بين نيجيريا وبنين.. شبكات التطرف تفتح جبهة جديدة في غرب إفريقيا

الخميس 19/يونيو/2025 - 11:54 م
طباعة بين نيجيريا وبنين.. حسام الحداد
 
تعيش منطقة الحدود بين نيجيريا وبنين على وقع تهديدات متزايدة بفعل تمدد الجماعات السلفية الجهادية، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، التي تسعى إلى فتح جبهة جديدة في بنين وتوسيع نطاق عملياتها في نيجيريا. وقد شهدت الأشهر الأخيرة تصاعدًا في وتيرة الهجمات العابرة للحدود، وسط مؤشرات على تنسيق بين جماعات متشددة مختلفة تستغل الثغرات الأمنية في المناطق الحدودية، خاصة في ظل هشاشة التعاون الإقليمي بعد الانقلابات التي ضربت دول الساحل.
ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه بنين ونيجيريا تعزيز تعاونهما الأمني عبر منصات إقليمية، مثل مبادرة أكرا والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بهدف التصدي لهذا الخطر المشترك. ورغم التحديات المرتبطة بالانقسامات السياسية وضعف التمويل، تظل هذه الجهود حجر الزاوية في منع الجماعات المتطرفة من تحويل المناطق الحدودية إلى ملاذات آمنة ومنطلقات لهجمات جديدة تهدد استقرار المنطقة بأسرها.

تمدد عبر الحدود
يرجح مراقبون أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) شكّلت خلايا دعم خلفية شمال غرب نيجيريا، تمهد الطريق لفتح جبهة ثانية على أراضي بنين. ففي 12 يونيو، شنّت الجماعة هجوماً على موقع بنيني بمنطقة باسو، على بُعد نحو ثلاثة أميال من الحدود النيجيرية بمقاطعة بورغو، معلنةً السيطرة على الموقع ونهب محتوياته.
ويمثّل هذا الهجوم ثاني عملية تتبناها الجماعة في بورغو عام 2025، كما يعد الأبعد جنوباً ضمن الهجمات التي رصدها مركز دراسة التهديدات، على بُعد 134 ميلاً من الحدود الثلاثية لبنين وبوركينا فاسو والنيجر، حيث تتمركز قواعدها الرئيسية حول محمية بارك دبليو. وتشير هذه المسافة، إلى جانب الموقع الحدودي للعملية، إلى احتمال تسلل المهاجمين من الأراضي النيجيرية، مما يشير إلى سعي الجماعة لفتح ممر تهديد جديد على جبهة بنين.

محمية كينجي: ملتقى الجماعات المسلحة
يرجح محللون أن المسلحين الذين نفذوا الهجوم على باسو قدموا من محمية كينجي في نيجيريا، حيث تفرض جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) نفوذها منذ عام 2021 على الأقل. وتشير عدة تقارير بحثية إلى أن عناصر ناطقين بالفرنسية عبروا من بنين إلى محمية كينجي ومناطق أخرى بشمال وسط وشمال غرب نيجيريا على مدار السنوات الماضية، ما أدى إلى تزايد الأعمال العدائية على طول الحدود، وفق تقرير أصدره معهد كلينجندايل الهولندي في يونيو 2024.
ويلفت هذا الانتشار الأنظار إلى دور جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، باعتبارها الفصيل السلفي الجهادي الأكثر هيمنة على بنين ومناطق الفرنكفونية المحيطة بها. لكن مركز مكافحة الإرهاب (CTP) يشير إلى أن محمية كينجي ليست حكراً على هذه الجماعة وحدها، بل تشكّل ملاذاً لعدة مجموعات سلفية جهادية، من بينها فروع محلية تابعة لداعش، وتنظيم بوكو حرام، وتنظيم دار السلام، وكذلك جماعة أنصارو النيجيرية المرتبطة بتنظيم القاعدة. وبينما تتقاطع مصالح هذه التنظيمات على الأرض، تبقى العلاقات بينها متقلبة، مما يحوّل محمية كينجي إلى نقطة التقاء ومواجهة على السواء.

خطر مزدوج على حدود نيجيريا
يرجح خبراء أمنيون أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) تعتمد على مناطق الدعم التي تسيطر عليها لتعزيز عملياتها داخل نيجيريا، مما يشكل تهديدًا مباشرًا على حدود البلاد، خاصة مع العلاقات المتقلبة التي تربطها بتنظيمات محلية ذات اهتمامات متشعبة. ففي عام 2022، شن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا (ISWAP) هجومًا على سجن واوا، على بُعد نحو 20 ميلاً من محمية كينجي، بمشاركة عناصر من جماعة أنصارو، وتنظيم دار السلام، وفصائل محلية غير جهادية، مما أظهر إمكانية التنسيق بينهم وتنفيذ عمليات نوعية على الأراضي النيجيرية.
وقد تزايد نفوذ جماعة دار السلام في محمية كينجي منذ عام 2024، حيث تفرض على السكان ضرائب وأعمالًا قسرية وحواجز تفتيش، وتطبق أحكامًا تستند إلى تفسيراتها للشريعة. كما أصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا على الداخل النيجيري، حيث ارتبطت بهجمات واسعة النطاق بالقرب من مناطق الوسط. وتنظر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى قرب باسو من الحدود النيجيرية على أنه عنصر ذو قيمة دعائية، مما يشير إلى رغبتها في تعزيز نفوذها على جانبي الحدود.
ويحذر مركز مكافحة الإرهاب من احتمال تصاعد الهجمات على القوات النيجيرية حال اشتداد الضغوط على الجماعة، وهو سلوك معتاد لدى التنظيمات السلفية الجهادية. ففي عام 2025، دفعت حملة مكافحة الإرهاب على جانبي الحدود جماعة تابعة لولاية الساحل التابعة لداعش إلى تفعيل خلية على الحدود، على غرار ما قامت به جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عام 2022، عندما نشطت خلايا الدعم في بنين وتوغو تحت وطأة ملاحقات الأجهزة الأمنية، مما يشير إلى قدرة هذه الشبكات على التمدد وتنفيذ عمليات انتقامية عبر الحدود.

بين بنين ونيجيريا: بوادر تعاون على الحدود
رغم العقبات، تلوح أمام بنين ونيجيريا فرصة أكبر للنجاح في تعزيز الأمن الحدودي مقارنةً بتجارب سابقة مع بلدان الساحل. ففي أعقاب الانقلابات التي شهدتها بوركينا فاسو عام 2022، والنيجر عام 2023، تراجعت جهود التنسيق العسكري عبر الحدود، وتبادلت الأطراف الاتهامات حول دعم متمردين على أراضيها، مما أدى إلى انهيار عدة منصات تعاون إقليمية، على رأسها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وقوة مجموعة الساحل الخمس، والقوة المشتركة المتعددة الجنسيات. وحذرت الأمم المتحدة مرارًا من أن تدهور التنسيق فتح ثغرات استفاد منها المسلحون لتمديد نفوذهم وتنفيذ عمليات عابرة للحدود.
لكن على عكس محيطها، حافظت بنين ونيجيريا على حضورهما ضمن عدة مبادرات إقليمية، على الرغم من عدم تفعيلها بالشكل الأمثل. سعت «إيكواس» إلى إنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب، غير أن تباين أولويات الدول الأعضاء وضَعف التمويل حال دون تحقيق أهدافها. وفي المقابل، مثّل انخراط بنين كعضو مؤسس، ومشاركة نيجيريا بصفة مراقب منذ عام 2022، دفعةً لمبادرة أكرا، التي تركز على تبادل المعلومات وتنفيذ عمليات مشتركة، رغم معاناتها من العقبات نفسها التي واجهتها «إيكواس». ورغم التحديات، تبقى هذه المحافل، إلى جانب المبادرات غير الحركية التي تركز على حماية سبل العيش وتنمية المجتمعات المحلية المحاذية للمحميات، الركيزة الأبرز للحفاظ على استقرار الحدود وضبطها.

الخاتمة:
تكشف التطورات الأخيرة أن خطر الجماعات المتشددة لم يعد محصورًا داخل حدود دولة بعينها، بل أصبح عابرًا للحدود ويستند إلى شبكات دعم لوجستي ومعنوي معقدة، كما في حالة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. وفي ظل هذا الواقع، تصبح الحاجة إلى تعاون وثيق ومستدام بين بنين ونيجيريا أكثر إلحاحًا، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا من خلال جهود التنمية وحماية المجتمعات الحدودية من الاختراق.
إن نجاح بنين ونيجيريا في صياغة استراتيجية مشتركة لمواجهة هذا التهديد قد يشكل نموذجًا يُحتذى به لدول المنطقة، وركيزة أساسية لتثبيت استقرار غرب إفريقيا. لكن هذا النجاح مرهون بمدى قدرة الدولتين على تجاوز العقبات السياسية وتفعيل آليات العمل المشترك، بما يتجاوز الشعارات إلى خطوات عملية وفعالة على الأرض.

شارك