خلايا نائمة وصراعات مفتوحة.. كيف يعيد داعش بناء نفسه في شرق سوريا؟
الثلاثاء 03/يونيو/2025 - 11:36 ص
طباعة

تشهد مناطق شمال وشرق سوريا عودة واضحة ومتصاعدة لنشاط تنظيم «داعش»، لا سيما في الأرياف الممتدة بين محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، وسط ظروف معقدة أمنياً وسياسياً، وفي توقيت حساس يتزامن مع إعادة تموضع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتكثيف الجهود لإعادة النازحين واللاجئين من مخيم «الهول» إلى مناطقهم الأصلية.
وبات من الواضح أن التنظيم الإرهابي يستغل هذه المرحلة الانتقالية لشن عمليات نوعية تؤكد حضوره الفعلي وقدرته على تهديد الأمن والاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية التي تديرها قوات «قسد» بدعم دولي، مستفيداً من الفجوات الأمنية والسياسية القائمة.
في واحدة من أبرز الهجمات التي شنها التنظيم مؤخراً، استُهدفت عربة تابعة لقسم «أمن القوافل والطرق» في قوى الأمن الداخلي (الآسايش) بعبوة ناسفة موجهة، أثناء تقدمها أمام رتل لصهاريج النفط المتجهة من الحسكة إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، وذلك قرب حاجز «المكمن» في منطقة «صباح الخير» الواقعة ضمن المثلث الإداري بين الحسكة والرقة ودير الزور، وأسفر التفجير عن مقتل ثلاثة عناصر وإصابة رابع بجروح بالغة.
وقد بث التنظيم بعد ساعات تسجيلاً مصوراً للعملية، في تبنٍ مباشر يُظهر مستوى الثقة التنظيمية وقدرته على التخطيط والتنفيذ الإعلامي، في ما بدا أنه رد مباشر على الحملات الأمنية التي تنفذها «الآسايش» داخل مخيم «الهول» بهدف تفكيك خلايا التنظيم النشطة هناك.
هذا النوع من العمليات يحمل دلالات عدة، أبرزها أن «داعش» بات يعتمد على تكتيك «الضرب والاختفاء» باستخدام عبوات ناسفة وأسلحة خفيفة في مناطق مفتوحة نسبياً، وهي بيئة يبرع التنظيم في استخدامها منذ سنوات طويلة.
لا تتوقف تهديدات التنظيم عند هذه الحادثة، إذ سُجل في نفس التوقيت تقريباً هجوم آخر في ريف دير الزور الشرقي، حيث استهدفت مجموعة مسلحة نقطة عسكرية لقوات «قسد» في بلدة الشحيل، مستخدمة قذائف «آر بي جي» وأسلحة رشاشة، لتندلع اشتباكات بين الطرفين امتدت لساعات دون تسجيل خسائر مؤكدة.
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن هذا الهجوم يعتبر العملية رقم 105 التي ينفذها تنظيم «داعش» في مناطق الإدارة الذاتية منذ مطلع عام 2025، ما يعكس تصاعداً ملحوظاً في نشاطه مقارنة بالأعوام السابقة، خاصة في ظل حالة من الركود الأمني النسبي في بقية مناطق سوريا.
يترافق تصاعد العمليات العسكرية للتنظيم مع تنامي نشاط خلاياه داخل مخيم «الهول» الذي يضم عشرات الآلاف من النساء والأطفال وعناصر التنظيم السابقين.
وقد أكدت «قسد» في بيان رسمي تنفيذ عملية أمنية بالتعاون مع التحالف الدولي في 31 مايو، تم خلالها اعتقال أحد أبرز قيادات التنظيم داخل المخيم، ويدعى «صالح علي سلمان علي» المعروف بلقبي «أبو خيرالله» و«أبو آواب»، وهو عنصر أمني عراقي سابق شارك في معارك الموصل وتلعفر، قبل أن يتسلل إلى سوريا متنكراً كلاجئ.
وكان هذا الشخص يضطلع بدور مركزي في تجنيد الشباب وإدارة شبكة تواصل سرية بين عناصر التنظيم داخل المخيم وخارجه، مزوداً إياهم بالمعلومات اللوجستية والأمنية.
وتصفه التقارير الأمنية بأنه "العين التنظيمية" في الهول، ما يسلط الضوء مجدداً على هشاشة الوضع داخل هذا المخيم الذي تحوّل إلى بيئة خصبة للتطرف، في ظل غياب استراتيجية دولية واضحة لمعالجته.
في سياق موازٍ، أعلنت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عن سلسلة تحركات عسكرية تشمل نقل قوات ومعدات من قاعدتي حقل العمر وكونيكو – القريبتين من الحدود العراقية – إلى مواقع جديدة في الحسكة والرقة، ضمن عملية "إعادة تموضع تكتيكي" تهدف وفق البيان الرسمي إلى "تعزيز القدرات الدفاعية لقوات التحالف وتقويض تحركات تنظيم داعش".
البيان شدد على أن هذه التحركات لا تعني انسحاباً أو تراجعاً عن الالتزام الأمني في المنطقة، بل تمثل جزءاً من خطة شاملة لإعادة توزيع القوات بما ينسجم مع التهديدات الميدانية المتغيرة، وتدعيم قدرات الشركاء المحليين، خاصة «قسد»، لضمان استمرار الضغط على خلايا «داعش».
ورغم البيانات الرسمية والتحركات العسكرية، يعبّر سكان ومراقبون محليون عن قلق متزايد من أن هذه الهجمات تشكل إرهاصات لموجة جديدة من نشاط «داعش» في ظل تفكك السلطة المركزية، واستمرار الصراع الجيوسياسي على مناطق النفوذ بين واشنطن وموسكو وأنقرة وطهران، كلٌ بحسب مصالحه.
ويرى خبراء أمنيون أن التنظيم يعتمد على استغلال التناقضات السياسية والتحولات المرحلية في التموضع العسكري الدولي، ليعيد بناء شبكاته، مدعوماً بخبرات سابقة وتغلغل عميق في البنية العشائرية والمجتمعية للمنطقة.
في ضوء هذه التطورات، تبرز الحاجة إلى استراتيجية شاملة لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تشمل أيضاً إعادة تأهيل المجتمعات المحلية، وإطلاق برامج مصالحة مجتمعية، وتطوير البنية الأمنية والاستخباراتية، بالتوازي مع حلول دبلوماسية تقلص من الاحتقان بين القوى المتصارعة.
ويري مراقبون أن عودة «داعش» بصورته المتجددة يجب ألا تُقرأ كحالة أمنية معزولة، بل كعرض من أعراض الفشل السياسي العام في سوريا، وكنتيجة مباشرة لتجاهل الملف السوري دولياً، والاكتفاء بإدارات جزئية للوضع على الأرض دون حلول مستدامة.