بعد الاحتجاجات الشعبية والاشتباكات المسلحة.. هل ستتحول ليبيا إلى ملاذ للإرهاب؟

السبت 17/مايو/2025 - 11:11 ص
طباعة بعد الاحتجاجات الشعبية أميرة الشريف
 

تعيش العاصمة الليبية طرابلس في خضم أزمة أمنية وسياسية حادة، حيث تعكس الاحتجاجات الشعبية المتزايدة والاشتباكات المسلحة المستمرة واقعًا قاتمًا يعصف بالبلاد. 

هذه التوترات السياسية المتصاعدة أصبحت مصدر قلق كبير على الاستقرار الوطني، خاصة في ظل تزايد الهجمات المسلحة والعنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين، مما يعكس فشلًا ذريعًا في بناء دولة قانون قادرة على حماية مواطنيها.

 يشير هذا الوضع إلى تدهور السلطة الحكومية ويزيد من احتمالية انتشار التنظيمات الإرهابية التي قد تستغل الفوضى لتعزيز وجودها في ليبيا.

مظاهرات تتحول إلى عنف مفرط

 احتشد آلاف المواطنين في ميدان الشهداء في طرابلس، مطالبين بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تُتهم بأنها مسؤولة عن الفساد المستشري وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

 هذه المظاهرات التي كانت في البداية سلمية، تحولت بسرعة إلى مواجهات عنيفة بعد أن استخدمت السلطات الأمنية الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى بين المدنيين.

 هذه الحوادث تؤكد فشل الحكومة في تحقيق الاستقرار في طرابلس، وتزيد من الغضب الشعبي المتصاعد ضدها.

ومن جهتها، عبرت مجموعة العمل المعنية بليبيا المنبثقة عن عملية برلين عن قلقها العميق حيال هذه الأحداث.

 وأدانت استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين، مؤكدة أن هذا يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.

 ودعت المجموعة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لحماية المدنيين والممتلكات العامة، مشددة على أهمية فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في حالات القمع العنيف والمحاسبة الفورية للمتورطين.

استقالات في حكومة الدبيبة

تُعتبر هذه الاحتجاجات بمثابة نقطة تحول في المشهد السياسي الليبي، حيث أدت إلى استقالات جماعية لعدد من الوزراء في حكومة الدبيبة، احتجاجًا على فساد الحكومة وعدم قدرتها على معالجة الأزمات المتلاحقة. 

من بين هؤلاء الوزراء، استقال وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي ووزير الإسكان والتعمير أبوبكر الغاوي، معربين عن تضامنهم مع مطالب الشعب وداعين إلى إجراء إصلاحات جذرية.

 كما أعلن وزير الاقتصاد محمد الحويج استقالته، ليكون ثالث الوزراء الذين يتنحون عن مناصبهم، وقد أسفرت هذه الاستقالات عن ضغوط سياسية هائلة على حكومة الدبيبة، التي أصبحت فاقدة للشرعية في نظر العديد من الأطراف السياسية والشعبية.

 في المقابل، اعتبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن حق التظاهر السلمي يعد من المكاسب الأساسية لثورة فبراير، وحذرت من استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين بوصفه انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.

فوضى مسلحة في شوارع طرابلس

فيما يتعلق بالأوضاع العسكرية، كانت الاشتباكات المسلحة بين مجموعات مسلحة متعددة قد تفجرت في الأيام الأخيرة في طرابلس.

 قتال عنيف نشب بين قوات موالية لحكومة الوحدة الوطنية وعناصر تابعة لجهاز "قوة الردع الخاصة"، ما أدى إلى دمار واسع النطاق في المدينة.

 وبالرغم من تدخل بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة الهشة بين الأطراف المتقاتلة، تبقى الوضعية في العاصمة مضطربة للغاية، وسط مخاوف من حدوث تصعيد آخر في أي لحظة.

لعل ما يزيد من تعقيد المشهد هو وجود العديد من الجماعات المسلحة في طرابلس والمناطق المجاورة التي تنشط في العديد من الأنشطة غير القانونية، بما في ذلك التهريب والابتزاز. 

هذه الجماعات ليس لها أي ولاء حكومي، بل تحركها مصالح شخصية أو أيديولوجية، ما يساهم في تفاقم الأزمة ويجعل من الصعب الحفاظ على النظام العام.

 تداعيات على الاقتصاد الوطني

في وسط هذه الفوضى الأمنية والسياسية، يبقى القطاع النفطي في ليبيا هو المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية. ورغم أن المؤسسة الوطنية للنفط أكدت أن الإنتاج والتصدير النفطي يسيران بشكل طبيعي، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة بشأن قدرة ليبيا على الحفاظ على هذا الاستقرار في ظل هذه الأوضاع المضطربة، حيث أعلن مسؤولو المؤسسة أن عمليات الإنتاج مستمرة دون أي تأثيرات كبيرة من الأحداث الأخيرة، محذرين من أن أي تصعيد مسلح قد يؤثر سلبًا على هذا القطاع الحيوي في المستقبل.

وتجدر الإشارة إلى أن ليبيا تملك أكبر احتياطي نفطي في إفريقيا، وهو ما يجعلها هدفًا للجماعات المسلحة التي قد تحاول استغلال هذه الثروة في تمويل أنشطتها الإرهابية، فإذا استمرت الأوضاع الأمنية على هذا النحو، فإن ذلك قد يؤدي إلى تعطيل عمليات النفط بشكل كامل، وهو ما سيؤثر بدوره على الاقتصاد الوطني ويزيد من معاناة الشعب الليبي.

الخطر الإرهابي: تهديد يلوح في الأفق

ورغم أن السلطات الليبية تشدد على أن الاستقرار الأمني في طرابلس والمناطق الأخرى قد يُحسن تدريجيًا، إلا أن الوضع السياسي والعسكري الراهن في البلاد يعكس غيابًا كاملًا للسلطة المركزية.

 هذا الفراغ الأمني يمثل بيئة خصبة لتنامي خطر الجماعات الإرهابية في ليبيا، التي قد تستفيد من حالة الفوضى لتعزيز وجودها، فالحركات الإرهابية، مثل تنظيم "داعش" والقاعدة، قد تجد في هذه الأزمة فرصة لإعادة تنظيم صفوفها واستقطاب المزيد من المقاتلين.

 واعتبر خبراء في الشأن الليبي بأن استمرار الفوضى سيعزز قدرات الجماعات المتطرفة في ليبيا على تنفيذ عمليات إرهابية تهدد أمن البلاد والمجتمع الدولي.

المجتمع الدولي.. دور هام في تهدئة الأوضاع

في ظل هذه الأزمة المعقدة، يبرز دور المجتمع الدولي في دفع الأطراف الليبية إلى الالتزام بوقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة الحوار، فمؤسسات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب دول مثل الولايات المتحدة، تلعب دورًا محوريًا في تقديم الدعم السياسي والإنساني لليبيا.

وفي هذا السياق، طالبت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا جميع الأطراف إلى احترام حقوق الإنسان وعدم تصعيد العنف، مشيرة إلى أن استمرار الفوضى المسلحة يعزز من بيئة ملائمة لتنظيمات الإرهاب.

 كما دعت إلى دعم جهود المصالحة الوطنية وإيجاد حل سياسي شامل للأزمة الليبية.

المستقبل المجهول

رغم كل هذه الدعوات الدولية، لا يزال المستقبل السياسي والأمني لليبيا غامضًا، في ظل استمرار التوترات العسكرية والفوضى السياسية.

وويري مراقبون أن غياب الاتفاق بين الأطراف السياسية، والضغوط الشعبية المستمرة، يعقد مساعي المصالحة الوطنية، معتبرين أن ليبيا ستبقي في مفترق طرق بين التقدم نحو بناء دولة مستقرة أو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والعنف، ما يجعل الوضع برمته مهددًا بانتشار الإرهاب بشكل أكبر في حال استمر الوضع على ما هو عليه.

ويروا أن ليبيا تبقى بحاجة إلى عملية شاملة وفعالة من أجل إنهاء العنف وبناء مؤسسات حكومية قادرة على توفير الأمن والعدالة لجميع الليبيين، وإلا فإن الأزمة ستتفاقم في ظل غياب الحلول السياسية والضغوط العسكرية.

شارك