هل يقود تعيين اللواء محمد كرمي تحولًا جديدًا في استراتيجية الحرس الثوري الإيراني؟

الخميس 19/يونيو/2025 - 01:30 م
طباعة هل يقود تعيين اللواء أميرة الشريف
 

في خطوة لافتة تعكس توجهاً جديداً في هيكلة القيادة العسكرية الإيرانية، أصدر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية والقائد العام للقوات المسلحة، علي خامنئي، 19 يونيو 2025، مرسوماً بتعيين اللواء محمد كرمي قائداً جديداً للقوات البرية التابعة للحرس الثوري، خلفاً للواء محمد باكبور الذي تولّى المنصب على مدى سنوات طويلة لعب خلالها دوراً محورياً في تعزيز هيمنة الحرس الثوري داخل البنية الأمنية والعسكرية للنظام الإيراني.

وجاء القرار بناءً على توصية مباشرة من اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، حيث أشاد خامنئي في مرسوم التعيين بما وصفه بـ”الكفاءة العالية والخبرة المتراكمة” التي يتمتع بها اللواء كرمي، مؤكداً أن المرحلة المقبلة تتطلب “قيادة ذات بصيرة ثورية وروح ميدانية قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية التي تحيط بالجمهورية الإسلامية في محيطها الإقليمي والدولي”.

تضمّن المرسوم جملة من التوجيهات التي ترسم ملامح الدور الجديد المنوط بالقائد الجديد للقوات البرية. فقد شدد خامنئي على ضرورة “رفع مستوى الجاهزية القتالية والقدرات الشاملة للوحدات البرية، مع تعزيز الروح المعنوية والثورية للكوادر العسكرية، وترسيخ مبادئ التقوى والبصيرة في أداء المهام العملياتية”.

كما وجه خامنئي كلمات شكر وثناء إلى القائد السابق اللواء محمد باكبور، مشيدًا بما قدمه من “خدمات مؤثرة وجهود متفانية” ساهمت في تطوير بنية القوات البرية، لا سيما في ملفي العمليات الحدودية وتأمين الجبهات الداخلية في ظل الاضطرابات التي شهدتها بعض المحافظات الإيرانية في الأعوام الأخيرة.

من هو اللواء محمد كرمي؟

اللواء محمد كرمي ليس اسماً جديداً في أروقة القيادة العسكرية الإيرانية، بل يُعد من أبرز القادة الذين راكموا خبرة طويلة في العمل الميداني، خاصة في المناطق التي توصف بأنها “هشة أمنياً” داخل إيران وخارجها.

قبل تعيينه قائداً للقوات البرية، شغل كرمي منصب قائد مقر “النجف الأشرف” التابع للحرس الثوري، وهو أحد أهم المقرات الأمنية التي تشرف على مراقبة وضبط الأوضاع في المحافظات الغربية المتاخمة للحدود مع العراق، ككرمانشاه وإيلام وخوزستان. 
وتولى أيضاً مسؤوليات بارزة في قيادة العمليات الخاصة، لاسيما في الملف الكردي، حيث لعب دوراً في قمع حركات المعارضة الكردية المسلحة في إقليم كردستان الإيراني.

ولكرمي كذلك سجل حافل في الملف السوري، إذ يُعتقد أنه كان من بين القيادات الميدانية التي أُوفدت ضمن ما يُعرف بـ”المدافعين عن الحرم”، وهو المصطلح الذي تستخدمه طهران للإشارة إلى عناصر الحرس الثوري الذين قاتلوا في سوريا دعمًا لنظام بشار الأسد. 
وبحسب تقارير إعلامية إيرانية، فقد عمل كرمي لسنوات في وحدات “فيلق القدس”، الذراع الخارجية للحرس الثوري، ما أكسبه خبرة في إدارة الملفات الأمنية خارج حدود إيران، بما في ذلك في العراق ولبنان.

 أبعاد التعيين

يأتي تعيين كرمي في لحظة حرجة تمر بها إيران، سواء على المستوى الإقليمي في ظل التصعيد العسكري المستمر مع إسرائيل، أو على المستوى الداخلي مع تزايد الاحتقان الشعبي وتحديات ما بعد الانتخابات الرئاسية. 
ويرى مراقبون أن اختيار شخصية ميدانية ذات خلفية استخباراتية وقتالية مثل كرمي يُعد رسالة واضحة بأن طهران تتجه نحو تعزيز نهج “الأمن أولاً”، مع التركيز على الحسم الميداني بدلًا من الحلول السياسية في التعامل مع الملفات الساخنة.

ويعتقد أن كرمي سيعمل على إعادة هيكلة بعض تشكيلات القوات البرية، والتركيز على تطوير قدرات الرد السريع، لا سيما في المناطق الحدودية الشرقية والغربية، في ضوء التهديدات المتزايدة من التنظيمات المسلحة المعارضة، فضلاً عن التوتر المستمر مع دول الجوار.

وداع باكبور… نهاية مرحلة

بتعيين كرمي، تطوى صفحة طويلة من قيادة اللواء محمد باكبور، الذي يُعد من أعمدة الحرس الثوري طوال العقدين الماضيين. تولّى باكبور قيادة القوات البرية منذ عام 2009، وقادها خلال فترات شديدة الاضطراب، منها الصراع مع المعارضة البلوشية، والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران في 2019 و2022، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الإيراني في سوريا والعراق. 
ويُتوقع أن يُمنح باكبور دورًا استشاريًا أو يُكلّف بمهمة عليا في المؤسسة العسكرية، تكريماً لخدماته.

 مستقبل القيادة البرية للحرس الثوري

من الواضح أن تعيين اللواء محمد كرمي لا يندرج فقط في إطار تغييرات روتينية في المناصب القيادية، بل يعكس تحركاً استباقياً لتعزيز فعالية القوات البرية في سيناريوهات محتملة، تشمل توسع المواجهة مع إسرائيل أو تصاعد الاضطرابات في الداخل.

وفي هذا السياق، قال محللون إيرانيون إن كرمي يمثل “جيل القيادة الميدانية الجديدة”، وهو جيل يملك خبرة عسكرية واسعة لكنّه أيضاً مشبع بفكر الحرس الثوري العقائدي، ما قد يؤسس لمرحلة أكثر تشدداً في تنفيذ سياسات النظام داخلياً وخارجياً.
ويري مراقبون أن تعيين اللواء محمد كرمي قائداً للقوات البرية للحرس الثوري يعكس توجهاً إيرانياً نحو تعزيز القبضة الأمنية والاستعداد للمواجهة في أكثر من ساحة. 
وبينما يشكل كرمي نموذجاً للقائد الميداني العقائدي، يبقى الرهان على ما إذا كان سيكتفي بمواصلة نهج سلفه أم أنه سيقود تحولاً نوعياً في بنية القوات البرية في المرحلة المقبلة.

شارك