استعراض الملالي لصاروخ "فتّاح"....تحذيرات واسئلة خطيرة
تعمل إيران بلا هوادة على تعزيز قدرتها على الردع وعلى تنفيذ ضربات استباقية، ولطالما اعتبرت، في هذا الإطار، أن صنع صاروخ فائق السرعة هو بمثابة الحل السحري. وفي رسالة خاصة مكتوبة بخط اليد إلى المرشد الأعلى علي خامنئي بتاريخ 12 ديسمبر عام 2005، أفاد الجنرال حسن طهراني مقدم، الذي كان آنذاك رئيس سلاح المدفعية والقوات الباليستية في "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" و"منظمة جهاد الاكتفاء الذاتي"، والذي قُتل في انفجار مرتبط بالمهام الوظيفية الموكلة له في عام 2011، بفخر أن منظمته بدأت للتو العمل على "صاروخ فائق السرعة يملك القدرة على ضرب وردع إسرائيل". وفي ذلك الوقت، لم يكن تطوير الصواريخ الاعتراضية الغربية والإسرائيلية المتقدمة مثل "حيتس 3" قد بدأ بعد.
ويبدو أن برنامج التطوير استمر تحت إدارة "مقدم "لمدة عقدين من الزمن تقريباً حتى كشف "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" أخيراً، عن "صاروخ باليستي فائق السرعة" أُطلق عليه اسم "فتّاح"، أي "الذي يفتح أبواب النصر"، وذلك بحضور الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وكبار قادة "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني". وجاء ذلك في أعقاب سلسلة من الخطابات والمقابلات التلفزيونية التي ألقاها وأجراها قائد "القوة الجوفضائية" في "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" الجنرال " أمير علي حاجي زاده" الذي أعرب عن فخره بمميزات الصاروخ، مثل السرعة القصوى البالغة 12-13 ماخاً، والقدرة على إجراء مناورات وتصحيح المسار في منتصف الرحلة خارج نطاق الغلاف الجوي والمرحلة النهائية ضمن الغلاف الجوي، والقدرة على تنفيذ ضربات دقيقة دون التعرض لنيران أنظمة الدفاع الحالية المضادة للصواريخ.
وقال الباحث " فرزين نديمي" في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني والمحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج. في تقرير له نشره المعهد بعنوان " الجيل القادم من الصواريخ الباليستية الإيرانية:التقدم التقني والأهداف الاستراتيجية والردود المحتملة من الغرب " إن الصاروخ الذي تم عرضه على الملأ والذي طُلي باللون الأسود وليس باللون الرملي المعتاد، يشبه الجسم الرئيسي لصاروخ "خيبر شكن" الذي يعمل بالوقود الصلب والذي تم الكشف عنه في فبراير عام 2022، في الوقت الذي كانت فيه المحادثات النووية في فيينا تقترب من مرحلة حرجة. ومع ذلك، فإن الفتاح يحمل رأساً حربياً/مركبة عائدة مخروطية جديدة مزودة بمحرك مخصص لتوجيه الدفع يعمل بالوقود الصلب ويتم تفعيله وفقاً لبعض التقارير على مسافة تتراوح بين 900 و300 كيلومتر من الهدف المنشود، وفقاً لمعطيات الرحلة، ويحوّل بشكل فعال مجموعة المركبة العائدة إلى منصة ثانية. إن محرك الصاروخ ذو الخزان الكروي والمحسن لناحية الفراغ الفضائي هو النوع ذاته الذي تم استخدامه في عامَي 2020 و 2022 في الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية "قاصد" التابعة لـ"الحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، كوحدات مناورة مدارية لوضع قمريْ "نور 1" و "2" الصناعيَين من فئة "كيوبسات" في مدارهما المنخفضان حول الأرضية على مسافتَي 425 و 500 كيلومتر على التوالي. ويُقال إن محرك صاروخ المناورة المدارية الفريد من نوعه، إلى جانب الزعانف المتحركة، يسمح لمركبة "فتّاح" العائدة بإجراء تعديل كبير للمسار المحدد مسبقاً ومناورات تجنب الدفاع الصاروخي خارج الغلاف الجوي وداخله. وربما ساهم المحرك في السرعة العالية والفائقة المزعومة في بداية المرحلة النهائية. بالإضافة إلى ذلك، قبل إعادة الدخول مباشرةً، يبدو أن المركبة العائدة تتجه نحو الأسفل لإعادة توجيه ذاتها والحد من المقطع العرضي للرادارات الأرضية. وفقاً لحاجي زاده، يهدف مجموع هذه القدرات إلى جعل حساب المسار والاعتراض بواسطة الدفاعات المضادة للصواريخ "مستبعداً جداً لعقود مقبلة، إن لم يكن مستحيلاً تماماً".
واضاف "نديمي "قائلا إذا نظرنا إلى القدرات الظاهرية التي تدّعي إيران امتلاكها في صاروخها الفائق السرعة، يمكن اعتبار أن صاروخ "فتّاح"، بتصميمه الحالي، يندرج ضمن فئة فرعية خاصة به. هذا لأن محرك الصاروخ الكبير نسبياً الذي يعمل بالوقود الصلب مع توجيه الدفع في قسم الرأس الحربي/المركبة العائدة يسمح بمناورات كبيرة خارج الغلاف الجوي، في حين أنه لا يزال بطبيعة الحال غير قادر على إجراء مناورات جوية كبيرة ومستمرة باستثناء تصحيحات طفيفة في المسار. وفي سياق منفصل، حاول مقطع فيديو قصير نُشر في يوم الكشف عن الصاروخ الإشارة إلى نجاح تجربة الإطلاق، إلا أن الفيديو أظهر على الأرجح اختباراً سابقاً لصاروخ "خيبر شكن" بحجم مماثل، مما يعني أن "فتّاح" لا يزال بحاجة إلى بعض الوقت ربما ليخضع للاختبار التجريبي الأول وإلى عدة سنوات ربما ليصبح جاهزاً للإستخدام. وقد يمنح ذلك المزيد من الوقت لشركات الدفاع مثل "نورثروب غرومان" و"رافائيل" لتطوير تكنولوجيا مقاومة للصواريخ الفائقة السرعة.
وحذر التقرير من استمرار إيران في تخصيص مبالغ مالية ضخمة وعدد كبير من القوى العاملة لتطوير صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار أكثر فعالية وأطول مدى، وبنفس القدر لدعم سياساتها العسكرية في المنطقة. وستقوم بذلك ليس لتعزيز قوة الردع الخاصة بها ونفوذها التفاوضي فحسب، بل لزيادة الضغط النفسي والحركي تدريجياً على الولايات المتحدة وإسرائيل أيضاً. ولإحداث المزيد من التعقيدات لهؤلاء الخصوم وكسب المزيد من الوقت، ستحافظ إيران على الأرجح على مبادراتها الرامية إلى وقف التصعيد الإقليمي، كما حدث عندما استأنفت العلاقات الدبلوماسية مع السعودية في مارس الماضي.
واكد إن امتلاك الملالي لقدرات صاروخية فائقة السرعة يمكن الاعتماد عليها كالتي يتمتع بها صاروخ "فتاح" والتي تمكّنها من إصابة أهداف عالية القيمة بدقة وسرعة وبشكل غير متوقع على بعد مئات، لا بل آلاف الكيلومترات، يمكن أن يمثل تحدياً كبيراً لأنظمة الإنذار والدفاع الصاروخية القائمة حالياً أو لتلك التي في مرحلة التطوير وسيشكل ذلك تطوراً مقلقاً. وقد يتحول في النهاية إلى نظام قصف مداري أكثر إثارة للقلق قادر على ضرب أي مكان في العالم في وقت قصير. وهذا هو الحال على الرغم من أن "فتّاح" ما زال بحاجة إلى عدة سنوات على ما يبدو قبل نشره بشكل كامل.
وفي الوقت نفسه، فإن طهران قادرة تماماً على تصنيع صاروخ وتحضير قدرته التشغيلية الأولية. وفي هذه الحالة، إن الصاروخ هو "خرمشهر 4" الذي يمكنه نقل رأس حربي نووي إلى مدى الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى ولاحقاً الصواريخ الباليستية ذات المدى فوق المتوسط. ويمكن توقع إدراج مثل هذا الصاروخ في ترسانتها الصاروخية قريباً، هذا إن لم تكن تمتلكه أساساً بكميات محدودة. وفي الوقت الذي يكتسب فيه النظام الإيراني ثقة متزايدة في قوة الردع التقليدية التي يملكها، إلا أنه يدرك أيضاً أنه في حال مواجهته لقوى نووية راسخة، فإن القدرة على الردع النهائي تعتمد على استخدام الأسلحة النووية المنتشرة.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يمكن فعله للحد من مخاطر هذه القدرات الإيرانية المتنامية إلى جانب نهجها الرامي إلى امتلاك سلاح نووي. وتعمل الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية وإسرائيل أساساً على تطوير أجهزة متقدمة تكنولوجياً لكشف واعتراض الصواريخ الفائقة السرعة، ولكن يجب إعطاء أولوية أكبر لهذه الجهود وتكاملها بشكل أفضل عبر الحدود الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لواشنطن على وجه الخصوص أن تساهم في كبح جماح طهران التي تزداد جرأة، من خلال نشر ما يمكّنها من تسديد ضربات دقيقة تقليدية طويلة المدى في المنطقة يكون لها سرعات فائقة والقدرة على المناورة، إلى جانب اختراق اختياري للأهداف المحصنة. إن سلاح الجيش الأمريكي البعيد المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت (LRHW) الذي يمكن نقله براً، وهو نظام صاروخي معزز الانزلاق يتم إطلاقه من الأرض ويبلغ مداه حوالي 2800 كيلومتر، سيدخل قريباً حيز التشغيل، وبينما تُعتبر منطقة الهندي-الهادئ غالباً المسرح المفضل لنشر مثل هذه الأنظمة المتقدمة، يجب أيضاً النظر في إمكانية استخدام الشرق الأوسط لأي نشر مبكر. وبهذه الطريقة، يمكن للولايات المتحدة طمأنة جيران إيران وإظهار قدرتها على ضرب أي عدد من الأهداف العسكرية بسرعة في جميع أنحاء إيران والمنطقة بثقة ودون أن يكون لهذه الضربات أي تبعات.