تعيينات مصرف ليبيا المركزي.. خطوة نحو الاستقرار في ظل المخاطر الأمنية والإرهابية المتزايدة

الثلاثاء 01/أكتوبر/2024 - 09:25 ص
طباعة تعيينات مصرف ليبيا أميرة الشريف - فاطمة عبدالغني
 
في مسعى لحل أزمة البنك المركزي في ليبيا، وللتخفيف من حدة التنافس القائم في البلاد، تُبذل جهود مستمرة للتوصل إلى توافق سياسي يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار المالي، حيث وافق مجلس النواب الليبي، على تعيين ناجي محمد عيسى بلقاسم محافظًا جديدًا لمصرف ليبيا المركزي ومرعي رحيل البرعصي نائبًا له. 
تأتي هذه الخطوة في وقت حساس تشهده البلاد، حيث تتواصل الأزمات المالية التي تسببت في انخفاض إنتاج النفط، وهو المصدر الرئيسي للإيرادات الليبية، حيث تم الإعلان عن التعيينات بعد جولة من المشاورات التي نظمتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التي تسعى لتحقيق الاستقرار في البلاد.
يأتي هذا القرار بعد فترة من التوترات الشديدة بين الحكومة المعترف بها دوليًا في طرابلس والمجلس الرئاسي في شرق ليبيا.
وكانت الأزمة قد تفاقمت بعد أن قرر المجلس الرئاسي إعفاء المحافظ السابق للمصرف الصديق الكبير من مهامه، مما أدى إلى ردود فعل غاضبة. 
وأعقب هذا القرار إغلاق المصرف وتعريض حياة عدد من المسؤولين للخطر، حيث تعرض بعضهم للاختطاف من قبل جماعات مسلحة، مما زاد من تعقيد الوضع الأمني.
في هذا السياق، تظل مخاطر الإرهاب تشكل عاملًا مقلقًا، حيث تسعى الجماعات المتطرفة للاستفادة من الفوضى السياسية لتعزيز نفوذها في البلاد.
وتشير التقارير إلى أن التدهور الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى تفشي ظاهرة استقطاب الشباب في صفوف هذه الجماعات، خصوصًا في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها غالبية الأسر الليبية، ويفتح نقص الاستقرار المالي المجال أمام هذه العناصر لاستغلال الضعف الاجتماعي كوسيلة لجذب الدعم.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن عائدات النفط، التي تشرف عليها إدارة المصرف المركزي، لا تقتصر أهميتها على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل الأمن القومي، إذ أن إدارة غير فعالة لعائدات النفط قد تسهم في تفشي الإرهاب، مما يشكل تهديدًا خطيرًا ليس فقط على ليبيا، بل على الاستقرار الإقليمي أيضًا.
 ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة لتحقيق توافق سياسي فعّال يمكن أن يساهم في تجاوز الانقسامات المستمرة.
وبينما يسعى المجتمع الدولي، عبر بعثة الأمم المتحدة، إلى تعزيز الحوار بين الأطراف الليبية، فإن النجاح في تنفيذ هذه التعيينات يتطلب تجاوز العقبات السياسية واستعادة الثقة بين الفصائل المتنازعة.
وتعتبر الخطوات التي تم اتخاذها نحو تعيين قيادة جديدة لمصرف ليبيا المركزي بداية لتحسين الوضع، لكنها بحاجة إلى دعم قوي من جميع الأطراف لضمان استدامة النجاح.
في ظل هذه الظروف، يأمل الليبيون في أن تؤدي هذه التطورات إلى استقرار اقتصادي وأمني، لكن التحديات لا تزال قائمة.
كما أن تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب يجب أن يكونا جزءًا من أي خطة شاملة تهدف إلى استعادة السيطرة على الوضع في البلاد.
ويبقى مستقبل ليبيا معلقًا بين آمال التغيير ومخاطر الانقسامات المستمرة، مما يتطلب جهودًا مستمرة من جميع الأطراف المعنية لتحقيق الاستقرار المنشود.
وكانت تجددت الأزمات في ليبيا بعد أن سعى رئيس المجلس الرئاسي في طرابلس، محمد المنفي، إلى استبدال محافظ البنك المركزي المخضرم، صادق الكبير، في خطوة أثارت ردود فعل قوية من الفصائل في شرق البلاد.
 هذه الخطوة كانت بمثابة الشرارة التي دفعت تلك الفصائل إلى إصدار أمر بوقف إنتاج حقول النفط الليبية احتجاجًا على ما اعتبروه تدخلًا غير مقبول في إدارة المؤسسات المالية.
وأدى هذا القرار إلى إغلاق المصرف المركزي، حيث تعرض عدد من مسؤولي المصرف لتهديدات خطيرة، بل وتم اختطاف أحدهم من قبل مجموعة مسلحة، مما زاد من تعقيد الوضع الأمني في البلاد.
في هذا السياق، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، في 28 أغسطس، أن إنتاج النفط انخفض بأكثر من نصف المستوى النموذجي، وهو ما ألقى بظلاله على الاقتصاد الليبي. ورغم محاولات تحسين الوضع، لم تصدر المؤسسة أي أرقام جديدة بعد ذلك، مما يعكس حالة عدم اليقين التي تعاني منها صناعة النفط.
الترتيبات الجديدة التي تم التوصل إليها بين الأطراف الليبية قد تسهم في حل إشكالية السيطرة على البنك المركزي، بالإضافة إلى أزمة عائدات النفط التي أدت إلى انخفاض حاد في الإنتاج والصادرات.
وفي هذا الإطار، أكدت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني كوري، على الحاجة الملحة لإنهاء إغلاق حقول النفط وتعطيل إنتاج النفط وتصديره، ورحبت بالتعهدات من الشرق لمعالجة هذه القضايا قريبًا، مما يعكس الأمل في استعادة الاستقرار.
وبحلول سبتمبر، انخفض معدل صادرات النفط الليبية إلى حوالي 400 ألف برميل يوميًا، بعد أن كان قد تجاوز المليون برميل يوميًا في أغسطس، وفقًا لبيانات الشحن.
وعكس هذا الانخفاض الحاد تأثير الاضطرابات السياسية على الاقتصاد الوطني، ويؤكد على الترابط الوثيق بين الأزمات المالية والأمنية في البلاد.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، غرقت ليبيا في حالة من الفوضى، حيث انقسمت البلاد إلى إدارات متنافسة بين الشرق والغرب، كل منها مدعوم من ميليشيات عسكرية وحكومات أجنبية.
وعملت هذه الانقسامات على تعقيد الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار، وتساهم في استمرار حالة عدم الأمان، مما يمنح الجماعات المتطرفة فرصة للتوسع واستغلال الفوضى لتحقيق أهدافها.
تُظهر هذه الديناميكيات أنه في حين أن التعيينات الجديدة في المصرف المركزي قد تمثل خطوة نحو إعادة الهيكلة، فإن تحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني يتطلب جهودًا شاملة وتوافقًا سياسيًا فعّالًا، لضمان عدم استغلال الانقسامات من قبل الجماعات المتطرفة التي تهدد مستقبل ليبيا.

شارك