الحوثيون يُعيدون صياغة التعليم: مناهج طائفية تُغذّي العنف وتطمس الهوية اليمنية
الثلاثاء 20/مايو/2025 - 10:00 ص
طباعة

أجرت جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا تغييرات واسعة وجذرية على العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وعلى رأسها العاصمة صنعاء، في خطوة تُوصف بأنها إعادة صياغة كاملة للمناهج الدراسية لخدمة التوجهات الأيديولوجية والطائفية للجماعة، هذه التعديلات التي نُفّذت عبر وزارة التربية والتعليم في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليًا، طالت أكثر من 75% من محتوى الكتب الأدبية والدينية للمرحلة الابتدائية، وفقًا لتحقيقات ميدانية وشهادات تربوية.
وأحصت تقارير صحفية نحو 530 تعديلًا على المناهج الدراسية، ركّزت الجماعة 90% منها على المناهج الموجهة لطلاب الصفوف من الأول إلى السادس الابتدائي، أي الفئة العمرية ما بين 4 و12 عامًا، وقد برر وزير التربية في حكومة الحوثيين يحيى الحوثي، هذه التعديلات بأنها تهدف إلى "تصحيح أخطاء مطبعية وعلمية"، إلا أن مراجعة مهنية للمحتوى أظهرت أن التغييرات كانت جذرية وتمّت بدوافع سياسية ودينية واضحة، شملت التغييرات حذف دروس عن رموز يمنية بارزة مثل محمد محمود الزبيري وعلي عبد المغني، واستبدالها بسير شخصيات طائفية، بعضها غير يمني مثل اللبناني راغب حرب المنتمي إلى "حزب الله"، فيما تم تقديم شخصيات زيدية مثل الإمام القاسم بن محمد على أنها نماذج يُحتذى بها، كما تم حذف أي ذكر لثورة 26 سبتمبر من كتب التاريخ، واستبدالها بإبراز انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر 2014 على أنه "يوم وطني".
أكثر ما يثير القلق هو التركيز على مفاهيم العنف والموت في محتوى المناهج الخاصة بالأطفال، حيث تكررت الآيات القرآنية التي تتناول "الجهاد والقتال والموت"، بنسبة تصل إلى 95% في كتب التاريخ والتربية الإسلامية والقرآن للصفوف الابتدائية، كما ظهرت صور غير ملائمة لعمر الطفل، مثل صورة طفل يتبرع لصندوق "دعم المجهود الحربي" على غلاف كتاب التربية الإسلامية للصف الثاني، وصور أسلحة وصواريخ في كتب للمرحلتين الإعدادية والثانوية، كما غيّرت الجماعة كذلك أغلفة الكتب الدراسية لتحمل رموزًا ومضامين عسكرية، ما حوّل الكتب المدرسية من أدوات تحفيز معرفي إلى أدوات تعبئة نفسية، كما تم استبدال الأناشيد المدرسية التقليدية بأخرى تُجاري خطاب الجماعة، وجرى تفسير آيات قرآنية بما يخدم رموز الجماعة، مثل تفسير عبارة "الذين أنعمت عليهم" في سورة الفاتحة على أنهم "أعلام الهدى"، وهم رموز دينية حوثية تُقدّم للأطفال على أنهم معصومون من الخطأ.
في جانب آخر، قامت الجماعة بإعادة تفسير المحتوى السياسي في كتب الاجتماعيات، حيث تم حذف مناسبات وطنية وتحوير الأحداث السياسية، إذ تم تصوير المبادرة الخليجية كسبب مباشر لـ"تدمير اليمن"، باستخدام صور توضيحية ومحتوى تعبوي، كما تم التمجيد بالحكم الزيدي وتصويره كمنقذ لليمن من الظلم والطغيان، مع التركيز على مظلومية "آل البيت" في العهد الأموي، وتشير آراء عدد من التربويين إلى أن نحو 30% من طلاب المرحلة الأساسية باتوا يفضّلون المواد العلمية، التي لم تشملها التغييرات الحوثية، على المواد الأدبية والدينية.
في السياق ذاته، حذرت نقابة المعلمين اليمنيين، في بيان لها من تعديلات جديدة وصفتها بـ"الطائفية"، وقالت إن جماعة الحوثي، المصنّفة إرهابية، قامت بإدخالها على مناهج الصفوف الدراسية الأولى في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
وشددت النقابة على رفضها للتعديلات، واعتبرتها انتهاكًا صارخًا للدستور والقوانين اليمنية النافذة، وتمسّ جوهر العملية التعليمية، وتشكل استهدافًا لهوية الطلاب الفكرية والثقافية والوطنية.
وذكرت أن تركيز التعديلات على المراحل الدراسية الأولى يُعدّ "محاولة خطيرة لفرض أيديولوجيا طائفية، وتحويل المدارس إلى منصات لنشر توجهات سياسية ومذهبية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للنسيج الوطني، ويغذّي بذور الصراع والعنف في أذهان الأجيال القادمة".
كما تحدثت النقابة عن قيام الحوثيين باستبدال الكوادر التربوية المؤهلة بعناصر غير متخصصة، وفرض مضامين تعليمية تفتقر إلى الأسس العلمية والتربوية، معتبرةً ذلك تهديدًا مباشرًا لاستقرار العملية التعليمية وكرامة المعلّم، ودعت جميع الجهات المعنية من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية والنقابات، إلى اتخاذ مواقف موحّدة لوقف هذه الممارسات، وحماية التعليم باعتباره قضية وطنية تمسّ حاضر البلاد ومستقبلها، مشددة على أن التعليم هو الحصن الأخير لحماية الهوية الوطنية، ومؤكدةً مواصلة دورها المهني والوطني في الدفاع عنه، ورفض أي محاولات لتسييسه أو تطييفه.
ويشير المراقبون إلى أن المناهج الحوثية تُسبب انفصالًا فكريًا وذهنيًا لدى الطلاب، الذين يشعرون بتناقض حاد بين ما يُدرّس لهم وما يرونه في الواقع أو الإنترنت، ما يؤدي إلى ضعف في الدافعية للتعلم وازدياد حالات القلق والاكتئاب الطفولي.
وبحسب تقرير صادر عن "منظمة ميون لحقوق الإنسان والتنمية"، فإن 640 طفلًا مجندًا تراوحت أعمارهم بين 13 و17 عامًا قُتلوا خلال النصف الأول من عام 2021، في ظل استغلال بيئة مدرسية مؤدلجة لتجنيد الأطفال نحو الجبهات، وقد عبّر عدد من أولياء الأمور أن واحدًا من كل خمسة يفكر في سحب أبنائه من المدارس، بينما أبدى أكثر من نصفهم استعدادًا لنقلهم إلى مدارس رقمية أو بديلة إن توفرت مناهج محايدة.
ويرى مراقبون أن جماعة الحوثيين انتهكت بشكل صارخ الدستور اليمني، الذي يمنح الحكومة الشرعية وحدها صلاحية التشريع التعليمي، وينص على احترام التنوع المذهبي والفكري، كما تُعد هذه التعديلات مخالفة واضحة لاتفاقية حقوق الطفل الدولية، التي تحظر استخدام التعليم للتحريض أو التلقين الطائفي.
وتشير التعديلات الجذرية التي أجرتها جماعة الحوثيين على المناهج الدراسية إلى سعيها الحثيث نحو خلق جيل يحمل فكرًا مؤدلجًا يعزز سرديتها الطائفية، على حساب التعليم المتوازن، والهوية الوطنية الجامعة، والصحة النفسية للأطفال، ومع استمرار غياب الرقابة الدولية، وتدهور بيئة التعليم في مناطق سيطرة الجماعة، يبقى مستقبل الأجيال القادمة مرتهنًا بمناهج تُغذّي ثقافة الموت أكثر من ثقافة الحياة.