بؤر العنف الباكستاني: لماذا تشتعل خيبر باختونخوا وبلوشستان مجدداً؟

شهدت باكستان مؤخراً تصاعداً مقلقاً في وتيرة الهجمات الإرهابية، التي تستهدف المدنيين وقوات الأمن على حد سواء، لتؤكد مجدداً على التحديات العميقة التي تواجهها البلاد في حربها ضد الإرهاب. في حادث مروع، استشهد شرطيان وأصيب آخر في هجوم بقنبلة يدوية على سيارة للشرطة في منطقة سوي بمديرية ديرا بوجتي في بلوشستان، مما يسلط الضوء على الطبيعة المتطورة والوحشية للهجمات التي يشنها المسلحون. جاء هذا الهجوم بعد ساعات قليلة من استهداف منزل المساعد الخاص لرئيس الوزراء للشؤون القبلية مبارك زيب بصاروخ في منطقة باجور في خيبر باختونخوا، ليُظهر الانتشار الجغرافي والجرأة المتزايدة لهذه المجموعات.
تعكس هذه الحوادث الواقع الأمني المعقد
الذي تعيشه باكستان، والذي تفاقم بشكل ملحوظ منذ استعادة طالبان السلطة في
أفغانستان عام 2021. فقد شهدت المقاطعات الحدودية، خاصة خيبر باختونخوا وبلوشستان،
تصاعداً ملحوظاً في الهجمات العنيفة، مما يثير تساؤلات حول التحديات الأمنية
المستمرة والدور الإقليمي في تأجيج هذه الصراعات.
بلوشستان وخيبر باختونخوا: بؤر العنف
تُعتبر مقاطعتا خيبر باختونخوا
وبلوشستان بؤرتين رئيسيتين للعنف الإرهابي في باكستان. تُشكل هاتان المقاطعتان،
اللتان تقعان على الحدود مع أفغانستان، نقاط ضعف استراتيجية تُسهل تسلل المسلحين
وشن الهجمات. وتشكل بلوشستان على وجه الخصوص مصدر قلق متزايد، حيث شكلت 35% من
إجمالي الوفيات خلال الربع الأول من عام 2025، وشهدت ارتفاعاً مثيراً للقلق بنسبة
15% في العنف مقارنة بالربع السابق. هذا التصاعد في بلوشستان يُعزى إلى عوامل
متعددة، بما في ذلك التوترات الانفصالية، والجماعات الإرهابية المحلية، بالإضافة
إلى الاتهامات الحكومية لجماعة "فتنة الهندستان" الإرهابية المدعومة من
الهند بالمسؤولية عن عدد من الحوادث الإرهابية. هذه الاتهامات تُشير إلى بُعد
إقليمي للصراع، وتُضيف تعقيداً جديداً إلى المشهد الأمني، حيث يتعهد الجيش
الباكستاني بالقضاء على خطر الإرهاب الذي ترعاه الهند في البلاد.
من ناحية أخرى، تُظهر خيبر باختونخوا
أيضاً نمطاً مقلقاً من العنف، حيث تقع فيها 98% من جميع الوفيات في هاتين
المقاطعتين. وتُشير التكتيكات المتطورة للمسلحين، مثل اختطاف قطار جعفر إكسبريس
غير المسبوق، إلى تصاعد جرأتهم وقدرتهم على التخطيط والتنفيذ لهجمات معقدة تستهدف
البنية التحتية الحيوية للبلاد.
اتجاهات واعدة رغم التحديات
على الرغم من المشهد القاتم، أظهر
الربع الأول من عام 2025 اتجاهات واعدة في المشهد الأمني في باكستان. فقد تجاوز
عدد القتلى بين المسلحين والمتمردين الخسائر التراكمية بين المدنيين وأفراد قوات
الأمن، مما يُشير إلى نجاح نسبي للعمليات العسكرية في استهداف وتصفية الإرهابيين.
وكشفت نتائج رئيسية لمركز البحوث والدراسات الأمنية عن انخفاض كبير في عدد القتلى
بين المدنيين وأفراد الأمن مقارنة بالربع الرابع من عام 2024، إلى جانب انخفاض
بنسبة 13% تقريباً في العنف العام، كما ذكرت صحيفة "ذا نيوز".
يُعزى هذا التقدم جزئياً إلى الجهود
المتواصلة التي تبذلها القوات المسلحة الباكستانية في مكافحة الإرهاب. وقد أشاد
الجنرال مايكل كوريللا، رئيس القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، بباكستان
ووصفها بأنها "شريك استثنائي" في جهود مكافحة الإرهاب العالمية، مسلطاً
الضوء على عملياتها الناجحة ضد "داعش خراسان" والمعركة المستمرة ضد الإرهاب.
تُشير هذه الإشادة إلى الاعتراف الدولي بالدور المحوري الذي تلعبه باكستان في
مكافحة الإرهاب، وتعاونها الفعال مع المجتمع الدولي في هذا الصدد.
التحديات المستقبلية
على الرغم من هذه الاتجاهات الإيجابية،
تظل التحديات كبيرة. فالتوقعات تُشير إلى أنه قد يصل عدد الوفيات إلى أكثر من 3600
بحلول نهاية العام إذا استمرت الاتجاهات الحالية، مما قد يجعل عام 2025 أحد أكثر
الأعوام دموية في باكستان. هذا الرقم يُشكل تحذيراً خطيراً ويدعو إلى تعزيز الجهود
الأمنية والاستراتيجيات الشاملة لمكافحة الإرهاب.
يُشير رئيس الوزراء شهباز إلى التزام
الحكومة بالقضاء على الإرهاب وضمان سلامة وأمن الممثلين العموميين والمواطنين في
جميع أنحاء البلاد. هذا الالتزام يُعد حجر الزاوية في السياسة الأمنية
الباكستانية، ويتطلب نهجاً متعدد الأوجه يشمل العمليات العسكرية، والإصلاحات
القانونية، والتنمية الاقتصادية، ومكافحة التطرف الفكري.
لمواجهة هذا التحدي، يتوجب على الحكومة
الباكستانية أن تستمر في تعزيز قدرات قوات الأمن، وتحسين جمع المعلومات
الاستخباراتية، وتطوير استراتيجيات فعالة لمكافحة الإرهاب في المناطق الحدودية.
كما أن معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، مثل الفقر، والبطالة، والإقصاء الاجتماعي،
أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.
و تُشكل الهجمات الأخيرة تذكيراً
صارخاً بأن باكستان لا تزال في طليعة الحرب العالمية ضد الإرهاب. ورغم التضحيات
الجسيمة التي قدمتها وتقدمها، تُظهر البلاد مرونة والتزاماً لا يتزعزعان في مواجهة
هذا التهديد. إن النجاح في القضاء على الإرهاب لن يعود بالنفع على باكستان فحسب،
بل سيُساهم أيضاً في استقرار المنطقة والعالم بأسره. إنها معركة مستمرة تتطلب يقظة
دائمة، وتنسيقاً وطنياً ودولياً، والتزاماً لا يتزعزع بتحقيق السلام والأمن لشعب
باكستان.