ليبيا على حافة الانفجار: سقوط حكومة الدبيبة وتنامي الفوضى في ظل ظلال الإخوان

الأحد 18/مايو/2025 - 05:01 ص
طباعة ليبيا على حافة الانفجار: حسام الحداد
 

تعيش ليبيا لحظة سياسية مفصلية تتداخل فيها عوامل محلية مع تأثيرات إقليمية ودولية معقدة. مشهد سقوط حكومة عبد الحميد الدبيبة ليس مجرد أزمة حكومة فشلت في تلبية المطالب الشعبية، بل هو نتيجة منطقية لمسار سياسي هشّ ومفخخ بالتجاذبات الحزبية، وعلى رأسها تأثير جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها المنتشرة في المؤسسات المدنية والعسكرية.

سياق الأزمة: شرارة الشارع وارتباك النخبة

اتساع رقعة الاحتجاجات في العاصمة طرابلس واستقالة عدد من الوزراء، وصولاً إلى انشقاق بلديات كبرى مثل صرمان وسوق الجمعة، يشير إلى انهيار حقيقي في بنية حكومة الوحدة، التي كانت أصلاً مثار جدل منذ بداية تشكيلها. فرغم الدعم الدولي الذي حظيت به، فقد اتسم أداء حكومة الدبيبة بالفساد، وتغوّل الميليشيات، والتلكؤ في تنظيم الانتخابات، ما جعلها أشبه بسلطة أمر واقع أكثر من كونها حكومة انتقالية تستجيب لطموحات الليبيين.

والبيان الأخير الصادر عن مجلس النواب الليبي، الذي وصف حكومة الدبيبة بأنها "والعدم سواء"، يعكس تحوّلاً نوعياً في ميزان القوى، قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة التشكيل السياسي، لكنّه في الوقت نفسه يفتح باب الفوضى على مصراعيه، في ظل انتشار السلاح وغياب المؤسسات الأمنية الوطنية الجامعة.

الإخوان المسلمون.. اللاعب الخفي في دوامة الانهيار

لا يمكن فهم المشهد الليبي بمعزل عن تأثير جماعة الإخوان المسلمين، التي تستتر وراء واجهات سياسية واقتصادية وشخصيات مستقلة ظاهرياً. فمنذ سقوط نظام القذافي، سعت الجماعة إلى التغلغل في مفاصل الدولة عبر "حكومة الظل" التي تدير المشهد من وراء الستار، مستفيدة من تحالفها مع بعض الميليشيات، وتوظيف المال العام والمنظمات الدولية لصالح مشروعها السياسي.

عبد الحميد الدبيبة، رغم عدم انتمائه العلني للإخوان، إلا أنه مثّل توافقاً مرحلياً معهم، ووفّر لهم بيئة حاضنة أعادت إنتاج نفوذهم في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الوزارات الخدمية، وملف الاستثمار، وحتى بعض التشكيلات الأمنية. وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل تورّط ميليشيات محسوبة على تيار الإسلام السياسي في قمع المتظاهرين، ما يكشف عن عمق الارتباط بين المشروع السياسي للحكومة المنهارة، ومصالح الجماعة التي تشعر الآن بتهديد مباشر لمكتسباتها.

تأثيرات أمنية.. هل نحن أمام بؤرة جديدة للتطرف؟

أخطر ما في المشهد الليبي الراهن هو هشاشة السلطة المركزية وعودة الصراع المفتوح بين شرق البلاد وغربها، وبين مراكز القوى المحلية المتضادة. الفراغ الأمني الناتج عن انقسام الشرعية، والاشتباكات المسلحة داخل طرابلس، وانهيار الثقة بين المواطن والدولة، يشكّل أرضاً خصبة لعودة التنظيمات المتطرفة، سواء تلك التي انكفأت بعد الهزائم العسكرية، أو الخلايا النائمة التي تجد في الفوضى مناخاً مثالياً للعودة.

ولا يجب أن نغفل أن الجماعات الجهادية العابرة للحدود، وعلى رأسها تنظيما "القاعدة" و"داعش"، تترقّب هذه اللحظات لاقتحام المشهد مجدداً، خصوصاً في المناطق الرخوة جنوب ليبيا، أو في سرت والهلال النفطي. وقد سبق أن استخدمت هذه التنظيمات الفوضى في ليبيا كنقطة انطلاق نحو دول الساحل الإفريقي، وكممر لوجستي للانتشار في الشمال الإفريقي وأوروبا.

انعكاسات إقليمية ودولية: ليبيا كصندوق بارود

ليبيا لم تعد شأناً داخلياً صرفاً. فالمشهد الليبي بات متداخلاً مع استراتيجيات إقليمية (تركية، مصرية، إماراتية) ودولية (روسية، أمريكية، أوروبية). ومن هنا، فإن تصاعد الفوضى في طرابلس لا يؤثر فقط على الأمن الليبي، بل يهدد استقرار المتوسط، ويعيد فتح ملف الهجرة غير الشرعية، وتجارة البشر، وتهريب السلاح، وهو ما يجعل الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا وفرنسا، في حالة استنفار دائم.

إجلاء تركيا لرعاياها مؤخراً ليس مجرد إجراء أمني، بل يحمل رسائل سياسية واضحة بأن الوضع في العاصمة خرج عن السيطرة، وأن الحلفاء القدامى لحكومة الدبيبة باتوا يعدّون أنفسهم لمرحلة جديدة قد لا يكون لهم فيها مكان.

خاتمة: هل تنجح لجنة اختيار رئيس الوزراء أم نحن أمام انقسام دائم؟

يبدو أن تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة لاختيار رئيس وزراء جديد، يمثل محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المشهد السياسي، لكنها محفوفة بالمخاطر. فنجاح هذه اللجنة مرهون بقدرتها على تجاوز نفوذ الميليشيات والإخوان، واستعادة الثقة الدولية، وتوفير بيئة توافقية حقيقية، لا مجرد إعادة تدوير للأسماء والمصالح.

أما الفشل، فمعناه انزلاق ليبيا إلى سيناريو أسوأ من 2014، حيث الانقسام المؤسساتي، والحرب الأهلية المفتوحة، والعودة إلى المربع الأول.

في النهاية، ما يحدث في ليبيا اليوم هو اختبار لقدرة الليبيين على استعادة وطنهم من قبضة الجماعات المؤدلجة والفاسدين، وبناء دولة مدنية حديثة تُخرج البلاد من عباءة الإخوان ومنطق الميليشيات إلى رحاب الاستقرار والديمقراطية. لكن الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً، والوقت يداهم الجميع.



شارك