تقرير امريكي يرصد التحديات التي يواجهها مستقبل حكم لبنان
الثلاثاء 28/يناير/2025 - 01:16 م
طباعة

في 13 يناير الجاري تم تعيين الأكاديمي والدبلوماسي والقانوني السابق نواف سلام رئيسًا للحكومة اللبنانية خلفاً لرئيس الوزراء اللبناني السابق الملياردير نجيب ميقاتي الذي شغل المنصب لثلاث مرات متتالية. وقبل ذلك بأربعة أيام من هذا التعيين، انتخب البرلمان قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، ليملأ المنصب الذي كان شاغرا منذ أكتوبر 2022.وفى السياق نفسه، أشاد الكثيرون في لبنان وخارجه بهذا الفريق الجديد باعتباره بارقة أمل لتغيير الوضع الراهن المتأزم وبداية لإنهاء الكابوس الوطني الطويل في لبنان. فعلى سبيل المثال، وصف المبعوث الأميركي عاموس هوخشتاين تعيين عون بأنه "خطوة جوهرية نحو تحقيق السلام والأمن والاستقرار"، في حين صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "أن هذا التعيين سيفتح آفاقًا جديدة للإصلاح واستعادة لبنان لسيادته وازدهاره".
بينما يجسد كل من الرئيس عون وسلام بالفعل نموذجًا جديدًا مغايرًا للمسار التقليدي، إلا أن لبنان لا يزال يواجه تحديات كبيرة، وسيبقى التحدي الأكبر لكلا الزعيمين هو تحويل وعودهما إلى إصلاحات عملية ملموسة.
ورصد تقرير امريكي صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني التحديات التي تواجه حكم لبنان في الفترة المقبلة حيث جاء فيه لقد أضعفت الأحداث المفصلية التي شهدتها الأشهر الأخيرة - بدءًا من القضاء على قيادة "حزب الله “على يد إسرائيل وصولًا إلى الانهيار السريع لنظام الأسد - معسكر القوى التقليدية في بيروت، ووفرت فرصة حقيقية لنزع سلاح الميليشيات وعكس مسار الانهيار الاقتصادي الذي أصاب البلاد، واجتثاث الفساد، وإعادة بناء دولة فعالة. وقد يمتلك فريق عون وسلام القدرة على تنفيذ هذه الرؤية الطموحة. ومع ذلك، سيكون من الخطأ تجاهل العقبات الكبيرة التي سيواجهها الفريق، بما في ذلك التهديد المستمر (وإن كان متراجعًا) من قبل "حزب الله"، إلى جانب المصالح الراسخة التي تسيطر على جزء كبير من النظامين السياسي والاقتصادي في لبنان.
على سبيل المثال، كان عون بحاجة إلى أغلبية الثلثين في البرلمان للفوز بالرئاسة، وهي عقبة لم يكن بإمكانه بلوغها من دون أصوات "حزب الله" و"حركة أمل"، أي ما يسمى بـ "الثنائي الشيعي". ويثير هذا الدعم تساؤلات ملحّة: هل سيتمكن عون من دفع أجندة نزع سلاح الميليشيات وإجراء إصلاح اقتصادي شامل، رغم أن هذه السياسات تتعارض بشكل مباشر مع مصالح هذا الثنائي؟ وما هي التنازلات أو الوعود، إن وجدت، التي قدمها لكسب هذا الأصوات؟
من المتوقع أن يواجه سلام تحديات متعددة، إذ لم يكن بحاجة سوى إلى أغلبية بسيطة للفوز بمنصبه، مما يجعله أقل التزامًا تجاه "حزب الله" داخل البرلمان. لكن هذا يفترض أنه قادر على الخروج من عملية تشكيل الحكومة المرهقة بحكومة مستقلة بما فيه الكفاية.. علاوة على ذلك، لم يتقلد سلام أي منصب تنفيذي بهذا الحجم من قبل، وستواجه أجندته الإصلاحية معارضة شديدة، وربما عنيفة في بعض الأوساط، خاصة إذا أصر على المضي قدمًا في مسألة نزع سلاح الميليشيات. وقد يواجه أيضًا صعوبات مع الكونجرس الأمريكي وإدارة ترامب المقبلة بسبب سجله الطويل من المواقف المناهضة لإسرائيل..
ويبقي التحدي الاكبر كما ذكر التقرير هو نزع سلاح حزب الله فجاء بالتقرير
على أكثر تقدير، ما كان لعون أن يصل إلى الرئاسة لولا سلسلة الانتكاسات العسكرية التي تكبدها "حزب الله" على يد إسرائيل، الأمر الذي أضعف سيطرته الداخلية وقلل من قدرته على احتكار المنصب. ويشكّل ترشيح عون تطورًا إيجابيًا نظرًا لما يحظى به من دعم شعبي في الداخل، علاوة على توجهه المؤيد للولايات المتحدة الأمريكية، ما يجعله مميزًا تمامًا عن الولاءات السياسية المثيرة للجدل والمشبوهة. ورغم ذلك، لا يمكن لعون أن يُحدث تغييرًا جذريًا بمفرده، إذ أن أرئيس الجمهورية في لبنان ليس صاحب السلطة التنفيذية العليا، بل يلعب دورًا محدودًا (وإن كان مهمًا) في تشكيل الحكومة وتعيين كبار المسؤولين.
وسيكون التحدي الأكبر الذي سيواجه عون هو مدى الاستفادة التي سيحققها من هزيمة "حزب الله" في ساحة المعركة، وتأكيد السيطرة الحصرية على امتلاك السلاح العسكري واستخدامه. فخلال فترة ولايته كقائد للجيش اللبناني التي دامت سبع سنوات، كان أداؤه في هذه القضايا محل تساؤل. والمثال الوحيد البارز على تحرك عون ضد "حزب الله" كان في عام 2021، عندما قام الحزب بالتحريض على الدخول في مواجهة عنيفة مع المسيحيين في حي الطيونة في بيروت، بهدف تخويف المحققين الذين كانوا يحققون في انفجار المرفأ القاتل عام 2020. وفيما عدا ذلك، لم يصدر عون أي توجيهات مباشرة للجيش اللبناني باتخاذ إجراءات ضد "حزب الله". وبدلاً من ذلك، استمر تعاون القوات المسلحة مع "حزب الله" خلال فترة قيادته، وهو ما اعاق مهمة "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (اليونيفيل) في سعيها لتنفيذ ولايتها وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي يهدف إلى إزالة الأصول العسكرية غير الشرعية من الجنوب.
ومنذ تعيينه رئيساً، أظهر عون استعدادًا أكبر للمضي قدمًا في قضية نزع سلاح " حزب الله" .
توصيات سياسية
وقدم ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الأدن سابقا توصيات سياسية مهمة جاء فيها
على الرغم من المسار الصعب الذي ينتظر عون وسلام في الأشهر القادمة، فإن الوضع مقارنة بما كانت عليه البلاد قبل عام يوفر مبررًا للتفاؤل. فمع تراجع نفوذ "حزب الله" ووجود فريق جديد يتمتع برؤية إصلاحية، أصبحت بيروت في وضع أفضل للاستفادة من تزايد دعم المجتمع الدولي وتأمين المساعدات اللازمة لإعادة بناء مؤسسات الدولة المدمرة وتأهيلها.
علاوة على ذلك، بوسع واشنطن القيام بإجراءات ملموسة لتحفيز القيادة الجديدة على المضي قدمًا في مسار الإصلاح. فبمجرد وصول إدارة ترامب إلى السلطة، ينبغي عليها توفير مساعدات إضافية متواضعة إلى القوات المسلحة اللبنانية لمساعدتها على تنفيذ القرار 1701 في جنوب لبنان، على أن تقدم هذه المساعدات على دفعات مشروطة بالأداء. في مرحلة لاحقة، يتعين على الولايات المتحدة زيادة مساعداتها تدريجيًا إذا باشرت بيروت تطبيق القرار رقم 1559على أرض الواقع. في الوقت نفسه، ينبغي على واشنطن (وفرنسا) مواصلة التمسك بالمسار المحدد لخطة الإنقاذ الاقتصادي المحتملة، مع الاستمرار في ربط المساعدات المالية التي يوفرها صندوق النقد الدولي بمدى تقدّم بيروت في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. ولضمان تمكين عون وسلام من تجاوز العقبات السياسية، ينبغي على إدارة ترامب أن تكون على استعداد لفرض عقوبات عاجلة على الجهات اللبنانية التي تعرقل عملية الإصلاح.
وبطبيعة الحال، ينبغي الحذر من أي حماسة مفرطة تجاه هذه الفرصة. ومع ذلك، تستدعي اللحظة الراهنة من واشنطن أن تتسم بالجرأة وتواصل عملية "الدعم والتحقق" التدريجية لدعم عون وسلام في سعيهما لتحقيق أجندة التغيير الطموحة.