من داعش إلى جبهة تحرير الشام.. صراع الإسلام السياسي في سوريا

السبت 07/ديسمبر/2024 - 12:11 ص
طباعة من داعش إلى جبهة حسام الحداد
 
تعتمد افتتاحية العدد الأخير 472 لصحيفة النبأ التي يصدرها تنظيم داعش والصادر مساء الخميس 5 ديسمبر 2024، على أسلوب خطابي معقد ومشحون بالعواطف، حيث يسعى التنظيم من خلاله إلى تقديم رؤية أيديولوجية تبريرية لسلوك ومواقف تنظيم داعش في المشهد السوري والدولي. يتجلى ذلك في استخدام خطابٍ يشدد على الطابع الديني المطلق لمشروع التنظيم، ويصور نفسه كبديل وحيد للأنظمة القائمة والممارسات الدولية. من خلال هذا المنهج، يروج الخطاب لفكرة أن داعش هو الحامل الوحيد للحق الإسلامي في مواجهة القوى الغربية والإقليمية، معتمدًا على العاطفة الدينية لتعزيز الشرعية.
يمكن تفكيك النص إلى محاوره الأساسية التي تشمل التأطير الأيديولوجي المغلق، شيطنة الخصوم، ورفض أي حوار أو تعددية فكرية. وهذا الخطاب يعكس محاولة لإعادة إنتاج شرعية تنظيم داعش في مرحلة يمر فيها بفقدان متسارع للنفوذ، ويعجز عن تقديم مشروع متماسك يمكن أن يجذب الجمهور. ويظهر الخطاب من خلال هذه العناصر محاولة يائسة للتأكيد على بقاء التنظيم كفاعل رئيسي في المشهد السوري والدولي.
عند مقارنة خطاب داعش بخطاب هيئة تحرير الشام، يتبين التشابه الواضح بين التنظيمين في تبني أيديولوجيات إقصائية، وتقديم نفسيهما كبديل وحيد للمجتمعات التي تحكمها. كلاهما يُظهر فشلًا في تقديم رؤية سياسية أو اجتماعية مستدامة على الأرض، ويعاني من انقسامات داخلية تحد من قدرته على فرض استقرار طويل الأمد. في النهاية، يكشف كلا الخطابين عن محاولة للإصرار على قوة إسلامية شاملة، بينما يتجاهلان الواقع المحلي والتحديات التي يواجهها كل منهما في ظل تعقيدات الوضع السوري والدولي.

توظيف الدين والسياسة
الافتتاحية تستند إلى ربط الأحداث السياسية بالمرجعية الدينية، حيث تقدم الصراعات في سوريا على أنها امتداد لصراع "جاهلي" بين "أعداء الإسلام" والدولة الإسلامية. يُظهر الخطاب تعمدًا لشيطنة الأطراف الأخرى، سواء الفصائل السورية المعارضة أو التحالفات الإقليمية والدولية، في مقابل تقديم التنظيم كـ"حامل لواء الإسلام الحقيقي".
ويتسم الخطاب بتناقض منهجي واضح؛ إذ يهاجم التنظيم الفصائل السورية، متهمًا إياها بالخضوع للإرادات الدولية والسعي لإقامة دولة وصفها بـ"الجاهلية"، في حين يتغاضى عن فشله الذريع في إقامة مشروع "الدولة الإسلامية" بشكل مستدام. هذا الفشل لا يقتصر فقط على الجوانب التنظيمية والإدارية، بل يمتد إلى افتقار المشروع لأي قبول شعبي بين السكان المحليين، الذين عانوا من ممارسات التنظيم القمعية والاستبدادية، مما أدى إلى رفضهم لهذا النموذج بشكل واسع.
إلى جانب ذلك، يُلاحظ في الخطاب إسقاط تاريخي مجتزأ، حيث يستند إلى مفهوم "سنة التدافع" لتبرير استمرار العنف، لكنه يقدمه بطريقة انتقائية تخدم رؤيته الأيديولوجية. يغفل النص السياقات التاريخية والاجتماعية الأوسع التي تجعل مفهوم "التدافع" أكثر تعقيدًا وتشابكًا مما يُطرح في هذا الخطاب، متجاهلًا التحديات الواقعية التي تواجه أي مشروع سياسي أو اجتماعي في مثل هذه البيئة المضطربة.2. إطار الضحية والتمايز الأخلاقي
النص يسعى لتقديم داعش كضحية لمؤامرة كونية تضم "التحالف الصليبي-اليهودي-الرافضي". كما يحاول التمييز بين "دولة الإسلام" و"الثورات الجاهلية" التي يرى أنها تتبنى خطابات وطنية ومدنية تتعارض مع مفاهيم "الخلافة الإسلامية".
وهنا يعمد التنظيم إلى تصوير نفسه كضحية "لمؤامرة دولية كبرى" يقودها المجتمع الدولي لتحطيم مشروعه، مستخدمًا هذا الوصف لإثارة مشاعر التضامن بين أنصاره وإقناعهم بضرورة الاستمرار في القتال. إلا أن هذا الخطاب يتناقض بشكل صارخ مع الجرائم الموثقة التي ارتكبها التنظيم بحق المدنيين في سوريا والعراق، بما في ذلك المجازر الجماعية، الاستعباد الجنسي، والتهجير القسري. هذه الجرائم لا يمكن تبريرها أو نفيها، حيث وثّقتها منظمات حقوقية دولية مستقلة وشهادات الناجين. بدلاً من أن يتحمل التنظيم مسؤولية هذه الانتهاكات التي قوّضت شرعيته بين السكان المحليين، يتبنى خطابًا دعائيًا يسعى إلى تحويل الأنظار عن ممارساته القمعية من خلال الادعاء بأنه الطرف المظلوم، وهو تكتيك دعائي شائع لدى الحركات المتطرفة لتبرير أفعالها وحشد الدعم بين أنصارها.
كما يهاجم التنظيم الفصائل السورية بشكل متكرر بسبب تواصلها مع الأطراف الدولية واتخاذها خطوات يعتبرها تنازلات لتمكين المجتمع الدولي من التدخل في الشأن السوري. ومع ذلك، يتجاهل التنظيم تمامًا حقيقة اعتماده في مراحله المبكرة على شبكات تمويل ودعم خارجي مشابهة لتلك التي ينتقدها الآن. فعلى سبيل المثال، استفاد التنظيم في بداياته من الدعم المالي واللوجستي القادم من مصادر خارجية، سواء عبر شبكات تبرعات غير رسمية أو من دول وأفراد، الذين اعتبروا التنظيم حليفًا استراتيجيًا في مواجهة أنظمة معينة أو جهات معادية. كما استغل التنظيم تهريب النفط والآثار من المناطق التي سيطر عليها كمصدر تمويل رئيس، وهي أنشطة تعتمد بشكل مباشر على شبكات دولية.
إن هذا التناقض الواضح بين خطاب التنظيم وواقعه يكشف عن ازدواجية عميقة في معاييره، حيث ينتقد بشدة الممارسات التي كان يعتمد عليها بشكل أساسي لتحقيق أهدافه. هذا النفاق في الخطاب يشير إلى سعي التنظيم لتشويه صورة خصومه من جهة، مع تبييض تاريخه الخاص والتغطية على دوره في بناء علاقات معقدة مع أطراف دولية وإقليمية لتحقيق مصالحه من جهة أخرى.

شحن عاطفي وأسلوب استقطابي
الافتتاحية تعتمد على لغة مشحونة عاطفيًا، مليئة بالمفردات الدينية مثل "الطواغيت"، "الردة"، "الخلافة"، و"سنة التدافع"، بهدف استقطاب القراء وإثارة مشاعر الغضب والحماس. كما يسعى إلى ترسيخ مفهوم الولاء للتنظيم باعتباره "الممثل الحقيقي للإسلام".
يتسم خطاب التنظيم بطابع إقصائي شديد، حيث لا يعترف بأي آراء دينية أو سياسية تختلف عن رؤيته المتشددة. في هذا السياق، يصنف التنظيم جميع الأطراف التي لا تتبنى أيديولوجيته المتطرفة كـ"مرتدين" أو "جاهليين"، الأمر الذي يعكس تحجرًا فكريًا وعقائديًا. يتم استخدام هذا التصنيف لتبرير العنف والقتل ضد من يعارضون رؤيته أو ينتمون إلى مدارس فكرية ودينية أخرى. لا يقتصر هذا على الجماعات السياسية الأخرى، بل يشمل أيضًا المفكرين والعلماء الذين لا يتفقون مع تفسير التنظيم الحرفي للدين. هذا التصنيف لا يعترف بالتنوع الديني والفقهي في الإسلام، ويُستخدم كأداة لفرض الهيمنة الفكرية، من خلال استبعاد أي خيارات فكرية أو سياسية قد تساهم في بناء مجتمعات أكثر تنوعًا وشمولية. التنظيم بذلك يفرض رؤية ضيقة للواقع، تهدف إلى تقليص الحوار الديني والسياسي وتدعيم السلطة المطلقة له.
وفي سياق رؤيته الأحادية، يتجاهل التنظيم تمامًا التعددية الثقافية والدينية التي تشكل أساس المجتمع السوري، بل يعتبرها تهديدًا لنهجه. يرفض التنظيم فكرة التعايش السلمي بين مختلف الأقليات الدينية والطائفية في سوريا، ويصنف أي محاولة للتعاون أو التعايش مع هذه الأقليات كـ"خيانة" للإسلام. على سبيل المثال، يعتبر التنظيم أي حوار أو شراكة مع الأقليات المسيحية أو العلوية أو حتى الفصائل الإسلامية الأخرى التي لا تتبنى أيديولوجيته كنوع من التنازل عن "الثوابت" الإسلامية التي يراها التنظيم. هذا الموقف يتناقض بشكل صارخ مع الموروث الإسلامي التاريخي الذي شهد نماذج متعددة من التعايش بين المسلمين وغير المسلمين في فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي، حيث كان المسلمون يعيشون جنبًا إلى جنب مع مختلف الأديان والطوائف في بيئة من التسامح والتعايش.
ما يطرحه التنظيم هو فهم أحادي للدين والإسلام، يعزل المجتمعات عن واقعها المتنوع ويحاول فرض رؤية دينية متشددة تسعى إلى القضاء على كافة أشكال التعددية، سواء كانت دينية، ثقافية أو حتى سياسية. هذا الموقف يعكس فهمًا مشوهًا للإسلام ويعزز العزلة والتطرف بدلاً من تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع.

نقد الفصائل وتبرير الفشل
النص يُهاجم الفصائل السورية بأنها تخدم المصالح التركية والغربية، ويصورها كأدوات لتنفيذ أجندات خارجية. في المقابل، يقدم التنظيم نفسه على أنه "المشروع الإسلامي الحقيقي" الذي يعمل خارج نطاق المصالح الدولية.
يعمد خطاب تنظيم داعش إلى تجاهل أو إغفال الانقسامات العميقة داخل التنظيم نفسه، سواء على المستوى القيادي أو الميداني، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لفشله في تحقيق استقرار دائم. رغم ادعائه بأن مشروعه هو المشروع الإسلامي الصحيح، إلا أن الواقع يعكس صورة مغايرة، حيث شهد التنظيم العديد من التوترات والانشقاقات بين قياداته في مختلف الفترات. فقد شهد التنظيم صراعات داخلية حادة بين أجنحته المختلفة، سواء على مستوى القيادة العليا مثل الخلافات مع الشخصيات البارزة كـ"أبو محمد العدناني" أو "أبو بكر البغدادي"، أو على مستوى الجبهات الميدانية في مناطق مثل سوريا والعراق. هذه الانقسامات أثرت بشكل كبير على قدرتهم على الحفاظ على الاستقرار في المناطق التي سيطروا عليها، حيث ظهرت جماعات داخلية تحاول الخروج عن سلطة القيادة المركزية، وتلجأ أحيانًا إلى مواجهات دامية مع بعضهم البعض. هذه الصراعات الداخلية تكشف عن هشاشة المشروع الذي يروج له التنظيم، حيث يكشف عن فشله في بناء هيكلية تنظيمية متماسكة وموحدة.
تشبه هذه الحالة بشكل كبير ما يحدث داخل تنظيم هيئة تحرير الشام في سوريا، حيث يعاني التنظيم من صراعات داخلية بين فصائل مختلفة، وتحديدًا بين قياداته العسكرية والدينية، مما يؤثر على استقرارهم الداخلي وأدائهم الميداني. كما أن هيئة تحرير الشام، مثل داعش، تعاني من ضغوط خارجية وداخلية قد تؤثر على استراتيجياتها وطموحاتها في الحفاظ على السلطة في مناطق نفوذها، بما في ذلك تحديات السيطرة على الأراضي والإدارة المحلية. وبالرغم من الهجوم العنيف الذي شنته الهيئة على بعض الفصائل الأخرى في شمال سوريا، إلا أن الخلافات البينية بين مجموعاتها قد تظل تهديدًا لاستقرار التنظيم.
و رغم الهجوم المستمر لتنظيم داعش على النظام الدولي، إلا أن الخطاب يفتقر إلى تقديم بديل عملي أو رؤية واضحة حول كيفية إدارة دولة إسلامية في سياق دولي معقد. يقدم التنظيم صورة مثالية لدولة إسلامية تحكم وفقًا للشريعة الإسلامية، ولكن دون أن يتطرق إلى تحديات حقيقية تواجه هذا المشروع في الواقع المعاصر. من المفترض أن يتعامل التنظيم مع قضايا معقدة مثل الاقتصاد، العلاقات الدولية، حقوق الإنسان، والبيئة الجيوسياسية المتغيرة، لكنه يتجنب تقديم حلول عملية لهذه التحديات. إن مجرد الاعتماد على تفسير ضيق للشريعة لا يكفي لبناء دولة مستقرة، خاصة في عالم معولم يعتمد على التفاعلات السياسية والاقتصادية المعقدة بين الدول.
في هذا السياق، يتشابه خطاب تنظيم داعش مع بعض مواقف هيئة تحرير الشام، التي تدعي أنها تسعى لتأسيس دولة إسلامية في شمال سوريا، ولكنها لا تقدم رؤية عملية واضحة حول كيفية التعامل مع التحديات السياسية والدولية. على الرغم من محاولات الهيئة السيطرة على بعض المناطق، إلا أن هناك افتقارًا لخطة واضحة بشأن إدارة تلك المناطق أو التفاعل مع القوى الدولية والإقليمية الكبرى. كما أن فشل كل من داعش وهيئة تحرير الشام في تقديم بديل عملي وواقعي يعكس ضعف قدرتهم على بناء مشروع سياسي قابل للحياة على المدى الطويل، مع تعارضه مع الواقع المعقد للمجتمعات المعاصرة.

إعادة إنتاج "اليوتوبيا الداعشية"
النص ينتهي بالتأكيد على "بقاء الدولة الإسلامية" واستمرار "الجهاد" كنهج لا يخضع للمصالح الدولية. هذه الفقرة تعكس محاولة لإحياء الأمل بين الأنصار، خاصة بعد الضربات الموجعة التي تلقاها التنظيم في السنوات الأخيرة.
يظهر خطاب تنظيم داعش إصرارًا مستمرًا على تصوير نفسه كقوة مستقلة وقوية، قادرة على إقامة "دولة إسلامية" في قلب المنطقة. ولكن هذا التصور يتناقض بشكل صارخ مع الواقع الذي يعيشه التنظيم في الوقت الراهن. فبعد الهزائم العسكرية الكبرى التي مني بها في العراق وسوريا، وتعثر مشروعه في العديد من المناطق التي كان يسيطر عليها سابقًا، بات التنظيم يعاني من التفكك وانهيار هياكله العسكرية. فهو اليوم بعيد عن كونه قوة متجذرة كما يروج له، بل يعاني من فقدان للسيطرة الجغرافية على الأراضي التي كان قد أطلق عليها اسم "الخلافة"، الأمر الذي يعكس تآكلًا تدريجيًا في قدراته التنظيمية والميدانية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التنظيم يعاني من تشرذم داخلي بين أجنحته المختلفة، ما يجعل حديثه عن الاستقلالية والتماسك بعيدًا عن الواقع الذي يواجهه على الأرض.
وإن هذه الحالة من التراجع والانقسام داخل تنظيم داعش تتشابه مع ما يعانيه تنظيم هيئة تحرير الشام في شمال سوريا. رغم أن الهيئة قد نجحت في فرض سيطرتها على بعض المناطق، إلا أنها لا تزال تشهد تراجعًا في قوتها العسكرية والنفوذ الجغرافي، خاصة بعد العديد من المعارك مع فصائل أخرى في المنطقة. إن الهيئة، على الرغم من محاولة المحافظة على تماسكها الداخلي، تشهد أيضًا تفككًا بين قياداتها وأجنحتها المختلفة، مما يضعف قدرتها على بسط النفوذ في مناطق واسعة. كما أن محاولاتها لتقديم نفسها كقوة مستقلة ومتجذرة تخالف الواقع الذي يعكس واقعًا ميدانيًا أكثر تعقيدًا حيث تعاني من صراعات داخلية متواصلة وتأثيرات خارجية مؤثرة.
كما يتجنب خطاب تنظيم داعش بشكل مستمر التطرق إلى الأخطاء والإخفاقات التي واجهها في مسيرته، سواء كانت إخفاقات عسكرية أو إدارية، مما يعكس عجزًا كبيرًا عن إجراء مراجعة ذاتية حقيقية. فالتنظيم، على الرغم من الهزائم العسكرية الفادحة التي تعرض لها، لا يعترف علنًا بتلك الإخفاقات أو يتخذ خطوات حقيقية لتصحيح مساره. بل على العكس، يبدو أن الخطاب التنظيمي يظل متمسكًا بتصوراته المثالية التي تنبني على فرضيات غير واقعية، حيث يتم تحميل الآخرين المسؤولية عن فشل المشروع. هذا الرفض للمراجعة يعد من أهم أسباب انهيار التنظيم، حيث أن القدرة على الاعتراف بالخطأ وإجراء التعديلات اللازمة هي من الأسس التي تساهم في تطور أي حركة أو تنظيم.
هذا الأمر يتشابه مع هيئة تحرير الشام، التي رغم محاولاتها المتكررة لإظهار نفسها كقوة إسلامية ناجحة، فإنها تتجاهل العديد من الإخفاقات التي مرّت بها، سواء على المستوى العسكري أو السياسي. فإدارة الهيئة لمناطق سيطرتها شهدت تراجعات في بعض المجالات مثل الاقتصاد والحكم المحلي، ومع ذلك لا يبدو أن هناك اعترافًا حقيقيًا بتلك المشكلات أو مساعٍ حقيقية لحلها. كما أن الهيئة كانت ولا تزال ترفض إجراء مراجعات جذرية حول نهجها العسكري أو السياسي، مما يساهم في ضعف استراتيجياتها وتشتت مواقفها أمام تحديات الواقع المتغير في سوريا.

خلاصة
تُظهر الافتتاحية أن خطاب تنظيم داعش يتسم بالتأطير الأيديولوجي المغلق الذي يعزل التنظيم عن أي رؤية أخرى مغايرة، محاولًا فرض نفسه كبديل وحيد للواقع الذي يعيشه الناس في مناطق سيطرته. يعتمد الخطاب على شيطنة الخصوم وتصويرهم كأعداء لله وللإسلام، مستخدمًا العاطفة الدينية كأداة جذب وتعاطف مع أنصاره. من خلال هذا الأسلوب، يحاول التنظيم إضفاء طابع ديني مطلق على مشروعه، مما يعزز فكرة أنه الوحيد القادر على تحقيق "العدالة" و"الشرعية" في عالم تحكمه القوى الدولية.
مع ذلك، يعاني الخطاب من تناقضات جوهرية، حيث يتجاهل الواقع الاجتماعي والسياسي المعقد في المناطق التي يسعى لتنظيمها، مما يعكس عدم القدرة على فهم البيئة التي تعمل فيها هذه الجماعات. كما أن الخطاب يتبنى رؤية إقصائية لا تعترف بتعددية المجتمعات ولا تتيح أي مساحة لرؤى دينية أو سياسية مختلفة، وهو ما يتناقض مع الموروث الإسلامي التاريخي الذي قام على التعايش والتعددية.
يشترك تنظيم داعش في العديد من الخصائص مع هيئة تحرير الشام، إذ يعاني كلا التنظيمين من أيديولوجيات إقصائية تحاول فرض نفسها كبديل لكل الأطر السياسية والدينية الأخرى. كما أن كلا التنظيمين يُظهر فشلًا في تحقيق استقرار سياسي واجتماعي طويل الأمد، ويعاني من انقسامات داخلية تؤثر على قوتهم ونفوذهم. ففي حين أن داعش يُظهر نفسه كقوة إسلامية قادرة على تغيير العالم، لا يُظهر أي منهما قدرة حقيقية على تقديم مشروع متماسك يقنع المجتمعات المحلية أو يعكس فهمًا واقعيًا للتحديات المعقدة التي تواجهها المنطقة.

شارك