تركيا تصعّد تحركاتها لتطويق النفوذ الكردي.. أبعاد جديدة للصراع الإقليمي
الثلاثاء 28/يناير/2025 - 02:13 م
طباعة

تتحرك تركيا بخطى متسارعة على مختلف الجبهات لتضييق الخناق على وحدات حماية الشعب الكردية، التي تُعدّ المكون الرئيسي في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى إنهاء ما تصفه أنقرة بـالتهديد الإرهابي على حدودها الجنوبية.
وتضع تركيا نصب عينيها هدفاً رئيسياً: نزع الذريعة الأميركية لدعم هذه الوحدات، والتي تعتبرها واشنطن شريكاً رئيسياً في الحرب ضد تنظيم داعش.
في الأيام الأخيرة، برزت ملامح خطة تركية تعتمد على التنسيق الإقليمي مع كل من الحكومة السورية الجديدة، العراق، حكومة إقليم كردستان، وإيران.
و تهدف هذه الخطة إلى إنهاء وجود مسلحي حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، وإجبار وحدات حماية الشعب على تسليم أسلحتها، وترحيل المقاتلين الأجانب خارج سوريا، ودمج الأعضاء المحليين في الجيش السوري الموحد.
وتتزامن هذه التحركات مع محاولات تركيا لضمان عدم عودة نشاط تنظيم داعش في المنطقة. وترى أنقرة أن الحل يكمن في نقل مسؤولية حماية السجون التي تضم مسلحي داعش وعائلاتهم إلى الإدارة السورية الجديدة.
وفي هذا الإطار، أعلنت تركيا استعدادها لتقديم الدعم في إدارة هذه السجون، وهي المهمة التي تستغلها واشنطن لتبرير استمرار دعمها لوحدات قسد.
ضمن هذه الاستراتيجية، زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، العاصمة العراقية بغداد ، في الوقت الذي زار فيه رئيس المخابرات التركية، إبراهيم كالين، دمشق.
وفي بغداد، التقى فيدان نظيره العراقي فؤاد حسين، إضافة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد.
وناقش الجانبان قضايا الأمن الإقليمي، بما في ذلك مواجهة تهديدات داعش وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك، أكد فيدان أن تركيا والعراق يواجهان تهديدات مشتركة، مشدداً على ضرورة العمل الجماعي لتدمير تنظيم داعش والقضاء على نفوذ حزب العمال الكردستاني.
وأضاف أن التعاون الاستخباراتي والعملياتي بين دول المنطقة يُعدّ ضرورة لمواجهة التحديات الأمنية، أما في دمشق، فقد أجرى كالين مباحثات مع القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني.
وتمحورت المناقشات حول آليات تعزيز التعاون الأمني بين الجانبين وضمان انسحاب الوحدات الكردية من شمال سوريا.
على الرغم من التحركات التركية المكثفة، يبقى الدعم الأميركي المستمر لوحدات قسد عائقاً أمام تحقيق الأهداف التركية، فقد انتقدت أنقرة مراراً ما وصفته باستخدام واشنطن للوحدات الكردية ك“حارس” على سجون داعش في شمال شرقي سوريا، وترى تركيا أن الإدارة السورية الجديدة قادرة على القيام بهذه المهمة، بدعم تركي إذا لزم الأمر.
وفي سياق متصل، تأمل أنقرة أن تلتزم الإدارة الأميركية بتعهداتها السابقة بسحب القوات الأميركية من سوريا ووقف الدعم لوحدات قسد، لكن تصريحات وزارة الدفاع الأميركية وتحركات القيادات العسكرية الأميركية تشير إلى استبعاد أي تغييرات كبيرة في هذه السياسة.
وتحاول تركيا تعزيز التنسيق الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة. وتحدثت تقارير عن سعي أنقرة لعقد اجتماعات تضم ممثلين عن تركيا، سوريا، العراق، إقليم كردستان، وإيران.
ومن المتوقع أن تركز هذه الاجتماعات على ثلاثة محاور رئيسية، إنهاء تهديدات المسلحين الأكراد، تسعى تركيا إلى القضاء على قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا، التعامل مع تهديد داعش، يشكل مخيم الهول، الذي يضم آلاف السجناء من داعش وعائلاتهم، تحدياً أمنياً كبيراً للعراق وسوريا، إعادة هيكلة المشهد الأمني في شمال سوريا، تشمل هذه الجهود العمل على دمج المقاتلين الأكراد المحليين في الجيش السوري، في الوقت الذي تسعى فيه تركيا لتوسيع تحالفاتها الإقليمية، أعرب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين عن مخاوفه من أن تؤدي التحركات التركية ضد وحدات حماية الشعب الكردية إلى تفاقم أزمة اللاجئين، مؤكدًا حسين أهمية معالجة هذه القضية بحذر لتجنب تداعيات إنسانية وأمنية.
ومع استمرار التوتر بين أنقرة وواشنطن بشأن دعم قسد، يبقى مستقبل العلاقات بين البلدين على المحك.
وتنتظر تركيا إشارات واضحة من الإدارة الأمريكية بشأن تغيير سياساتها في سوريا، لكن بعض المراقبين يرون أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي قد تكون أقل ميلاً لإجراء تغييرات جوهرية، ما يزيد من تعقيد المشهد.
في ظل التحركات التركية الأخيرة، يتساءل البعض عما إذا كانت أنقرة تسعى إلى شراكة فعلية مع الإدارة السورية الجديدة، أم أنها تستغل الوضع لتعزيز نفوذها في المنطقة.
ورغم التصريحات المتفائلة، يبقى من غير الواضح كيف ستتفاعل دمشق مع مطالب أنقرة، خصوصاً فيما يتعلق بتسليم المناطق التي تسيطر عليها وحدات قسد.
تواجه تركيا تحديات كبيرة في تنفيذ استراتيجيتها الإقليمية، فمن جهة، تصطدم طموحاتها بمعارضة أميركية مستمرة لدورها في شمال سوريا.
ومن جهة أخرى، تعتمد أنقرة على دعم إقليمي هش يحتاج إلى تعزيز مستمر، ومع ذلك، ترى تركيا أن الفرصة سانحة لإعادة ترتيب المشهد الأمني في شمال سوريا بما يخدم مصالحها.
في المحصلة، يبدو أن تركيا ماضية في تحقيق أهدافها عبر تنسيق إقليمي مكثف وتحركات دبلوماسية وأمنية محسوبة.
ويبقى السؤال، هل ستتمكن أنقرة من تجاوز العقبات الدولية والإقليمية لتحقيق رؤيتها للأمن والاستقرار في المنطقة؟ ستتضح في الأشهر القادمة مع استمرار تطورات هذا الملف المعقد.