دراسة جديدة تكشف.. تحديات مكافحة تمويل التطرف في ألمانيا

الأحد 08/يناير/2023 - 02:42 م
طباعة دراسة جديدة تكشف.. حسام الحداد
 
مكافحة تمويل التطرف العنيف وغير العنيف، لا تحظى بالأولوية، بل تأتي على هامش التحقيقات التي تركز على المسؤولية الفردية عن أعمال العنف أو الأنشطة العملياتية الأوسع نطاقًا.
وحيث أنه من المهم تطوير أدوات تنفيذية للتخفيف من التطرف والإرهاب، وفقًا لطبيعة التهديد من أجل ضمان عدم التعدي غير المبرّر على الحقوق الأساسية.
ناقش هذا الموضوع هانز جاكوب شندلر مدير أول في مشروع مكافحة التطرف، ومنسق سابق لفريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة للجماعات الإرهابية الجهادية، مثل داعش والقاعدة وطالبان، في أحدث دراساته والتي تحمل عنوان "تحديات مكافحة تمويل التطرف في ألمانيا"
ومن الأمثلة التوضيحية التي قدمها في هذا الصدد تطوير الهيكل الحالي لمكافحة تمويل الإرهاب والتخفيف من مخاطر التطرف العنيف وغير العنيف في ألمانيا، حيث تواجه الجهود الألمانية حاليا للتخفيف من هذه المخاطر تحديات في ثلاث مجالات:
 أولًا: الأساس القانوني الذي تستند إليه الإجراءات التنفيذية في ألمانيا ينطوي على العديد من الضمانات التي تُعقّد عمل جهات التحقيق. ولمتابعة التحقيق في تهم تمويل الإرهاب، لا بد من إثبات وجود صلة قائمة على الأدلة بين الأموال المحددة المعنية والأعمال الإرهابية المحددة. وبالنظر إلى أن الأموال المُحوّلة لدعم الأنشطة الإرهابية نادرًا ما تخصص بوضوح لعملية محددة، فإن هذه عقبة كبيرة، ومن المحتمل أن تُفسّر الانخفاض النسبي في محاكمات تمويل الإرهاب في ألمانيا.
لا توجد في ألمانيا آلية مماثلة لبند “الدعم المادي” الأمريكي الذي يتيح مقاضاة الأموال المرسلة للدعم العام للجماعات الإرهابية. علاوة على ذلك، في حين أن التطرف العنيف وغير العنيف ليسا مفهومين منصوص عليهما في القانون الجنائي الألماني، فإن الممارسة الإدارية المحددة في القوانين، التي تحكم سلطات الاستخبارات الداخلية الألمانية، تتيح جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها فيما يتعلق بالأفراد والجمعيات والجماعات والشبكات والمنظمات التي يعتقد أنها تعمل بنشاط لتقويض المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي في ألمانيا. هذه ميزة للسلطات الأمنية الألمانية. في العديد من الأنظمة الديمقراطية الأخرى: لا يُسمح باتخاذ إجراء تنفيذي إلا إذا تم تصنيف الأفراد أو الجمعيات أو الجماعات أو الشبكات أو المنظمات رسميًا على أنها إرهابية. ومع ذلك، فيما يتعلق بالتحقيقات في الأنشطة المالية لهذه الظواهر المتطرفة، فإن الآلية الألمانية تُفرّق بين الميول المتطرفة العنيفة وغير العنيفة. لا يمكن إجراء تحقيقاتٍ هيكلية في الأنشطة المالية إلا في حالات التطرف العنيف. وهذا يعني أنه على الرغم من الحكم على الأفراد أو الجمعيات أو الجماعات أو الشبكات أو المنظمات على أنها تقوّض النظام الديمقراطي على نحوٍ نشط، ما دام أنها غير مرتبطة بالعنف، فإن أنشطتها المالية محميّة إلى حد كبير. ويمكن أن تؤدّي إعادة هيكلة هذه الآلية القانونية إلى زيادةٍ كبيرة في فرص التحقيق والمقاضاة.
ثانيا: التحدي الثاني الذي تواجهه ألمانيا يتعلق بالثغرات القائمة في الشفافية المالية، ولا سيّما فيما يتعلق بالجمعيات والكيانات التي لا تستهدف الربح. الفرق مع البلدان الأخرى، مثل المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة على سبيل المثال، هو أن هذه المنظمات لا يتعين عليها الكشف علنًا عن هياكلها المالية أو دخلها أو تدفقات إنفاقها. علاوة على ذلك، ونظرًا للهياكل الإدارية الحالية التي تحكم القطاع غير الحكومي في ألمانيا، فإن البيانات المتعلقة بهذه المنظمات موزعة جغرافيًا، وموجودة في سجلات عدة. وفي ظل استحداث سجلٍ مركزي جديد، تخطِّط الحكومة الألمانية لتصحيح هذا ابتداءً من عام 2024 فصاعدًا.
سيتضمن هذا السجل البيانات الأساسية لهذه الكيانات، بما في ذلك أرقام الحسابات المصرفية. ومع ذلك، فلن يتضمن هذا السجل المعلومات المالية. ستبقى هذه البيانات بحوزة السلطات الضريبية المحلية، وبالتالي تظل محميّة بموجب قانون السرية الضريبية. علاوة على ذلك، سوف تتولى السلطات المحلية تحديث البيانات في هذا السجل، وهي المسؤولة الوحيدة عن جودة البيانات. وهذا يمثل تحديًا فيما يتعلق بإدارة الجودة والقدرات. لذلك، يبقى أن نرى تأثير هذا السجل المركزي الجديد على القدرة على رصد تمويل الأنشطة المتطرفة الخبيثة ووقفها.
أما التحدي الثالث يختص بمسائل القدرات والتنسيق وأولويات التحقيق. تنحو قدرات التحقيق داخل سلطات الأمن الألمانية إلى أن تكون وظيفة مركزية مسؤولة أيضًا عن التحقيق في الجرائم المالية واسعة النطاق. بينما يتعامل مع الأنشطة المتطرفة والعنيفة من خلال هياكل تستهدف ما يسمى بالجرائم “ذات الدوافع السياسية”. وبالنظر إلى أن الأنشطة المالية الخبيثة للجماعات الإجرامية المنظمة أوسع نطاقًا، فإن ذلك يمثل تحديًا لتخصيص موارد التحقيق. علاوة على ذلك، لا يمكن للسلطات الضريبية المحلية، التي لديها إمكانية الوصول إلى المعلومات المالية للجمعيات المتطرفة والكيانات التي لا تستهدف الربح، أن تبدأ تحقيقًا بالأصالة عن نفسها إلا إذا كانت لديها مؤشرات واضحة على ارتكاب احتيال ضريبي. يمكن أن تؤدي كل من خطة العمل الجديدة للحكومة الاتحادية ضد التطرف اليميني، وكذلك السلطة الاتحادية الجديدة المخطط لها لمكافحة الجريمة المالية، إلى إعادة التوازن في هذا الصدد. ومع ذلك، وبما أن التحقيقات في الأنشطة المالية للأفراد والجمعيات والجماعات والشبكات والمنظمات المتطرفة تتطلب خبرة كبيرة، بما في ذلك على المستوى المحلي، فإن زيادة التعاون والتنسيق بين مختلف السلطات، بدلًا من زيادة مركزية قدرات التحقيق المالي، قد يكون لها تأثير أكبر في هذا الصدد.
من ناحيةٍ أخرى، يُعد الغياب شبه التام للمعلومات التفصيلية المتاحة للجمهور بشأن الأنشطة المالية لشبكات الإخوان المسلمين في ألمانيا، مثالًا واضحًا على هذه التحديات. وعلى غرار عملياتها في دولٍ أخرى، لا تتصرف جماعة الإخوان المسلمين بشكلٍ علني في ألمانيا، وعادة ما ينكر أعضاؤها أيَّ صلاتٍ بالشبكة العالمية، حتى لو كانت هذه الاتصالات واضحة. وتصنّف السلطات الأمنية الألمانية هذه الشبكات على أنها “إسلاموية قانونية” للإشارة إلى أنه في حين أن الأيديولوجية الأساسية تحاول بوضوح تخريب البنية الديمقراطية والتعددية الأساسية في ألمانيا، فإن مؤيديها حريصون على عدم نشر العنف أو انتهاك القانون الألماني علنًا. هذا، إلى جانب التحديات المحددة المتعلقة بالشفافية المالية، وتحديد أولويات التحقيق، يعني ذلك أن التحقيقات الهيكلية في العمليات المالية، بما في ذلك التمويل الأجنبي لشبكات الإخوان المسلمين في ألمانيا، تكاد تكون مستحيلة حاليًا.
وأخيرا يوجز هذا التقرير الآليات الحالية التي استحدثتها ألمانيا للتخفيف من المخاطر الناجمة عن تمويل الإرهاب والتطرف العنيف وغير العنيف. وتمثل هذه الآليات ثلاثة تحديات أساسية للمحققين:
1-     وجود أساس قانوني تقييدي وقيود إدارية كبيرة على قدرة السلطات الأمنية على جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بالعمليات المالية للكيانات المتطرفة في ألمانيا
2-     وجود ثغرات في الشفافية المالية والتوزيع الواسع للبيانات ذات الصلة، التي تحول دون التدقيق في العمليات المالية على وجه الخصوص للكيانات المتطرفة غير العنيفة في ألمانيا
3-    غياب التنسيق بين السلطات الإدارية وسلطات التحقيق، ووجود تعارض في أولويات التحقيق .
وكما أوضح مثال الكيانات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا، فإن هذه التحديات تقود إلى نقص المعلومات المتاحة بشأن الهياكل المالية الأساسية للكيانات المتطرفة، حتى لو كان من المحتمل أنها تمتلك أصولا كبيرة، كما هو الحال على الأرجح مع التجمع الإسلامي الألماني.

شارك