عقد من الحرمان.. الرواتب كأداة للتجويع والإخضاع في مناطق سيطرة الحوثي

الأحد 08/يونيو/2025 - 01:14 م
طباعة عقد من الحرمان.. فاطمة عبدالغني
 
كشف المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) في دراسة حقوقية الصادرة تحت عنوان "بلا رواتب... عقد من الحرمان"، عن أزمة إنسانية مركبة تطال أكثر من مليون ومئتي ألف موظف حكومي يمني، بينهم نحو 240 ألف معلم ومعلمة، يعيشون منذ سبتمبر 2016 دون رواتب منتظمة، الدراسة وصفت هذه الحالة بأنها "اعتداء ممنهج" على شريحة واسعة من المجتمع، واعتبرت وقف الرواتب جريمة جماعية تركت آثارًا اقتصادية ونفسية واجتماعية عميقة، مستندة في توثيقها إلى شهادات ميدانية وتحليل لسياسات أطراف النزاع.
لم تقتصر الدراسة على توثيق قطع الرواتب، بل أضاءت على ما اعتبرته ممارسات إقصائية ذات بعد سياسي وطائفي، شملت عمليات فصل تعسفي واستبدال ممنهج، لا سيما في قطاع التعليم، ووفقًا التقرير، أدى هذا الواقع إلى انهيار شبه تام للخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والإدارة، نتيجة تفريغ مؤسسات الدولة من كوادرها، وانعدام الحافز الوظيفي لدى من تبقى منهم.
من الناحية القانونية، شدد المركز على أن هذا الحرمان يُعد خرقًا فاضحًا للعهود والمواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، فضلًا عن الدستور اليمني ذاته، وذهب أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن الاستخدام الممنهج للرواتب كأداة ابتزاز سياسي وتجويع جماعي قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة (7/ك) من نظام روما الأساسي.
وحمّل التقرير جماعة الحوثي المسؤولية المباشرة عن حجب الرواتب في مناطق سيطرتها من خلال استحواذها على الإيرادات العامة ورفضها تحويلها إلى البنك المركزي، كما انتقد أداء الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا لفشلها في وضع حلول لتأمين الحد الأدنى من المعيشة للمواطنين، رغم قدرتها الجزئية على الدفع في بعض المناطق، كما ندد بصمت اللجنة الرباعية الدولية، ما يساهم - بحسب وصف المركز - في "تطبيع" معاناة مستمرة.
وعلى هامش التقرير، نظم المركز الأمريكي للعدالة الأسبوع الماضي مساحة نقاشية موسعة على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، جمعت حقوقيين وصحفيين وضحايا من مختلف المحافظات، خاصة من مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وقد افتتح المدير التنفيذي للمركز، المحامي عبد الرحمن برمان، المساحة بكلمة وصف فيها الدراسة بأنها توثيق دقيق لـ"جريمة جماعية مهملة"، محذرًا من خطورة استمرار تجاهل هذا الملف على استقرار المجتمع والدولة.
وشهدت المساحة عددًا من المداخلات البارزة، من بينها كلمة الدكتور محمد الكسادي، رئيس قسم العلوم المالية بجامعة حضرموت، الذي حمّل الحوثيين المسؤولية الكبرى عن قطع الرواتب لكنه أشار أيضًا إلى فشل الحكومة الشرعية وتخاذل المجتمع الدولي، خصوصًا الرباعية، في معالجة هذه الكارثة.
 بدوره، قال الدكتور عبد الخالق السمدة إن انقطاع الرواتب أدى إلى "شلل اقتصادي كامل"، حيث توقفت الحركة الشرائية وتدهور النشاط التجاري نتيجة فقدان السيولة من أكثر من مليون أسرة.
الصحفي محمد الجماعي وصف هذه الأزمة بأنها "أكبر عملية تجويع ممنهجة في تاريخ اليمن المعاصر"، مشيرًا إلى أن الموظف الحكومي تحول إلى عاجز تام عن إعالة أسرته. 
وعبّر أحد الموظفين من صنعاء عن حجم المعاناة بقوله إن عائلته لم تعد تطلب الكماليات بل تبحث عن الخبز فقط، واصفًا الجوع واليأس الذي يعيشه اليمنيون في مناطق سيطرة الحوثي.
وفي ختام الفعالية، دعا المشاركون إلى فتح تحقيقات مستقلة وتحميل الأطراف المتورطة كامل المسؤولية القانونية، مشددين على ضرورة إدراج هذه القضية ضمن ملفات العدالة الانتقالية ورفعها إلى مجلس حقوق الإنسان والآليات الدولية المختصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كما طالبوا بفصل قضية الرواتب عن التجاذبات السياسية والبدء الفوري بصرفها بأثر رجعي.
ويرى مراقبون أن تقرير المركز الأمريكي للعدالة أعاد تسليط الضوء على ملف تم تجاهله عمدًا في مسارات التفاوض والحوار، رغم كونه أحد أبرز وجوه الانتهاكات الإنسانية في اليمن خلال العقد الماضي، ويؤكد هؤلاء أن تحميل المسؤولية لكلا الطرفين - الحوثيين والحكومة المعترف بها - يفتح الباب أمام معالجة أكثر شمولية، بعيدًا عن التوظيف السياسي، كما أن إدراج هذا الملف ضمن أولويات المجتمع الدولي قد يشكل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الأطراف المعنية بمعايير العدالة وحقوق الإنسان، في ظل استمرار سياسة التجويع كأداة للإخضاع السياسي والاجتماعي.

شارك