دلالات خطاب نعيم قاسم في أول ظهور له بعد اغتيال نصر الله

الثلاثاء 01/أكتوبر/2024 - 03:56 ص
طباعة دلالات خطاب نعيم حسام الحداد
 
في أول ظهور له بعد اغتيال حسن نصر الله جاءت كلمة نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، الذي وجهها لعناصر حزب الله يوم الاثنين 29 سبتمبر 2024، في سياق شديد الحساسية والتوتر عقب استشهاد الأمين العام للحزب حسن نصرالله في غارة إسرائيلية، وهو حدث هزّ الأوساط السياسية والشعبية على مستوى لبنان والمنطقة. في خضم هذه الظروف، ظهر قاسم ليوجه خطابًا يهدف إلى نفي الشائعات التي روجها الإعلام الإسرائيلي حول تفاصيل اغتيال نصرالله وقادة آخرين من الحزب، كما سعى إلى إعادة تأكيد استمرارية المقاومة رغم هذه الخسارة الكبيرة. جاءت الكلمة كجزء من جهد تعبوي يعزز وحدة الصف الداخلي، ويحافظ على معنويات عناصر الحزب وداعميه، في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى توجيه ضربة معنوية للمقاومة.
وفي الكلمة التي ألقاها نعيم قاسم، يتضح أن الخطاب ينتمي إلى الخطاب السياسي التعبوي، حيث يسعى قاسم إلى تحقيق أهداف عدة من خلال تفعيل مجموعة من الاستراتيجيات الخطابية. يتجلى هذا في الطريقة التي يقدم بها قاسم شخصية حسن نصرالله كرمز وقائد للمقاومة، مع تعزيز استمرارية الحزب في ظل التحديات التي يواجهها.
بناء الأسطورة وتثبيت الرمزية
يلعب نعيم قاسم دورًا أساسيًا في تأكيد الأسطورة المحيطة بشخصية حسن نصرالله، الذي يصوره ليس فقط كقائد عسكري، بل كشخصية ملهمة روحيًا وأبًا للشهداء. استخدم قاسم أوصافًا مثل "أخ"، "حبيب"، و"أب"، ليعطي لنصرالله صفة الشخصية البطولية الأسطورية التي ضحت من أجل القضية حتى النهاية. هذه الاستراتيجية جزء من منهج بناء الرمزية الذي يعتمده حزب الله لتثبيت قادته كرموز قومية ودينية. هذه الرمزية تساعد في الحفاظ على وحدة وتماسك الصفوف الداخلية، وتؤدي إلى تعزيز الالتزام الجماهيري حول القضايا المحورية.
خطاب الوحدة والمقاومة
الخطاب يتمحور حول مفاهيم الوحدة والمقاومة، وهما ركيزتان أساسيتان في خطاب حزب الله. تكرار عبارات مثل "نحن أهل الجهاد" و"نحن أهل الصبر" يعزز من الإحساس بأن المقاومة ليست فقط مهمة عسكرية، بل واجب ديني واجتماعي يجب أن يتبناه كل فرد من أفراد المجتمع. يستخدم قاسم هذه العبارات لتعزيز الشعور بالتضامن بين أعضاء الحزب والجمهور الموالي له، مع التأكيد على أن المقاومة مستمرة رغم الخسائر.
نفي الشائعات وتحقيق الاستمرارية
من خلال نفيه وجود اجتماع بين حسن نصرالله وعشرين من قادة الحزب عند وقوع الغارة، يسعى قاسم إلى تفنيد الروايات الإسرائيلية التي تهدف إلى زعزعة الثقة داخل صفوف الحزب وبين الجمهور الداعم. هذا النفي يعكس نهجًا تكتيكيًا في إدارة الحرب النفسية، حيث يحاول قاسم إظهار الحزب كمؤسسة قوية ومنظمة، تمتلك البدائل القيادية والقدرة على التكيف مع الأزمات. يؤكد أيضًا أن الحزب لديه هيكلية منظمة وبدائل جاهزة لكل قائد يتم اغتياله، مما يعزز فكرة الاستمرارية وعدم الانكسار.
ربط القضية بالمقاومة الإقليمية والجماهير
قاسم يربط بين قضية المقاومة في لبنان والنضال الفلسطيني، وخاصة القدس، مما يمنح الحزب بُعدًا إقليميًا أوسع. هذا الربط يخدم هدفًا سياسيًا واستراتيجيًا يتمثل في توسيع دائرة الدعم الجماهيري للحزب، ليس فقط داخل لبنان بل في العالم الإسلامي ككل. يعزز قاسم فكرة أن حزب الله لا يعمل بمعزل عن القضايا الكبرى في المنطقة، بل هو جزء من النضال الإسلامي الأوسع ضد إسرائيل.
التماسك الجماهيري وإضفاء الطابع الشعبي على المقاومة
واحدة من أبرز الاستراتيجيات في هذا الخطاب هي تأكيد قاسم على أن المقاومة ليست مجرد تنظيم عسكري بل هي حركة جماهيرية قائمة على دعم الشعب. قاسم يشدد على أن الجمهور اللبناني الذي دعم المقاومة في أحلك الظروف سيواصل دعمه، مما يخلق شعورًا بالتماسك الجماهيري. هذه الاستراتيجية تخدم غرضين: الأول هو تعزيز الروح المعنوية بين عناصر الحزب ومؤيديه، والثاني هو إظهار الحزب كمنظمة تعتمد على الشرعية الشعبية وليس فقط على القوة العسكرية.
نقد للخطاب
الخطاب الذي قدمه نعيم قاسم يعتمد بشكل أساسي على تعبئة المشاعر وتثبيت المفاهيم الأساسية للمقاومة، مثل الثبات والصبر والجهاد. من خلال التركيز على القيم الروحية والرمزية، ينجح قاسم في تقديم خطاب يهدف إلى تقوية المعنويات والحفاظ على تماسك القاعدة الشعبية للحزب. ومع ذلك، قد يكون للاعتماد الزائد على الرمزية والأسطورة تأثير مزدوج؛ فمن جهة، يعزز الروح المعنوية، لكن من جهة أخرى، قد يفتح المجال للتساؤل حول كيفية القيادة بعد فقدان الشخصيات المحورية مثل حسن نصرالله.
الإشارة إلى استمرارية المقاومة بفضل التنظيم والبدائل القيادية تشير إلى أن الحزب يمتلك خطة استراتيجية واضحة للتعامل مع التحديات. كما أن الربط بين المقاومة والقضية الفلسطينية يعزز من مكانة الحزب كلاعب إقليمي، ويعطي الخطاب بعدًا سياسيًا يهدف إلى استقطاب الدعم الخارجي.
باختصار، الخطاب يعكس استمرارية النهج التعبوي لحزب الله، حيث يتم استخدام الشخصيات القيادية كرموز للصمود، ويتم تقديم المقاومة كحركة جماهيرية متكاملة ذات أبعاد إقليمية ودينية. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات مستقبلية تتعلق بالقيادة والقدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
الدلالات
كلمة نعيم قاسم، تحمل دلالات عديدة على المستويات السياسية، التنظيمية، والعسكرية، والتي يمكن تلخيصها كالتالي:
استمرارية المقاومة وعدم التراجع: الدلالة الأساسية في خطاب قاسم هي تأكيد استمرارية المقاومة ضد إسرائيل رغم استشهاد حسن نصرالله. الرسالة واضحة بأن هذه الخسارة لن تؤدي إلى تراجع الحزب أو تضعيفه، بل ستزيد من عزيمته وإصراره.
نفي الشائعات والتحكم بالسرد الإعلامي: حرص قاسم على نفي الشائعات التي روجتها إسرائيل حول اجتماع قادة حزب الله لحظة الغارة، مما يعكس سعي الحزب إلى التحكم بالسرد الإعلامي وتوجيه الرسائل للجمهور المحلي والدولي. هذا التصريح يسعى لتقويض الرواية الإسرائيلية وإظهار المقاومة بموقف القوة.
البنية التنظيمية الراسخة للحزب: أشار قاسم بوضوح إلى أن الحزب يمتلك هيكلية قيادية منظمة قادرة على التعامل مع فقدان القادة الرئيسيين. هذه الدلالة تعكس أن الحزب مستعد لأي طارئ عبر وجود نواب وبدائل جاهزة للتولي في حالة استشهاد أي قائد، مما يعزز صورة التنظيم القوي والمرن.
رفع الروح المعنوية وتعزيز الوحدة الداخلية: الخطاب كان موجهاً بشكل مباشر لأعضاء الحزب وأنصاره، حيث يسعى قاسم إلى رفع الروح المعنوية بتأكيد أن المقاومة لا تزال قوية، وأن الشهداء هم جزء من مسيرة النصر. هذا يعزز الوحدة الداخلية للحزب ويدحض أي مخاوف أو قلق قد ينشأ بعد استشهاد القادة.
التصعيد المستقبلي ومواصلة العمل العسكري: تحدث قاسم عن استمرار العمليات العسكرية وتكثيفها بعد اغتيال نصرالله، مشيراً إلى أن الحزب لن يتراجع عسكرياً. هذه دلالة على أن حزب الله سيواصل المواجهة المباشرة مع إسرائيل، سواء عبر العمليات الصاروخية أو الاستعداد للالتحام البري إذا لزم الأمر.
التركيز على القضية الفلسطينية: وصف نصرالله بأن أولويته المطلقة كانت فلسطين والقدس، مما يؤكد التزام الحزب بالقضية الفلسطينية في إطار الوحدة الإسلامية، وهو عنصر مهم لتأكيد التضامن مع الشعوب العربية والإسلامية.
الرسالة السياسية لإسرائيل: الخطاب يحمل رسائل تحدّ مباشرة لإسرائيل، حيث يحذر قاسم من الاعتقاد بأن الأعمال الوحشية والعدوان ستجلب لإسرائيل الانتصار، بل العكس، هي تزيد من صلابة المقاومة.
بمجملها، تحمل الكلمة دلالات على الصمود، الاستمرارية، والانضباط التنظيمي، مع رسائل قوية لتحدي إسرائيل ومحاولة تعزيز الروح المعنوية لعناصر حزب الله وداعميه.

شارك