يقرا الدكتور خالد فهمي المؤرخ وأستاذ التاريخ بجامعة أوكسفورد بمهارة شديدة التاريخ من أسفل .وفي كتابه (الجسد والحداثة الطب والقانون في مصر الحديثة ) الصادر بترجمة شريف يونس عن دار الكتب والوثائق القومية يمتلك ادوات الأكاديمي المبدع حيث  يُقدم هذا الكتاب زاوية جديدة لـ (تاريخ مختلف ) للقرن التاسع عشر، أو لما يسمى بعصر النهضة الأول، عن طريق دراسة بعض الممارسات القضائية التي أثّرت في تشكيل النظام القضائي في شِقه الجنائيّ، مع بيان تفاعل الناس مع تدخّل الطب والقانون في شئون أجسادهم؛ فيما عرف بـ (الطب السياسي )، الذي أُدخل دون إسباغ شرعية دينية عليه؛ فهو كتابٌ يهتم بتاريخ الناس العاديين (الأنفار )، وهو المدخل الذي نعالج به هذا الموضوع، وليس المدخل (التقليدي ) الذي يُعنَى بكتابات النخبة أو الصفوة المشتغله بالطب أو القانون.وفي ثنايا الكتاب يقدم قصة ذات دلالة مغايرة عن الاقباط.تكشف عن سعيهم لدولة المواطنة والقانون وهي محور يمكن البناء عليه .حيث يوثق خالد فهمي هذه الواقعة
. في ١٧ يناير ١٨٥٧ ، كان رجلان عجوزان قبطیان من جرجا في الصعيد يعملان في السخرة، تحت إشراف وكيل المديرية، وهو تركى الأصل في الغالب يدعى على أفندى بهجت الذى أمرهما، واسميهما إسحاق طانيوس وبسطاروس يوسف، بهدم حائط قديم فتقاعسا ليومين، وفي اليوم الثالث قرر على أفندى أن يلقنهما درساً : بالفلقة، فبدأ أولا بضرب بسطاروس وضربه ستة جلدات على باطن قدميه. وحين رأى إسحاق صديقه وهو يضرب، أغمى عليه فجأة ومات أو هكذا قال على أفندى فى شهادته. غير أن أهل  إسحاق كان عندهم رواية أخرى قالوا أن على أفندى بعد أن انتهى من ضرب بسطاروس  التفت إلى إسحاق وبدأ يضربه بدوره. ولما كان يجهل أن إسحاق أبكم، فقد اعتبر صمته علامة على التحدى، فقرر أن يرغم أنفه وأخذ في جلد قدمى الرجل العجوز بعنف في ثورة عارمة، حتى مات الرجل متأثرا بجراحه حين بلغت الأنباء المديرية، استدعت حكيماً ليجرى فحصاً للجثة، فأنهى تقريره قائلاً أنه لم يجد أية علامات مريبة على الجثة. وتبعا لذلك أرسلت الجثة لبيت أهله لدفنها، ولكن الأهل رفضوا استلامها وقد تملكهم الغضب من التقرير الطبي، الذي اعتبروه دليلا على إرهاب نائب مدير المديرية، وأغلقوا الطريق المؤدى للبيت وانتهوا إلى سد كل
المسالك الموصلة للقرية. وكرمز درامى لمقاومتهم  وضعوا  الجثة ليلتها على تل البلدة . وفى الصباح أخذوا الجثة لحكيم بندر الفشن القريب ولكن الحكيم  رفض أن يقدم  فحص جديد للجثة  رحلوا إلى أسيوط، على بعد اكثر من ۱۰۰ كيلومتر، وقبل  الحكيم المقيم على فحص الجثة. ولكنه، ولحسرة أهل المتوفى لم يجد دليلا حاسما على أن  الضرب كان سببا للوفاة وقد يكون ذلك لأن وفاة اسحاق كانت قد مضت عليها أربعة أيام على وفاته، وكان الجسد قد انتفخ وانفجر"وفي التحقيقات التي جرت عن هذه القضية فى المديرية ادعى على بهجت في دفاعه أن كل الاتهامات زائفة لفقها وكيل الورثة وهو قبطى اسمه توما روفائيل، الذي سبق أن تم فصله من خدمة الحكومة، ثم طلب منه أن يعتذر لكى يعاد توظيفه، و رفض طلبه .
وقد رد  توما قائلا أن "وكيل المديرية والقاضى وبعض كتاب المديرية مرتكبين أمور مغايرة في غدر الميرى والأهالى وانه جارى استخدام اشخاص ممنوعين من الخدامة [ أى السخرة "  كما طالب المدعون بوقف على بهجت عن عمله أثناء نظر القضية لأنه صرفي "مجلس أسيوط " و حاصل له الميل فى التحقيق"، في تلميح إلى أن أعضاء المجالس" المختلفة يشكلون عصبة ويمكن أن يخفوا جرائم بعضهم البعض. وبناء عليه تم بالفعل إيقاف على بهجت مؤقتاً عن عمله .
ويستمر خالد فهمي في توثيق الواقعة قائلا
حين طلب من المدعين إحضار شهود لإثبات ادعائهم بأن إسحاق قد مات بالضرب الوكيل، وأوضحوا في شهادتهم أنه م يستطيعوا أن يجدوا أحدا يرغب فى الشهادة ضد الوكيل بشكل علني و وجد عدد كبير من الشهود ولكن الشهود تكتموا الشهادة من التخويف الحاصل لهم من  المديرية نظرا للوكيل ." . وكانت الشهادة الوحيدة التي نجحوا في تدبيرها هي شهادة مكتوبة مؤرخة ١٠ صفر ١٢٧٤ ( ٣٠ سبتمبر (١٨٥٧ ، وممضاة ومختومة من قبل  الشيخ عبد المنعم رضوان الوكيل السابق في البلينا   الذى أقر بأنه شهد واقعة الضرب غير انه عاد وأنكر أنه قد كتب الوثيقة وأنكر كل الشهود الآخرون أنهم قد رأوا الوكيل يضرب  إسحاق .وقد استخدمت المجلس المنطق البسيط قال "المجلس": لكون الحادثة واحدة فإن الضرب قد يكون حدث للاثنين وأخيرا عرضت القضية على مجلس الفشن الذى كان يميل إلى أن إسحاق تعرض   للضرب من أجل هدم حائط  وهى مشتركة بين النفرين... فلا وجه الضرب أحدهما وترك الآخر وبهذا يرى حصول الضرب للميت المرسوم ". غير أن الحكم واصل
قائلا:
انما من كون من ظاهر القضية واضح على أن الضرب الذي صار هو عبارة عن ستة كرابيج فقط وهذا فضلا عن كونه على محل الضرب عادة فان مبلغ جزءا مثل هذا لا يكن باعث للموت... وحيث أن الحكيم باشي ( الطبيب )... قد جزم على أن موت المرسوم كان بداء السكتة وأن هذا الداء ينشأ من الأنواع التي أوضح عنها أى "التقدم في السن والحر والبرد والخوف والفزع وشرب الخمر وما أشبه ذلك "] وتلك الأنواع يوجد بعضها فى هذه المادة اذ يرى أن بوقت موت ذلك النفر كان زمن حرورات ۱۷] يناير ؟!] وذات الميت كان رجل هرم ومع الخوف الذي حصل له فيرى أنه لا مانع فى أن موته كان بهذا الداء ونشأ من سبب من هؤلاء الأسباب وشرعا ما ترتب فى هذه المادة شيء فاستصوب صرف النظر عن قضية وفات المرقوم .
على أنه تم توبيخ على بهجت لأنه لم يضع في حسبانه سن المتوفى، وعوقب بالإيقاف عن العمل مع إنقاص مرتبه أثناء الإيقاف، ووافق مجلس الأحكام على الحكم وصدق عليه .
دلالات ومعاني :
الواقعة تختمر عدد من الدلالات والمعاني المهمة
فهي تكشف عن إصرار العائلة القبطية الصعيدية علي الحصول علي حقها بالقانون .بل وسعت بصورة غريبة للبحث عن تقرير طبي في جرجا والفشن وأسيوط علي بعد 100 كيلو لدرجة انتفاخ الجثة وانفجارها رغم أن المثل المصري المتمكن في النفوس يقول  أن إكرام الميت دفنه .ولم يستسلم الأهل الي النظرية السائدة  أن الفقيد عجوز وكان أيضا أبكم وان موته قضاء وقدر .كما لم تشير الواقعة من قريب أو بعيد الي تدخل ما من الكنيسة أو وجود دور لها أو للكهنة أو شكل من أشكال المنحي الطائفي .بل إن الواقعة بكل ما تحمل من إيجابيات تقدم صورة مغايرة للقبطي الخانع المستسلم والضعيف وهي الصورة الأكثر تداولا للأقباط في كتب التاريخ الكنسي