الأمم المتحدة: المرأة "مُستعبدة" في ظل حكم طالبان

الأربعاء 18/يونيو/2025 - 08:01 م
طباعة الأمم المتحدة: المرأة محمد شعت
 

انتقد تقرير للأمم المتحدة أوضاع المرأة الأفغانية في ظل حكم طالبان، مشيرًا إلى أن المرأة الأفغانية تعيش تحت وطأة نظام يُعيد عقارب الساعة إلى عصور الظلام. فمنذ سقوط كابول في أيدي حركة طالبان في أغسطس 2021، لم تكن عودة الحركة إلى السلطة مجرد تغيير سياسي، بل كانت بمثابة حكم بالإعدام على عقود من التقدم الهش في مجال حقوق المرأة. تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لا تفتأ تُطلق صيحات التحذير، مؤكدةً أن ما يحدث في أفغانستان هو "هجوم متعمد وغير مسبوق على حقوق وحريات وكرامة المرأة والفتيات الأفغانيات"، لترسم صورة قاتمة لمستقبل تُستبعد فيه نصف المجتمع بشكل ممنهج من كل مجالات الحياة.

وقال تقرير "مؤشر النوع الاجتماعي في أفغانستان " الصادر عن إدارة شؤون المرأة التابعة للأمم المتحدة، إن الإحصاءات ليست مجرد أرقام، بل هي مرآة تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها المرأة الأفغانية. واصفا  النتائج بأنها "مذهلة"، مشيرًا إلى أن الفجوة بين المرأة الأفغانية ومعايير التنمية البشرية العالمية قد اتسعت بشكل كبير، على الرغم من مقاومتها وصمودها الذي لا يلين.

 ووفق التقرير فإن أفغانستان تُعاني حاليًا من ثاني أكبر فجوة بين الجنسين في العالم، حيث يبلغ معدل عدم المساواة بين النساء والرجال في مجالات الصحة والتعليم والإدماج المالي والمشاركة في صنع القرار 76%. هذا الرقم ليس مجرد نسبة مئوية، بل هو انعكاس لواقع تعيشه ملايين النساء والفتيات اللاتي حُرمن من أبسط حقوقهن الإنسانية. التقرير، الذي أُعد بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي، تناول خمسة مجالات حيوية كاشفًا عن حجم الانتهاكات: "العيش الكريم والصحة"، "التعليم والتدريب على المهارات والمعرفة"، "التوظيف والإدماج المالي"، "المشاركة في صنع القرار"، و"التحرر من العنف". في كل هذه المجالات، تظهر الصورة بوضوح: تراجع غير مسبوق في وضع المرأة.

 

منظومة قوانين مُقيدة

واعتبر التقرير أن هذا الاستبعاد الممنهج مجرد نتيجة طبيعية لتغير الحكم، بل هو حصيلة قرارات وقوانين صارمة أصدرتها حركة طالبان، تهدف إلى إقصاء المرأة تمامًا من الفضاء العام وحصرها داخل المنزل. هذه القوانين لا تقتصر على جانب واحد من حياة المرأة، بل تمس كل تفاصيلها:

 

ولعل أبرز هذه الانتهاكات هي الحرمان الكامل للفتيات من التعليم الثانوي والجامعي. قرار طالبان بمنع الفتيات من الذهاب إلى المدارس والجامعات يعني ببساطة حرمان جيل كامل من حقه في المعرفة والتطور. تشير الأرقام إلى أن حوالي ثماني من كل عشر شابات أفغانيات محرومات من التعليم والتوظيف والتدريب على المهارات. هذه النسبة تفوق بأربع مرات حرمان الرجال من نفس الفرص. إنها ليست مجرد قيود، بل هي عملية تجريف لمستقبل أفغانستان، فكيف يمكن لأمة أن تنهض وهي تُبقي على نصف سكانها في ظلام الجهل؟

وأشار التقرير إلى أن القيود امتدت  لتشمل سوق العمل، حيث مُنعت النساء من معظم فرص العمل خارج قطاعات ضيقة جدًا ومقيدة للغاية. فُرض على النساء ارتداء البرقع أو النقاب الكامل في الأماكن العامة، وهو ما يُعيق بشكل كبير حركتهن ومشاركتهن في الحياة الاقتصادية ويعرضهن للمضايقات والتمييز. هذه القيود أدت إلى اتساع الفجوة المالية بشكل لافت، فالرجال أكثر احتمالًا بثلاث مرات من النساء لامتلاك حساب مصرفي واستخدام خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول. هذا يعني حرمان النساء من الاستقلال المالي والقدرة على إعالة أنفسهن أو أسرهن، مما يجعلهن أكثر عرضة للفقر والعوز.

واضاف التقرير: لا توجد امرأة واحدة في حكومة طالبان المركزية أو في الإدارات المحلية للمجموعة. هذا الغياب التام للمرأة في مراكز صنع القرار ليس مجرد نقص في التمثيل، بل هو حرمان كامل للمرأة من القدرة على تشكيل السياسات والقوانين التي تؤثر مباشرة على حياتها ومستقبلها. إنه يعكس عقلية تُرى فيها المرأة ككائن تابع لا يحق له إبداء الرأي أو المشاركة في بناء الدولة.

واعتبر التقرير أنه فُرض على النساء ضرورة مرافقة محرم (رجل من عائلتها) عند السفر لمسافات طويلة، مما يُقيد حركتهن بشكل كبير ويُصعب عليهن الوصول إلى الخدمات الأساسية، سواء الصحية أو التعليمية، أو حتى المشاركة في الأنشطة الاجتماعية أو التجارية، الزي الإلزامي وقواعد السلوك: قمع الهوية: إضافة إلى البرقع أو النقاب، فُرضت قيود مشددة على مظهر المرأة وسلوكها في الأماكن العامة. حتى صالونات التجميل مُنعت، في محاولة لطمس أي مظهر من مظاهر الاستقلالية أو التعبير عن الذات. هذه القوانين ليست مجرد قواعد لباس، بل هي أدوات للسيطرة على جسد المرأة وهويتها.

تحذير عالمي

الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة الأفغانية لم تمر دون تحذيرات دولية. وصف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان معاملة طالبان للنساء الأفغانيات بأنها "جريمة ضد الإنسانية". هذا الوصف القانوني الخطير يُشير إلى أن هذه الممارسات ليست مجرد انتهاكات لحقوق الإنسان، بل هي أفعال تُعتبر جرائم دولية تستدعي المساءلة. كما أن هذه السلوكيات يمكن اعتبارها "فصلًا بين الجنسين" (Gender Apartheid)، وهو مصطلح يُستخدم لوصف الأنظمة التي تُكرس التمييز المنهجي والفصل بين الجنسين على نطاق واسع.

 

لقد حذرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في تقريرها من أن التسامح العالمي مع استبعاد المرأة الأفغانية "سيرسل رسالة مفادها أن حقوق المرأة في كل مكان هشة ويمكن تجاهلها". هذا التحذير يُسلط الضوء على أن ما يحدث في أفغانستان ليس مجرد قضية داخلية، بل هو سابقة خطيرة قد تُلهم أنظمة أخرى لتقييد حقوق المرأة حول العالم.

واشار التقرير إلى أنه على الرغم من هذا الحصار الشامل، تُبدي المرأة الأفغانية صمودًا وبسالة تستحق التقدير. المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، أكدت أن "أعظم موارد أفغانستان هي النساء والفتيات. ورغم أن إمكاناتهن لا تزال غير مستغلة، إلا أنهن يواصلن المثابرة". هذه الكلمات ليست مجاملة، بل هي وصف دقيق لواقع نساء يرفضن الاستسلام لليأس.

 

وتدعم النساء الأفغانيات بعضهن البعض، ويُدرن أعمالًا تجارية صغيرة من داخل منازلهن، ويُقدمن المساعدات الإنسانية في ظل ظروف بالغة الصعوبة. كما أنهن يرفعن أصواتهن ضد الظلم، ويُحاولن إيجاد طرق للتواصل مع مسؤولي طالبان على المستويين الوطني والمحلي، في محاولة لإيصال مخاوفهن والمطالبة بحقوقهن. شجاعتهن وقيادتهن، حتى في مواجهة القيود الواسعة، تُحدثان تحولًا وإن كان بطيئًا في مجتمعاتهن.

في ظل هذه الأزمة الإنسانية والحقوقية المتفاقمة، تتصاعد الدعوات الدولية للتحرك الفوري. دعت صوفيا كالثورب، مسؤولة الشؤون الإنسانية في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، المجتمع الدولي إلى معالجة أزمة حقوق المرأة في أفغانستان من منظور طويل الأمد مع معالجة العوامل المسببة لعدم المساواة النظامية. وحددت ثلاث خطوات فورية للعمل، والالتزام بتعزيز منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء في أفغانستان، بما في ذلك من خلال التمويل المرن وطويل الأجل. هذه المنظمات هي شريان الحياة الوحيد للكثير من النساء والفتيات، وهي تحتاج إلى دعم مستدام لمواصلة عملها الحيوي.

ضمان أن يدعم ما لا يقل عن 30% من إجمالي ميزانية أفغانستان المبادرات التي تعزز بشكل مباشر المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة. هذا يُعد مؤشرًا على مدى جدية المجتمع الدولي في التزامه بتحسين أوضاع المرأة، ويضمن أن المساعدات لا تُساهم بشكل غير مباشر في إدامة التمييز.

تسهيل المشاركة الفعالة للنساء والفتيات الأفغانيات في المناقشات التي تؤثر على حياتهن ومستقبل بلدهن. لا يمكن التوصل إلى حلول مستدامة دون إشراك المتأثرين بشكل مباشر. يجب أن تكون أصوات النساء الأفغانيات حاضرة ومسموعة في أي حوار يتعلق بمستقبل بلادهن.

إن مستقبل أفغانستان، وازدهارها، وقدرتها على تحقيق التنمية المستدامة، مرهون بشكل مباشر بتمكين جميع سكانها وإعطائهم الفرصة للتقدم. ما لم تُمنح المرأة الأفغانية حقوقها الكاملة، فإن التنمية في البلاد سوف تستمر في الانحدار، وستُدفع أفغانستان نحو هاوية لا نهاية لها من الأزمات والفقر والتخلف. إنها ليست مجرد قضية حقوق إنسان، بل هي قضية سلام واستقرار وتنمية إقليمية وعالمية. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيستجيب العالم لصرخات نساء أفغانستان، أم سيستمر في الصمت أمام هذه الجريمة ضد الإنسانية.

شارك