، وتشمل:
سيدرا إد نشماثا "كتاب الأنفس": يُعنى هذا الجزء بشكل رئيس بطقوس المصبتا (الصباغة أو العماد)، ومراسيم الزواج، وبعض النصوص تُعنى أيضاً بالمسقتا.
(القلستا) وهو كتاب حول الأدعية والتراتيل والصلوات، الذي يشمل كل ما جاء بتراتيل ونصوص الصباغة الصابئية، وتراتيل، الزواج والمسقتا، وقداها ربا ويعني الصلاة العظيمة أو طلب التوسل العظيم.
المجموعة الثالثة: أجزاء المعرفة والعلم والتاريخ: وهي أسفر ملواشة أو كتاب تحديد أوقات الشر التي يواجهها الناس والمدن؛ وحران كويثا الذي يستعرض هجرة بعض الناصورائيين. يتضمن حران كويثا أيضاً بعض التواريخ للأحداث الفلكية السابقة وكذلك اللاحقة.
أركان الديانة:
ترتكز الديانة الصابئية على خمسة أركان أساسية هي الشهادة والتوحيد (سهدوثا اد هيي) وهي الاعتراف بالحي العظيم (هيي ربي) خالق الكون، واحد أحد، لا شريك لأحد بسلطانه.اكـــا هيي اكـــا ماري اكــا مندا اد هـيـّـي الحي مـوجــود الله مـوجـود، عـارف الحياة موجـود آب هـــاد بنان هــــاد: الله واحـد الله أحـَـد لقد وحارَبَ الدين الصابئي الشِرك مطلقاً، والشِرك كما هو ثابت، وفسره المختصون اقتران عبادة الله بعبادة غيره من أصنام أو أشجار أو حيوان أو قبور أو كواكب ونجوم، أو قوى طبـيعيّة أو الزعم والادعاء بأنّ لله الحـّي المزكّى أب أو أخ أو بنـين وبـنات.
والـتوْحيد كما هو ثابت في كل الأديان السماوية الكريمة عقيدة، ولا تكون عقيدة عند الإنسان الصابئي، إلا إذا آمن بتوحيد الله الحّي القيوّم في كل شيء، وهذا ما ذكرته الكتب الصابئية في مجمل نصوصها باسم الحي العظـيـم.
الصباغة (مصبتا) يعتبر من أهم أركان الديانة الصابئية واسمهم مرتبط بهذا الطقس وهو فرض عين واجب على الصابئي ويرمز للارتباط الروحي بين العالم المادي والروحي والتقرب من الله. والمصبتا: الصباغـَة، كما هو ثابت في شريعة الصابئية هي طقس الدخول من العالم السفلي إلى العالم العلوي (عالم النور) ولا نميل، بل ننفي قول من ذهب إلى القول، كونها، أو من أنها تعني غسل الذنوب.
ويجب أن تتم الصباغة في المياه الجارية والحية؛ لأنه يرمز للحياة والنور الرباني. وللإنسان حرية تكرار الصباغة متى يشاء؛ حيث يمارس في أيام الآحاد والمناسبات الدينية وعند الولادة والزواج أو عند تكريس رجل دين جديد. وقد استمد المسيحيون طقس الصباغة، ويسمونه التعميد من الصباغة الصابئية. وقد حافظ طقس الصباغة على أصوله القديمة حيث يعتقد المسيحيون بأنه هو نفسه الذي ناله عيسى بن مريم (المسيح) عند صباغتة من قبل يهانا الصابغ بالدين الصابئي، يحيى بن زكريا باللغة العربية والإسلام و(يوحنا المعمدان بالدين المسيحي أي الذي يقوم بالتعميد).
إن معظم الصابئية كانوا يسكنون قرب النهر، وبينهم وبين النهر مسافة لا تتعدى الأمتار، ومن باب تحصيل الحاصل يذهب الصابئي إلى النهر للقيام بالاستحمام، بالوضوء، الطماشا، بعد رجوعه من خارج بيته، غسل أواني البيت، غسل ملابسه.
الصلاة تسمى (ابراخا) وهي فرض واجب على كل فرد مؤمن يؤدى ثلاث مرات يوميا (صباحا وظهرا وعصرا) وقبل تأدية الصلاة على الصابئي أن يقوم بالرشاما (الوضوء) والتي تتكون من 13 فرضا حـَـسب ترتـيبها أي بالـتـَـسَـلـْـسـُـل، كما هو مُـبـَيـّـن في أدناه.
طرق الوضوء
1 ـ الــْـرخــْصـَــــة.
2 ـ غـَـسـل الـيـَـديـن.
3 ـ غـَـسـل الــوجــه.
4 ـ رشـم: ارتــسـام جبهة الوجه [الجبين].
5 ـ غـَـسـل الأذنـيـن.
6 ـ غـَـسْــل الأنـــف.
7 ـ تـثـبيت الـرشــم [الارتـسام] وطرد النجاسة.
8 ـ غــَسـل الـْـفــَــــم.
9 ـ غــَسل الركبتـيـن.
10 ـ غـَـسل الـساقـيـن.
11 ـ وضـع الــيـَــديـن في الـمـاء.
12 ـ غـَـسل الـقدمَـيـن.
13 ـ فـَرض الـتـَرتيب والوضوء عند المسلمين يشابه إلى حد ما وضوئهم، حيث يتم غسل أعضاء الجسم الرئيسية في الماء الجاري ويرافق ذلك ترتيل بعض المقاطع الدينية الصغيرة.
تحريم الخمر
والوصية عندهم واضحة تقول:
كل منقوع (التمر، الزبيب، الفواكه بأنواعها) إذا مر عليها 24 ساعة يحرم شربه لاحتمال فساده بالتخمر.
أصل الصابئة
يرجع الكثيرون "الصابئة المندائيون" إلى شعب آرامي عراقي قديم، ولغته هي اللغة الآرامية الشرقية المتأثرة كثيرا بالآكادية.. استوطنوا وسط العراق وبالأخص المنطقة الممتدة من بغداد وسامراء من ناحية دجلة، وخوزستان في إيران.
مناطق تواجدهم وعددهم
موطن الصابئة هو العراق أو بالأصح (بلاد ما بين النهرين)، ويسميهم العراقيون بالعامية «الصبه»، ويعيشون على ضفاف الأنهار وخاصة دجلة، وهم جزء من سكان العراق الأوائل عبر تاريخه الحضاري. ويشكلون أقلية دينية ما زالت تمارس طقوسها ودياناتها إلى الآن.
أما الآن فمركز الطائفة هو مدينة بغداد، إضافة إلى تواجدهم في أغلبية المحافظات العراقية، مثل العمارة والبصرة والناصرية والكوت وديالي والديوانية، إضافة إلى تواجدهم في مدينة الأهواز والمحمرة في إيران، وبالأحداث السياسية والاقتصادية وتعرضهم للسرقه والقتل والظلم التي ألمت المنطقة بالخمس عشرة سنة الأخيرة، اضطر "الصابئة المندائيون" إلى الهجرة إلى البلاد الأوربية وأمريكا وكندا، ولقد شكلوا بتجمعاتهم الجديدة جمعيات تُعنى بشئونهم ويحاولون جاهدين إلى الآن، المحافظة على تراثهم العريق وهويتهم الأصيلة. ويبلغ تعدادهم الآن تقريبا 70 ألف نسمة في العالم.
التاريخ
إن تاريخ "الصابئة المندائيون" يحيط به الغموض من أغلبية جوانبه، وهذا باعتراف الكثير من الباحثين في المجال المندائي.. يرجع السبب إلى انزوائهم وانغلاقهم الديني الشديد ومنذ فترات طويلة، وذلك بسبب الاضطهاد الكبير الذي تعرضوا له على فترات متعاقبة فآثروا الانزواء والانغلاق للمحافظة على دينهم وتراثهم. وأيضا إلى ضياع وحرق الكثير من الكتب التي تتحدث عن تاريخهم وتراثهم.
موقفهم من المسيحية
آخر أنبياء الصابئة هو يوحنا المعمدان وبالتالي لا يؤمنون بالمسيح ولا تجسده، ولا يوجد موقف معلن مسيحي منهم ولكن ضِمنا فإن الأناجيل تذكر أن تلاميذ يوحنا المعمدان بعد أن قتله هيرودس الملك اليهودي انضموا إلى تلاميذ المسيح؛ لأن يوحنا أعلن أنه قد جاء لكي يعد الطريق أمام المسيح.
موقف بعض المرجعيات الدينية منهم
بالنسبة للشيعة تم إجراء لقاء بين ممثلين عن الصابئة والمرجع الشيعي الأعلى في النجف آنذاك آية الله (أبو القاسم الخوئي) لاطلاعه على الديانة المندائية، وتم تزويده بما يملكون من كتب وحجج تبين له أن الدين المندائي من الديانات الموحدة. وبعد قراءة كتبهم وتاريخهم أكد لأتباعه من الشيعة بقوله: (إن الأقوى والأظهر بحسب الأدلة أن الصابئيين يعدون من أهل الكتاب)، إلا أنه لم يصدر آية الله (أبو القاسم الخوئي) فتوى لأتباعه بذلك، ولم تتخذ المرجعية الدينية التي يقودها أي إجراء لتطبيقها عمليا، وبقي المندائيون يعانون من الاضطهاد، وبالرغم من تغير وتعدد المرجعيات الدينية في العراق ولسنوات لاحقة، أصبح من الصعب معرفة الجهة المؤثرة لتوجيه فتوى تقضي حماية المندائيين من القتل والاضطهاد.
وفي مكان آخر وفي إيران بالذات ولنفس السبب وللتقليل من معاناة المندائيين هناك، تم عقد لقاء مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله (علي خامنئي)، لتوضيح فحوى ديانتهم المندائية التوحيدية، وبعد الاطلاع عليها نفت المرجعية هناك وعلى لسان آية الله علي الخامنئي في كتابه (الصابئة حكمهم الشرعي وحقيقتهم الدينية)، أن تكون ديانتهم متفرعة من الديانات الأخرى، بل نظر إليها كديانة مستقلة وقال فيهم: "فمن جملة عقائدهم التي يدعونها ويصرون عليها التوحيد"، كما وجه الخامنئي نقدا لفقهاء الشيعة يقول فيها: "والحق الذي ينبغي الاعتراف به هو أننا لا نعرف من المعارف والأحكام الدينية لهذه النحلة التاريخية (المندائيون) والتي أصبح المنتمون إليها موجودين بين أيدينا وفي عقر بلادنا"، ورغم هذا الموقف لم تصدر فتوى من المرجعية الدينية في إيران تحرم اضطهاد وقتل المندائيين.
وعلى الرغم من الاعتراف بـ"الصابئة المندائيون" كأهل كتاب وموحدين من قبل أعلى سلطة دينية في إيران، نجد أن دستور الدولة الإيرانية، وفي المادة الثالثة عشر منه لا يعترف بالدين المندائي ضمن الأديان الأخرى المعترف فيها وهي الزرادشت (المجوس) واليهود والمسيحيون، وتم التضييق على أداء شعائرهم وطقوسهم الدينية؛ مما دعاهم إلى التوجه إلى القرى والأرياف لممارستها؛ خوفا من ملاحقة السلطات الإيرانية لهم، كما ومنع أبناؤهم من مواصلة الدارسة الجامعية أو الحصول على عمل مناسب، وإن حصل بعضهم على شهادة أو عمل فيكون تحت غطاء أو مسمى إسلامي . كما وتجسدت هذه الخطوات باستيلاء الحرس الثوري الإيراني في عام 1989 على المعبد الوحيد (المندي) الخاص بالمندائيين في مدينة الأهواز، ولم تكتف السلطات الإيرانية بذلك فحسب، وإنما عمدت إلى تدمير مقبرتهم الوحيدة في المدينة رغم المناشدات التي تقدم بها رجال الدين وشخصيات بارزة من أبناء الطائفة، وعند ذلك بدأت أعداد كبيرة من المندائيين بالهجرة غير المخططة من إيران واللجوء إلى دول عديدة ولم يبق منهم الآن في إيران غير بضعة آلاف.. وقال علي السيستاني في فبراير 2006 إجابة على السؤال التالي: يعتبر الصابئة المندائيون من سكنة العراق الأوائل الموحدين بالله، ولهم كتابهم المقدس (الكنزا ربا) ولهم علاقات متميزة مع كافة المسلمين وخاصة من الشيعة، ما هو رأي الإمام على السيستاني بالدين المندائي والمندائيون وهل يعتبرون من أهل الكتاب أو من أهل الذمة حسب نظركم؟ وقد وصلت الإجابة وهي تحمل ختما من (لجنة استفتاء مكتب سـماحة آية الله العظمى السيستاني)، وتقول (بسمه تعالى، قد يقال بأنهم طائفة من النصارى فيلحقهم حكمهم، ومع الشك فلا يحكم بنجاسة ملاقيهم)
فتوى سنية بخصوص الصابئة:
وبالنسبة للسنة فهناك فتوى من مركز الفتوى التابع لوزارة الإرشاد والأوقاف بدولة قطر تؤكد رفضهم للصابئة حيث تقول:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تقدم الكلام عن الصابئة وعقائدهم، وكثير مما سأل عنه السائل، وذلك في الفتوى رقم: 23568، والفتوى رقم: 30034.
وبقي الإجابة عن قول السائل: هل يعترف الدين الإسلامي بدينهم؟ وجوابه: أن الإسلام لا يقبل بأي دين غير الإسلام، لأن الله هو الذي قال ذلك، حيث يقول سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
وإذا كنت تقصد بالاعتراف الإقرار مع أخذ الجزية، ففي ذلك خلاف بين العلماء، حيث جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إقرار الصابئة في بلاد الإسلام وضرب الجزية عليهم: أما جزيرة العرب فلا يجوز إقرار الصابئين فيها، كسائر الكفار من المشركين وأهل الكتاب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلما"، وحديث عائشة: "آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك في جزيرة العرب دينان"، والمراد بجزيرة العرب خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح "أرض العرب"، وأما في خارج الجزيرة العربية من سائر بلاد الإسلام، فقد اختلف في إقرار الصابئة فيها على أقوال: فذهب أبو حنيفة إلى جواز إقرارهم فيها وأخذ الجزية منهم بناء على أنهم نصارى، وأن تعظيمهم للكواكب ليس من باب العبادة لها.
وقال صاحباه: لا تؤخذ منهم الجزية؛ لأنهم يعبدون الكواكب كعبادة المشركين للأصنام.
وقال المالكية: بجواز إقرارهم كذلك بناء منهم على أن الجزية يجوز أن تضرب على كل كافر، كتابيا كان أو غير كتابي، وذهب الشافعية إلى أن الصابئة يجوز أن تعقد لهم الذمة بالجزية، على القول بأنهم من النصارى إن وافقوهم في أصل دينهم ولو خالفوهم في فروعه ولم تكفرهم النصارى، أما إن كفرتهم اليهود والنصارى لمخالفتهم في الفروع، فقد قيل: يجوز أن يقروا بالجزية وإن لم تجز مناكحتهم؛ لأن مبنى تحريم النكاح الاحتياط، بخلاف الجزية، وهذا التردد عند الشافعية، إنما هو في الصابئة المشابهة للنصارى (وهم المسمون المندائيين)، أما الصابئة عباد الكواكب: فقد جزم الرملي بأن الخلاف لا يجري فيهم، وأنهم لا يقرون ببلاد الإسلام، قال: ولذلك أفتى الإصطخري والمحاملي الخليفة القاهر بقتلهم، لما استفتى فيهم الفقهاء، فبذلوا له مالا كثيرا فتركهم، والمعتمد عند الحنابلة: أن الجزية تؤخذ منهم، لنص أحمد على أنهم جنس من النصارى، وروي عنه أنهم جنس من اليهود، قالوا: وروي عنه أنهم يقولون: إن الفلك حي ناطق، وإن الكواكب السبعة آلهة، فهم كعبدة الأوثان، أي فلا تؤخذ منهم، ورجح ابن القيم القول الأول، قال: هذه الأمة- يعني الصابئة- فيهم المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر، وفيهم الآخذ من دين الرسل ما وافق عقولهم واستحسنوه، فدانوا به ورضوه لأنفسهم، وعقد أمرهم أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم، ولا يتعصبون لملة على ملة، والملل عندهم نواميس لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضهم بعضا، بل يؤخذ بمحاسنها، وما تكمل به النفوس، وتتهذب به الأخلاق. قال: وبالجملة فالصابئة أحسن حالا من المجوس، فأخذ الجزية من المجوس تنبيه على أخذها من الصابئة بطريق الأولى، فإن المجوس من أخبث الأمم دينا ومذهبا، ولا يتمسكون بكتاب ولا ينتمون إلى ملة، فشرك الصابئة إن لم يكن أخف منه فليس بأعظم منه. اهـ.
والله أعلم.