تصفية خلية إرهابية في باكستان.. والهند في مرمى الاتهامات

الأربعاء 18/يونيو/2025 - 08:35 م
طباعة تصفية خلية إرهابية محمد شعت
 
في خضم تصاعد موجة الهجمات الإرهابية على أراضيها، تجدد باكستان اتهاماتها للهند بدعم الجماعات المسلحة، مما يدفع بالعلاقات المتوترة بالفعل بين الجارتين النوويتين إلى مستوى جديد من التعقيد والعداء. هذه الاتهامات ليست بجديدة، لكنها تكتسب زخمًا خاصًا في ظل تزايد وتيرة العنف، وآخرها إعلان الجيش الباكستاني عن مقتل خمسة "إرهابيين ترعاهم الهند" في اشتباكات عنيفة بمحافظة خيبر بختونخوا يومي 15 و16 يونيو.

وقد أفادت إدارة العلاقات العامة (ISPR)، الذراع الإعلامية للجيش الباكستاني، أن قوات الأمن نفذت عمليات استخباراتية دقيقة في منطقتي بيشاور وشمال وزيرستان، استنادًا إلى معلومات موثوقة حول وجود إرهابيين "ترعاهم الهند". أسفرت هذه العمليات عن مقتل أربعة إرهابيين في بيشاور، من بينهم قياديان بارزان يُعرفان بـ"الحارس" و"البصير"، بالإضافة إلى إرهابي آخر في شمال وزيرستان. وعُثر بحوزة هؤلاء الإرهابيين على أسلحة وذخائر ومتفجرات، ووصفهم البيان بأنهم "متورطون بنشاط في العديد من الأنشطة الإرهابية" في تلك المناطق. وجدد البيان تأكيد الجيش الباكستاني على "عزمه القضاء على خطر الإرهاب الذي ترعاه الهند من البلاد".

سلسلة من الاتهامات

لم تكن حادثة يونيو سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاتهامات المتبادلة بين باكستان والهند بشأن دعم الإرهاب. فباكستان دأبت على اتهام الهند بتمويل وتدريب الجماعات الانفصالية في إقليم بلوشستان المضطرب، بالإضافة إلى جماعات مسلحة أخرى تعمل على الحدود الأفغانية. في المقابل، تتهم الهند باكستان بدعم الجماعات الإرهابية التي تشن هجمات داخل كشمير المتنازع عليها، مثل جماعة جيش محمد و(لشكر طيبة).

من أبرز الحوادث التي تكررت فيها الاتهامات الباكستانية للهند، هي تلك المتعلقة بالهجمات الإرهابية في المدن الكبرى أو الهجمات التي تستهدف القوات الأمنية. على سبيل المثال، في أعقاب تفجيرات كبرى في مدن مثل كويتا أو لاهور، غالبًا ما تشير السلطات الباكستانية إلى "أيادٍ خارجية" وتقوم ضمنيًا أو صراحةً باتهام الهند. ورغم أن الهند تنفي هذه الاتهامات بشدة، وتصفها بأنها محاولة من باكستان لتبرير فشلها في السيطرة على الجماعات المتطرفة داخل حدودها، إلا أن إسلام آباد تصر على أن لديها أدلة دامغة تثبت تورط نيودلهي.

تصاعد العنف 

تأتي هذه الاتهامات المتجددة في سياق ارتفاع "طفيف" في الهجمات المسلحة التي شهدتها باكستان خلال شهر مايو 2025، وفقًا لبيانات معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS). على الرغم من أن التوترات العسكرية المتزايدة مع الهند لم تؤدِ إلى تصعيد كبير في العنف من جانب الجماعات المتطرفة بشكل عام، إلا أن شهر مايو سجل 85 هجومًا مسلحًا، بزيادة 5% عن 81 هجومًا في أبريل.

أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 113 شخصًا، منهم 52 من أفراد قوات الأمن، و46 مدنيًا، و11 مسلحًا، وأربعة أعضاء في لجان السلام. كما أصيب 182 شخصًا، منهم 130 مدنيًا و47 من أفراد الأمن. الأرقام تكشف عن اتجاهات مقلقة، خاصة فيما يتعلق بالضحايا. فقد ارتفع عدد القتلى بين أفراد الأمن بنسبة 73%، بينما شهدت إصابات المدنيين زيادة ملحوظة بنسبة 145%، مما يبرز التأثير المتزايد للأنشطة المسلحة على عامة الناس.

بؤر الصراع

تظل محافظتا بلوشستان وخيبر بختونخوا الأكثر تضررًا من العنف، حيث شهدتا 82 هجومًا من أصل 85 هجومًا على مستوى البلاد في شهر مايو. وقد سجلت بلوشستان أعلى مستويات العنف بـ 35 هجومًا مسلحًا، أسفرت عن مقتل 51 شخصًا وإصابة 100 آخرين. وتعتبر بلوشستان منطقة غنية بالموارد الطبيعية، لكنها تعاني من تمرد انفصالي طويل الأمد، وتتهم باكستان الهند مرارًا بدعم هذه الحركات الانفصالية.

وفي المقابل، نفذت قوات الأمن الباكستانية عمليات أسفرت عن مقتل 59 مسلحًا خلال الشهر، بينما فقد خمسة من أفراد الأمن حياتهم في هذه العمليات. وبجمع الهجمات المسلحة والعمليات الأمنية، بلغ إجمالي عدد الضحايا في شهر مايو 172 شخصًا، منهم 57 من أفراد الأمن، و65 مسلحًا، و46 مدنيًا، وأربعة أعضاء في لجان السلام.

علاقات متوترة

تبقى  اتهامات باكستان للهند بدعم الإرهاب، ذات أثر عميق وسلبي على العلاقات الهندية الباكستانية المتوترة أصلاً، حيث إن هذه الاتهامات تزيد هوة عدم الثقة بين البلدين، مما يجعل أي محاولة للحوار أو تحسين العلاقات أكثر صعوبة، كلا الطرفين ينظر إلى الآخر بعين الشك والريبة، مما يخلق بيئة غير مواتية لأي تقدم دبلوماسي.
و في ظل التحديات الأمنية المشتركة التي تواجهها المنطقة، مثل التهديد المتزايد من الجماعات المتطرفة، فإن غياب التعاون بين باكستان والهند يعيق أي جهود إقليمية منسقة لمكافحة الإرهاب بفعالية، كما أن الاتهامات المتبادلة في وسائل الإعلام والخطاب السياسي لتعبئة الرأي العام ضد الطرف الآخر، يؤجج المشاعر القومية العدائية ويصعب على الحكومات اتخاذ خطوات بناءة نحو السلام.
و في ظل التوتر المستمر والاتهامات المتبادلة، يزداد خطر التصعيد العسكري غير المقصود، خاصة وأن البلدين يمتلكان أسلحة نووية. أي حادث على الحدود أو هجوم إرهابي يمكن أن يؤدي إلى رد فعل مبالغ فيه ويشعل صراعًا أوسع، وهو مايؤثر على البيئة الأمنية غير المستقرة والتوترات السياسية المستمرة تؤثر سلبًا على الاستثمار الأجنبي والتنمية الاقتصادية في كلا البلدين، حيث يرى المستثمرون أن المنطقة محفوفة بالمخاطر.
كما أن  استمرار وتبادل الاتهامات بدعم الإرهاب بين باكستان والهند لا يؤدي إلا إلى تعميق دوامة الشك وانعدام الثقة، مما يحول دون تحقيق السلام والاستقرار في منطقة جنوب آسيا الحيوية. السؤال المطروح الآن هو: هل ستتمكن الدولتان من تجاوز هذه الاتهامات والعمل معًا لمواجهة التهديد المشترك للإرهاب، أم أن هذه الخلافات ستستمر في تأجيج الصراع وتقويض جهود التنمية والاستقرار الإقليمي.







شارك