الباحثة المغربية د. أسماء المرابط لمجلة "الفيصل " حساسية ميراث المراة تتعلق «بسلطة المال»
الإثنين 12/مايو/2025 - 02:08 م
طباعة

اجرت مجلة "الفيصل" السعودية في عددها الاخير، حوارا مع الدكتورة "أسماء المرابط " وهي كاتبة وباحثة ومحاضرة مغربية في موضوعات الرؤية الإصلاحية للتراث الإسلامي وحوار الديانات وقضايا «المرأة في الإسلام». رئيسة سابقًا لمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام» بالرابطة المحمدية للعلماء، المغرب.حاليًّا هي عضو اللجنة العلمية لمعهد بنزكري لحقوق الإنسان في المغرب، وعضو مؤسس لكرسي «فاطمة المرنيسي» بجامعة محمد الخامس بالرباط، وعضو مقيم بأكاديمية المملكة المغربية. وقد اجري الحوار الباحث المغربي "صابر مولاي احمد " وحول تقييم الدكتورة أسماء المرابط جهود الذين اشتغلوا على قضايا المرأة طيلة القرن العشرين .قالت يمكننا تقييم هذه الجهود بشكل إيجابي نسبيًّا، مع العلم -للأسف- أن التيار المتشدد كان أقوى من تيار النهضة، ولم يسمح للرؤية الإصلاحية أن تنتشر وتعطي النتائج المنتظرة. ونأمل أن تكون ثمرات اجتهادات التوجه الإصلاحي ملموسة وأكثر نجاحًا. ولكن برغم كل هذا نقر بأن مدة قرن من الزمان تخللتها تطورات لا بأس بها في مجال تحرير المرأة من الأعراف الذكورية، وقد اكتسبت المرأة بعض الحقوق لم يكن من الممكن تحقيقها خلال قرون الانحطاط الإسلامي. وعلى الرغم من التقدم البطيء للفكر الإصلاحي في هذا المجال، فإن إنجازات اليوم في مجال الحقوق لم يكن من الممكن تصورها قبل قرن من الزمان.
حق الميراث
وحول قراءة أسماء المرابط للموضوعات التي ثار حولها كثير من الجدل مثل المرأة وموضوع القوامة، المرأة والإرث، المرأة والولاية في الزواج قالت اسماء لا يمكنني هنا أن أخوض في تفاصيل كل هذه القضايا الخلافية المذكورة، لكني أود أن أذكر، على سبيل المثال، مسألة الميراث، وهي أكثر حساسية لسبب بسيط، وهو أنه موضوع يتعلق «بسلطة المال» وتوازن القوى الاقتصادية بين الفقراء والأغنياء، والنساء والرجال.
يجب إعادة قراءة هذا الموضوع في ضوء الإطار المفاهيمي للعدالة المساواتية والأخلاقية المذكورة آنفًا، ولكن أيضًا في ضوء القواعد التي وضعها القرآن نفسه، مثل قاعدة أولوية الوصية التي «نسخها» الفقه أو بالغ في التشدد في شروط ممارستها. ويوضح السياق التاريخي للوحي تعميم حق الميراث على جميع النساء (بينما لم يكن لهن هذا الحق قبل الإسلام، مثل الشيوخ والأطفال). فبرغم أنهن لم يشاركن في النفقة أو الدفاع عن القبيلة، أي على الرغم من أنهن لم يستوفين معايير الجدارة الاستحقاقية لأخذ حق في الميراث في ذلك الوقت فإن الوحي فرض وألزم حق الميراث لهن. فالرؤية المقاصدية تدفعنا أن نقول اليوم، وهن يشاركن مشاركة شبه كاملة أحيانًا في الإنفاق على البيت، والأسرة، والمصاريف المادية المختلفة، ومساهمتهن في اقتصاد البلاد: إنه ينبغي لنا أن نعيد قراءة آيات الميراث (وفريضة الوصية) وفقًا لتلك المعادلة القرآنية (مقصد العدل) لإنصافهن.
والمطالبة بهذا المقصد الأخلاقي للعدل والإنصاف في سياقنا الاجتماعي اليوم لا يعني المس بقدسية القرآن الكريم، بل هي بالأحرى السير في الاتجاه السهمي لأخلاقيات العدل القرآني. ولم يعد بإمكاننا اليوم أن نتسامح مع التمييز الصارخ باسم الدين في مثل قضايا الميراث بالتعصيب حيث بحضور الإناث وحدهن، يمتد الميراث إلى الذكور من ناحية الأب على حساب بنات المتوفى! ونذكر أن هذه الممارسة (في مسألة التعصيب بالنفس) غائبة تمامًا في النص القرآني. وبالتالي فإن نظام التعصيب في الميراث هو نتاج بشري لاجتهاد الصحابة والعلماء الأوائل.
في الماضي، كان مفهوم العصبة مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بنفقات ومسؤولية الأسرة الممتدة وحماية العشيرة، وإعالة الأقارب ولهذا السبب كانت تقع على عاتق الرجال. أما اليوم في واقعنا المجتمعي فهذه المسؤولية تقع غالبًا على عاتق البنات اللواتي يقمن بهذه المسؤولية تجاه الآباء، فكيف يعقل أن يأخذ العم أو أبناء العم من ميراث البنات؟ هذا ظلم صارخ مرتكب ضد الزوجة وبناتها اللاتي يمكن أن يصبحن بين عشية وضحاها في الشارع دون موارد للعيش. علاوة على ذلك، فإن العديد من الأسر -الأكثر ثراءً عمومًا- التي لديها بنات فقط اليوم تتحايل على هذه القوانين خلال حياتهن من خلال «الهبة» للممتلكات إبان حياتهم حفاظًا على ميراث البنات وحتى لا يضطررن إلى تقاسمه مع أقارب الأب.
النسوية الاسلامية
وحول تيار النسوية الاسلامية قالت اسماء أن اسم «النسوية الإسلامية» جاء في الأصل من الأكاديميين الغربيين من خلال تحليل المنهج والقراءة الجديدة التي قام بها بعض الباحثات المسلمات لصالح قراءة أكثر مساواة وعدل للنصوص الدينية فأعطوا هذا الاسم لهذا التيار الفكري. من ناحية أخرى، هذا التيار مكون من مجموعة متنوعة من النساء والرجال؛ أكاديميون ومفكرون وباحثون، حاولوا منذ ما يقرب من 30 سنة تقديم بدائل للتفسيرات التمييزية وغير العادلة تجاه المرأة، وأدانوا هذه الرؤية الدونية التي تحتكر الكلام باسم الله. هذه الحركة موجودة في كل مكان في العالم: في ماليزيا مثلًا هنالك زينة أنور، وفي جنوب إفريقيا مثل سعدية الشيخ، وفي الولايات المتحدة مثل أمينة ودود، وفي إنجلترا مثل زيبا مير حسيني، وفي مصر مثل أميمة أبو بكر وملكي الشرماني وغيرهن كثيرات.
يحاول هذا التيار تفكيك القراءة التميزية وبناء إطار جديد لإعادة تأويل وتفسير أكثر توافقًا وتوازنًا وعدالة بين الرجل والمرأة وطبقًا لمقاصد القرآن العادلة. من وجهة نظري، ولكي أوضح موقفي، أرى أننا لسنا أمام «قضية المرأة « أو مسألة حقوق المرأة فقط، بل هي قضية تتعدى هذه النظرة الضيقة إلى موضوع حقوق الإنسان، رجالًا ونساءً. بالنسبة لي هناك رؤية للإنسان في القرآن تتجاوز الذكر والأنثى؛ إنها فلسفة قرآنية حقيقية للتحرر الإنساني من كل الماديات. المنطلق بالنسبة لي هو منطلق رؤية تنبع من أصلها الإسلامي مع الانفتاح على المبادئ الكونية الحقيقية والرافضة للهيمنة والظلم السياسي الغربي، فهو موقف نابع من رؤية إصلاحية إنسانية روحانية وأخلاقية. هذا طريقي وكفاحي وهدفي.
لا شك أن التوفيق بين القيم الكونية لحقوق الإنسان (في مفهومها النبيل) والإطار الديني الأخلاقي الإنساني الهادف ليس تنازلًا، كما يفهمه بعض، بل ضرورة وحقيقة واضحة اليوم، فالمجتمعات الإسلامية تملك الإمكانات الإنسانية والروحانية والسياسية اللازمة لتحقيق هذه المصالحة والمواءمة. على الأقل، نأمل ذلك، وبخاصة للأجيال القادمة.