عنجهية ترامب وتصريحاته المستفزة حول غزة.. استنكار دولي ورفض حماس القاطع

الأربعاء 05/فبراير/2025 - 11:18 ص
طباعة عنجهية ترامب وتصريحاته أميرة الشريف
 
تواصل التصريحات المثيرة للجدل للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إثارة موجات من الغضب والاستنكار، خاصة فيما يتعلق بموقفه من القضية الفلسطينية وقطاع غزة. 
فقد كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مسؤولين سابقين في إدارة ترامب، أن فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة بدأت تتبلور خلال فترة حكمه، لكنها ظلت محاطة بسرية تامة ولم تكن معروفة خارج الدائرة المقربة للرئيس. 
هذه المعلومات تعكس نهج ترامب المثير للجدل، الذي طالما تعامل مع القضايا الدولية بعنجهية واستهتار، متجاهلاً التعقيدات السياسية والإنسانية التي تحيط بالنزاعات الإقليمية، وخصوصًا القضية الفلسطينية.
وفقًا لمصادر الصحيفة، فإن كبار المسؤولين في إدارة ترامب لم يكونوا على علم بهذه الفكرة حتى اللحظات الأخيرة، ما يشير إلى أن ترامب كان يناقش هذه المسألة مع دائرة ضيقة من المستشارين الذين يشاركونه رؤيته العدائية تجاه الفلسطينيين. 
وتضيف التقارير أن ترامب طرح هذه الفكرة خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أواخر الصيف الماضي، حيث وصف غزة بأنها "موقع متميز للاستثمار العقاري"، ودعا نتنياهو إلى التفكير في أنواع الفنادق والمشاريع الاقتصادية التي يمكن بناؤها هناك. 
غير أن ترامب لم يذكر بشكل مباشر فكرة سيطرة الولايات المتحدة على القطاع، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى جديته في تنفيذ مثل هذا المخطط أو إن كان مجرد استعراض سياسي جديد من جانبه.
لم يكن هذا الكشف الوحيد المثير للدهشة، فقد زادت حدة الانتقادات لترامب عندما صرح مؤخرًا بأن الفلسطينيين "ليس أمامهم أي خيار سوى مغادرة قطاع غزة"، وهو تصريح يعكس بوضوح رؤيته المتطرفة تجاه القضية الفلسطينية. 
فمن وجهة نظره، يعيش الفلسطينيون في القطاع فقط لأنهم لم يجدوا بديلاً، متجاهلًا تمامًا أن غزة هي وطنهم الذي قاوموا من أجله لعقود.
 كما أضاف أن الولايات المتحدة ستكون مسؤولة عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة التي ألقاها الجيش الإسرائيلي، في إشارة مبطنة إلى أن واشنطن قد تتدخل في غزة ليس من باب المساعدة الإنسانية، بل كجزء من خطة أوسع للسيطرة على القطاع. 
هذه التصريحات تكشف عن منهجية ترامب الاستعلائية في التعامل مع القضايا الدولية، حيث يختزل معاناة ملايين الفلسطينيين في مجرد مشكلة عقارية تحتاج إلى "مستثمرين"، ويعتبر التهجير القسري حلًا مشروعًا لهذه الأزمة.
أثارت هذه التصريحات ردود فعل عربية ودولية غاضبة، حيث نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولين عربيين بارزين تعبيرهما عن قلقهما العميق من مقاربة ترامب لهذه القضية.
 وأوضح أحدهما أن مثل هذه التصريحات قد تهدد وقف إطلاق النار "الهش" في غزة، حيث إنها تعطي الضوء الأخضر لمزيد من التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
 كما حذر محللون سياسيون من أن خطاب ترامب قد يكون مقدمة لخطوات أكثر خطورة، مثل فرض ضغوط دولية على الفلسطينيين للقبول بمخططات تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه، مما يعكس توجهًا نحو إعادة إنتاج سياسات التهجير التي عانى منها الفلسطينيون منذ النكبة.
وفي أول رد فعل رسمي فلسطيني، أعلنت حركة حماس رفضها القاطع لهذه التصريحات، معتبرة أنها تكشف عن "عقلية استعمارية عنصرية" تتجاهل حقوق الفلسطينيين في أرضهم. 
وأكدت الحركة أن غزة ليست للبيع أو الاستثمار، بل هي أرض فلسطينية مقدسة قاومت الاحتلال الإسرائيلي لعقود، ولن تقبل بأي شكل من أشكال الوصاية الأميركية أو غيرها. 
كما شددت على أن تصريحات ترامب لن تغير من الواقع شيئًا، بل ستزيد من عزيمة المقاومة الفلسطينية على التصدي لأي مخططات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) سامي أبو زهري  إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن السيطرة على قطاع غزة «سخيفة» و«عبثية».
وأضاف لرويترز تصريحات ترمب حول رغبته بالسيطرة على غزة سخيفة وعبثية، وأي أفكار من هذا النوع كفيلة بإشعال المنطقة.
العنجهية التي يظهرها ترامب في تصريحاته ليست مفاجئة، إذ سبق له أن تبنى مواقف متطرفة في التعامل مع القضية الفلسطينية، بدءًا من اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، وصولًا إلى محاولاته فرض "صفقة القرن" التي كانت تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية بشروط مجحفة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو،  هل يمكن لمثل هذه التصريحات أن تتحول إلى واقع عملي؟ على الرغم من أن ترامب لديه سجل طويل في الإدلاء بتصريحات استفزازية دون أن تترجم بالضرورة إلى سياسات فعلية، فإن خطورة خطابه تكمن في تأثيره على المواقف السياسية الدولية، حيث قد يشجع إسرائيل على اتخاذ خطوات أكثر جرأة في التعامل مع غزة، كما قد يدفع بعض القوى المتطرفة داخل الولايات المتحدة إلى تبني مواقف أكثر عدائية تجاه الفلسطينيين. 
وفي ظل التحولات السياسية التي يشهدها العالم، لا يمكن استبعاد أن تجد مثل هذه الأفكار صدى لدى بعض القوى الدولية التي ترى في غزة عبئًا يجب التخلص منه بأي وسيلة.
وبالنظر إلى السياق العام للأحداث، فإن تصريحات ترامب تتزامن مع تصعيد مستمر في المنطقة، حيث يعاني قطاع غزة من حصار خانق وأوضاع إنسانية كارثية، في ظل غياب أي أفق سياسي لحل دائم.
 وفي هذا الإطار، فإن الحديث عن سيطرة الولايات المتحدة على غزة لا يعكس سوى جهل ترامب بطبيعة الصراع، حيث يتعامل معه وكأنه مشروع اقتصادي يحتاج إلى مستثمرين، وليس قضية وطنية لها جذورها التاريخية والسياسية العميقة. 
كما أن تجاهله لحقوق الفلسطينيين في أرضهم ومحاولته تصوير القضية وكأنها مشكلة يمكن حلها عبر الهندسة العقارية يعكس استهتاره بالقانون الدولي وبكل المبادئ التي تحكم النزاعات الدولية.
في النهاية، تبقى تصريحات ترامب امتدادًا لنهجه العدائي والاستعلائي في التعامل مع القضايا الدولية، لكنها تكشف أيضًا عن رؤية خطيرة قد تجد من يتبناها مستقبلاً، سواء داخل الولايات المتحدة أو في إسرائيل.
 وبينما يحاول ترامب استغلال هذه القضايا لتحقيق مكاسب انتخابية، فإن الخطر الحقيقي يكمن في أن خطابه قد يساهم في زيادة التوترات ويقود إلى مزيد من التعقيد في المشهد الفلسطيني.
 لذلك، فإن الرد العربي والدولي على مثل هذه التصريحات يجب ألا يقتصر على بيانات الإدانة، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى اتخاذ مواقف حازمة لمنع أي محاولات لتحويل غزة إلى ساحة جديدة للمشاريع الاستعمارية التي يسعى ترامب للترويج لها.

شارك