كيف تؤثر افتتاحية النبأ على تنامي الإرهاب في ظل الحرب على غزة؟

السبت 12/أكتوبر/2024 - 12:15 ص
طباعة كيف تؤثر افتتاحية حسام الحداد
 
الافتتاحية التي قدمتها صحيفة "النبأ" في العدد 464 تندرج ضمن خطاب دعائي حركي يتبنى رؤية معينة للعالم والسياسة الدولية. وتعكس منهجية الجماعات المتشددة في تفسير التاريخ والسياسة وفق ثنائية "الإسلام مقابل الكفر"، وتظهر بوضوح الأيديولوجية الجهادية العالمية التي تتبنى أفكار الجهاد المسلح.
تحليل الخطاب
الخطاب الذي يتبناه تنظيم داعش وفقا لافتتاحية العدد الأخير من صحيفة النبأ يستخدم ثنائية واضحة تقوم على "الخير" (المسلمين والمجاهدين) مقابل "الشر" (الغرب، القوى العالمية، والحكومات "المرتدة"). هذا التقسيم الصارم يعكس المنظور الأيديولوجي للجماعة، حيث تُصنَّف كل القوى غير الموافقة لرؤيتهم  كأعداء حتى لو كانت هذه القوى إسلامية ومتشددة مثلها.
ويعتم الخطاب بشكل كبير على التكرار والمبالغة في عرض "المؤامرات" ضد الإسلام، سواء من القوى الغربية أو القوى الإقليمية كإيران وتركيا. ويتم تقديم هذه القوى بوصفها موحدة في سعيها لتدمير الإسلام.
تتناول الافتتاحية أيضا أحداثًا تاريخية كـ"الغزو الصليبي" و"الفتح الإسلامي"، وتستخدمها كأدوات لإضفاء مشروعية على الجهاد المسلح الحالي. هذا الربط بين الماضي والحاضر يهدف إلى تعزيز شعور الجماعة بالاستمرارية التاريخية والحق الإلهي.
اللغة والأسلوب:
الخطاب مليء بالاستشهادات القرآنية والأحاديث النبوية التي تُستخدم لدعم شرعية الجهاد المسلح وتأكيد "حتمية النصر" للمسلمين. هذا الاستخدام المتكرر للنصوص الدينية يعزز من تأثير الخطاب على الجمهور المستهدف، والذي يُعتبر ملتزمًا دينيًا.
وتستخدم الافتتاحية كذلك لغة عنيفة وعدائية تجاه "الآخر"، سواء كان الغرب، الحكومات العربية، أو الجماعات الإسلامية المخالفة. ويتم وصفهم بـ"المرتدين"، "الخونة"، "الكفار"، و"الطواغيت". هذه اللغة تخلق شعورًا بالاستقطاب وتحفز مشاعر الكراهية والخوف تجاه الخارج.
الرسائل الأساسية:
يعتمد الخطاب على مفهوم المؤامرة العالمية ضد الإسلام. القوى الدولية والإقليمية، من الغرب إلى إيران وتركيا، تُصوَّر على أنها تعمل بشكل ممنهج لتدمير الإسلام والسيطرة على أراضي المسلمين. هذه النظرية تخدم غرض تحفيز الجماعة على الدفاع "المشروع" عن الإسلام.
ويؤكد خطاب داعش أن الحرب على الإسلام لم تتوقف منذ بداية البعثة النبوية، مما يضفي شرعية على الجهاد المسلح ويعزز شعور الجماعة بأنها في حالة دفاع مستمر عن الدين والأرض.
ومن هنا تقدم الافتتاحية الجهاد المسلح كحل وحيد لردع الأطماع العالمية والإقليمية. ويتم تصوير المجاهدين على أنهم الحماة الحقيقيون للإسلام الذين يعيدون رسم خارطة العالم بالتوحيد والجهاد.
الأيديولوجية المتضمنة:
يتبنى خطاب داعش الرؤية الجهادية المتشددة التي ترى أن الحل لكل مشكلات الأمة الإسلامية هو الجهاد المسلح وإقامة الخلافة. كما يعكس الخطاب رفضًا تامًا لأي أشكال من "الاستقلال الوطني" المزعوم، واعتبار الحكومات القائمة في العالم الإسلامي "مرتدة" لأنها تتعاون مع الغرب أو قوى إقليمية أخرى.
كما يسعى الخطاب إلى تعبئة أنصار الجماعة والمجتمع الإسلامي بشكل أوسع للانخراط في الصراع العالمي الذي تصوره الصحيفة. ويتم التركيز على أن هذا الصراع هو صراع وجود، وأنه لا مجال للتعايش أو المفاوضات.
رؤية نقدية
هناك عدة نقاط مهمة يجب التركيز عليها بعد قراءة الافتتاحيةومنها ان الخطاب يتعامل مع الواقع الجيوسياسي المعقد بشكل تبسيطي مفرط، حيث يتم تجريد كل الأحداث من تعقيداتها وتحويلها إلى مجرد مؤامرة عالمية ضد الإسلام. هذا التجريد يغفل عن التعقيدات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية التي تحكم العلاقات الدولية والإقليمية.
وكذلك يتجاهل الخطاب بشكل كامل أي حلول سياسية أو دبلوماسية للصراعات، ويصر على أن الحل الوحيد هو الجهاد المسلح. هذا المنظور يقود إلى تأجيج العنف وزيادة الاستقطاب، دون تقديم أي بديل سلمي قابل للتنفيذ.
ويوظف خطاب داعش النصوص الدينية بطريقة انتقائية لتعزيز شرعية الجهاد المسلح، دون النظر إلى السياقات الأوسع التي يمكن أن تشير إلى أهمية الحوار أو التعايش السلمي في الإسلام.
وبشكل عام فان الافتتاحية تعكس خطابًا أيديولوجيًا متشددًا يستخدم أدوات دينية ولغوية لتبرير العنف المسلح والصراع المستمر ضد ما تصفه الصحيفة بالقوى الغازية والمخططات الكافرة. يتم ترويج نظرية المؤامرة وتبسيط الصراع إلى ثنائية الخير مقابل الشر، مع تغييب كامل للحلول السلمية والدبلوماسية.
الدلالات الرئيسية
تحمل الافتتاحية دلالات واضحة تنبع من خطاب جماعات متطرفة، وتبرز عدة محاور أساسية يمكن تحليلها، وربطها بالصراع العربي الإسرائيلي الحالي، خاصة فيما يتعلق بغزة ولبنان، وتأثيرها المحتمل على تنامي العنف والإرهاب.
خطاب المواجهة الدينية والحضارية:
تعتمد الافتتاحية تعتمد على خطاب يُصور الصراع بين الإسلام وقوى الكفر (المسيحية، اليهودية، والشيوعية) كصراع مستمر منذ بدء الرسالة الإسلامية. هذا الخطاب يخلق صورة عالمية مشوهة لعلاقات المسلمين مع بقية الحضارات، ويعزز مفهوم "الحرب على الإسلام"، مما يسهم في بناء الهوية الجماعية للمجموعات المتطرفة من خلال تشديدها على ضرورة المقاومة.
إحياء الرموز التاريخية والتصعيد الديني:
تستخدم الافتتاحية رموزًا تاريخية مثل الفتوحات الإسلامية المبكرة ومواجهة "المجوسية الفارسية"، في محاولة لتوظيف هذه الأحداث كأمثلة على ضرورة الاستمرار في الجهاد ضد الأعداء المعاصرين. هذا التصور يربط الماضي بالحاضر، ويعطي الشرعية للأعمال العنيفة باسم الدين.
الرفض التام للأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي:
تهاجم الافتتاحية الأنظمة الحاكمة في العالم العربي والإسلامي، متهمة إياها بالعمالة والخيانة. هذا الخطاب يعزز فكرة أن جميع الحكومات الحالية غير شرعية، مما يشكل أرضية فكرية لتبرير التحريض على العنف ضد هذه الحكومات.
الرؤية الجغرافية للسيطرة:
وتشير الافتتاحية إلى خطط توسعية للقوى الخارجية، منها "مشروع إسرائيل الكبرى" و"الهلال الشيعي الإيراني"، كدليل على أن هذه القوى تعمل على تقسيم العالم الإسلامي والاعتداء عليه. هذه الفكرة تُستخدم كدعوة لمزيد من العنف بحجة التصدي لهذه المخططات.
استراتيجية الجهاد والتمكين:
تنتهي الافتتاحية بدعوة إلى استمرار الجهاد كوسيلة لتحقيق النصر والتمكين للمسلمين في الأرض. هذه الدعوة تحمل في طياتها رسالة واضحة للقيام بعمليات عنف وإرهاب تحت مظلة دينية.
العلاقة بالصراع العربي الإسرائيلي:
الافتتاحية تربط بشكل مباشر بين الصراع الحالي في غزة ولبنان والمشاريع الإسرائيلية والإيرانية، مقدمة تصورًا بأن هذه الصراعات ما هي إلا جزء من حرب كبرى ضد الإسلام. ويأتي التركيز على حرب غزة كدليل على أن إسرائيل تسعى لتوسيع سيطرتها، ما يجعل هذه الأحداث الحالية بمثابة شرارة لتصعيد العنف من قبل المجموعات المتطرفة التي ترى في هذا الصراع فرصة لتحقيق رؤاها الجهادية.
كما أن هذا الخطاب يعزز مشاعر الغضب والكراهية لدى القراء المستهدفين، ويؤطر الصراع العربي الإسرائيلي الحالي في سياق أوسع من "الحرب على الإسلام"، مما قد يؤدي إلى تأجيج العنف الإرهابي باسم "الدفاع عن الإسلام" ليس فقط ضد إسرائيل وحلفائها ولكن أيضا ضد الحومات العربية والإسلامية والتي لا تتوافق رؤيتها مع رؤية تنظيم داعش
أثر الافتتاحية على تنامي العنف والإرهاب:
الخطاب المليء بالكراهية والتحريض على العنف ضد الأعداء (الداخل والخارج) يساهم في خلق بيئة نفسية مهيأة لتقبل التطرف والتجنيد في صفوف الجماعات الإرهابية.
ولا شك ان استخدام النصوص الدينية لتبرير العنف، يمنح الإرهابيين إحساسًا بالشرعية والتفويض الديني لتنفيذ عملياتهم. وان دعوات الجهاد لا تقتصر على الصراع المحلي بل تتجاوز ذلك إلى دعوة صريحة للمواجهة على مستوى عالمي، مما يُشجع على انتقال المقاتلين الأجانب والتوسع في الأنشطة الإرهابية عبر الحدود.
الافتتاحية تهاجم الأنظمة الحاكمة باعتبارها مرتدة وعميلة، مما قد يشجع على شن هجمات ضد هذه الحكومات والمؤسسات التابعة لها في العالم الإسلامي، مما يفاقم عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة.
الخلاصة:
الافتتاحية تحمل دلالات خطيرة تعزز منطق الصراع الأبدي بين الإسلام والغرب، وتصور الصراع العربي الإسرائيلي على أنه جزء من حرب شاملة على الإسلام. مثل هذا الخطاب لا يساهم فقط في تأجيج العنف والإرهاب، بل يغذي أيضًا مشاعر الاستياء والكراهية تجاه الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، ويُستخدم كأداة لتبرير العنف المستمر ضد الأعداء الخارجيين والداخليين على حد سواء.

شارك