الكاردينال ساكو بطريرك الكلدان في العراق : الدولة لا زالت هشة
شدد البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، على ضرورة بقاء المسيحيين على ارضهم، وأن يتواصلوا مع اخوتهم في الوطن، لأن الشر ليس له مستقبل، وإن الخير وإن كان بطيئا إلا إنه سيدوم. وقال الكاردينال لويس روفائيل ساكو في حوار اجراه مع صحيفة الزمان الدولية اثناء زيارته الرعوية لبريطانيا إن الهجرة تعني إنك ستترك كل هذا التراث وهذا الارث وهذا التاريخ وهذه الحضارة خلفك لتبني شيئا جديدا. هذا نوع من الانسلاخ. حتى لو بقينا أقلية فذلك لايهم لاننا نمتلك الارض والشعور وعندنا اللغة. إن مشكلة البلد أن الدولة لا زالت هشة، يعني لا توجد دولة قوية، دولة قانون، دولة مساواة، دولة عدالة، دولة مواطنة، دولة خدمات. كأننا نعيش في دويلات مع الاسف، هذه الميليشيات صارت احيانا اقوى من الدولة نفسها. أليس كذلك؟.
هذا النوع من التجاوز على الدولة سيخلق قلقا عند المواطن الذي سيعاني من الخوف من المستقبل، وبالتالي سيفكر وسيقول مع نفسه: انا في بلدي لكني لست محترما، ولا ضمان لي، ولا أمان أو مستقبل لأولادي، إذن الافضل لي أن اهاجر.
الوضع الان على المستوى الامني تحسن كثيرا، لكن ما زال هناك عجز في الخدمات، وتدهور في الجانب الصحي والتعليمي، والفساد مستشرٍ حتى في أبسط مفاصل الدولة. بالرغم من إن السيد رئيس الوزراء الحالي عنده نزوع نحو وضع الحلول للازمات التي يعيشها العراقي لانه يراقب ويتابع كل الاشياء، لكن وكما يقول المثل المعروف)يد واحدة لا تصفق).
وحول مرور خمس سنوات على تحرير مدن العراق من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، وعدم عودة اعداد كبيرة من المهجرين المسيحيين الى قراهم قال الكاردينال لويس روفائيل ساكو راجعنا المسؤولين كثيرا، وتحدثنا معهم كثيرا حول هذا الشأن. مع تسنم كل رئيس وزراء جديد مهام منصبه كنا نزوره ونتحدث معه منذ ايام حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، ومن ثم الكاظمي، وحتى الرئيس الحالي محمد شياع السوداني، وطالبنا أن يكون هنالك حل حقيقي للمناطق المسيحية، لاننا نعتقد أن وضعهم مختلف، وعاداتهم الاجتماعية وثقافتهم مختلفة. وقد قلت مرارا للمسؤولين أن مجتمعات قرى ومدن المسيحبين تعرف الاختلاط، وإن البنات والسيدات لا يرتدين الحجاب، وهم اليوم غير مطمئنين لتواجد الميليشيات في مناطقهم، حتى إن كانت هذه الميليشيات ذات صبغة او صفة مسيحية نحن نرفض ذلك.
من البداية انا رفضت أن يكون هناك ميليشيا مسيحية. لان هذا الامر يتقاطع مع اخلاق المسيحيين. والمسيحي الذي يريد أن يدافع عن بلده العراق، وهذا واجب وطني شريف بكل تأكيد، لينخرط في الجيش او الشرطة الاتحادية. ولا يوجد داعٍ لخلق ميليشيا اسمها مسيحي، لكنها بالنتيجة لم تقدم أي شيء للمسيحيين، بل بالعكس انتفعت عبر وجودها وادعائها تمثيل المسيحيين.
دعني اعطيك مثالا حتى لا يكون كلامي مجردا ونظريا، او كأني أحمل عداءً لهذا الطرف او ذاك. أنا رجل دين ولا أعادي احدا، لكني لا أقبل الظلم والعدوان، وهذا ما حدث مع مئة وعشرين عائلة من المهجرين الساكنين في كرفانات في مجمع (مريم العذراء) في منطقة زيونة في بغداد. المستثمر أخذ الارض وهدم المجمع وطرد هذه العوائل المنكوبة. أين سيذهب هؤلاء؟. لم يتحرك أحد لانقاذهم ، ولا عملوا اي شيء لهم. انا الوحيد ذهبت بنفسي، واطلعت على مشكلتهم، ولأني لا استطيع ايجاد حل للكل، اخترت أفقر العوائل ممن لا يملكون اصدقاء او اقارب يمكن أن يلجئوا لهم، وكانوا عشرين عائلة أمرت باسكانهم في بيوت الكنيسة وفي الكنائس ببغداد مجانا، كما رتبت ايجار بعض الشقق السكنية لبعض العوائل، اما الاخرين الذين يتحدثون باسم المسيحيين فليس لديهم أدنى فكرة عن المشكلة. فماذا يعني أنهم يمثلون المسيحيين؟ اذا لم يكن يعرف كيف يساعدهم في محنتهم، او يدافع عن حقوقهم، وعن تمثيلهم، فهل هذا سياسي مسيحي ويسعى لابتلاع حصة المسيحيين في الكوتا. الحقيقة أنا أفضل أن تلغي الكوتا، وأن يكون هناك شيء اسمه الوطن والمواطنة، النواب يدافعون عن كل المواطنين بغض النظر عما إذا كانوا شيعة، سنة، مسلمين، مسيحيين، اكرادا او عربا. لان عضو البرلمان يجب أن يمثل كل عراقي.واضاف البطريرك ساكو لصحيفة الزمان نحن ليس لدينا شيخ، وليس لدينا هذه السلوكيات الميليشياوية، وإن المسيحيين في العراق كانوا دائما مسالمين ولا يحملون السلاح. هذه الالقاب القادمة من الثقافة العشائرية غير موجودة عند المسيحيين. نحن ليس لدينا فصل عشائري، وليس لدينا عشيرة، الكل افرد ينتمون لعوائلهم وكنائسهم، فهم اولاد الكنيسة. ونحن دائما موالاتنا للحكومة وللبلد، واذا تعرضنا لمشكلة او اعتداء، فاننا نلجأ للقانون لينصفنا وليس لدينا شيوخ عشائر.
وحتى شيوخ العشائر عندهم ثقافتهم وعندهم عطائهم، وعندهم تاريخهم. اما أن يخرج لنا شخص ما فجأة ويدعي إنه الشيخ فلان، فهذا أمر غريب ومرفوض. وكذلك والحمد لله بقية الاحزاب المسيحية لم تدع انها مليشيا، هنالك اسباب وظروف توفرت للعمل السياسي، وهم من حقهم ان يعملوا وفق هذه الشروط، وانا ادافع عنهم وعن حقوقهم جميعا، لانهم موجودون في الساحة ويدافعون عن المكون المسيحي وعن العراقيين. وقد يكون هنالك تنافس بين احزاب المكون، لكن هذا الشخص يريد أن يستحوذ على كل ما اسمه مسيحي، ليس فقط من الجانب الاجتماعي او السياسي، بل ايضا من الجانب الكنسي، وهذا أمر غير مقبول.نحن كنيسة حرة، نحن مؤسسة دينية روحية لها قيمها واخلاقها وروحيتها، ولا يوجد أحد يقدر أن يصادر ارادتها او يتدخل في شؤونها.