عقوبات دقيقة في توقيت حساس.. واشنطن تلاحق أدوات إيران ووكلائها في البحر والبر

السبت 21/يونيو/2025 - 11:42 ص
طباعة عقوبات دقيقة في توقيت فاطمة عبدالغني
 
في سياق تصعيد مدروس ضمن حملة موسعة لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب وقطع شبكات الدعم اللوجستي والتقني التي تعتمد عليها إيران ووكلاؤها في المنطقة، اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) الجمعة 20 يونيو 2025 إجراءات مزدوجة ومترابطة، استهدفت من جهة شبكات توريد المكونات التكنولوجية المتقدمة إلى الحرس الثوري الإيراني، ومن جهة أخرى الشبكات التجارية والمالية المعقدة التي يستخدمها الحوثيون لتمويل عملياتهم العسكرية والبحرية في اليمن والبحر الأحمر. 
هذا التحرك الثنائي يؤكد ليس فقط تكامل الأدوات الأمريكية في مواجهة الأنشطة المزعزعة لاستقرار المنطقة، بل يعكس أيضًا اعترافًا صريحًا بطبيعة الترابط العضوي بين إيران والحوثيين على مستوى التهريب والتمويل والتنظيم العملياتي.
ففي الإجراء الأول، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، من خلال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، عن تصنيف فرد واحد وثماني كيانات، إضافة إلى تحديد سفينة واحدة كممتلكات محظورة، لتورطهم في عمليات شراء ونقل معدات حساسة موجهة لصناعة الدفاع الإيرانية، وبالأخص تلك المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وبرامج الصواريخ والطائرات دون طيار. 
وقد جاء هذا الإجراء ضمن جهود واشنطن المستمرة لتعزيز مذكرة الأمن القومي الرئاسية رقم 2، التي تهدف إلى منع إيران من تطوير قدرات عسكرية تهدد الأمن الإقليمي والدولي، وحرمان الحرس الثوري الإيراني من الموارد التقنية والمادية التي تمكّنه من مواصلة أنشطته المزعزعة للاستقرار.
السفينة التي تم تحديدها، وتحمل اسم SHUN KAI XING، كانت ترفع علم بنما ومملوكة لشركة Unico Shipping Co Ltd ومقرها هونغ كونغ، وقد كانت السفينة في طريقها إلى إيران وهي تحمل شحنة من المعدات ذات الاستخدام المزدوج لصالح شركة Rayan Roshd Afzar (RRA)، التي سبق تصنيفها لدورها في دعم برامج الطائرات المسيّرة الإيرانية، وشركة Towse Sanaye Nim Resanaye Tarashe، وهي كيان يسيطر عليه مسؤولون تنفيذيون في شركة RRA. وتؤكد الوثائق والشهادات أن السفينة كانت تنقل معدات عالية الحساسية مثل آلات القطع الإلكترونية وقطع الدوائر المتكاملة، في إطار سلسلة معقدة من الشحنات والتحايل على بوالص الشحن.
ويقف خلف هذه الشبكة المعقدة مجموعة "رايان فان كاف أنديش" الإيرانية، التي تضم عددًا من الشركات المرتبطة ببعضها البعض إداريًا وتمويليًا، ويقودها أفراد سبق تصنيفهم مثل محسن بارساجام، فرشاد حكيم زاده، وسيد رضا قاسمي، وكلهم على صلة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، وتؤكد وزارة الخزانة أن هذه المجموعة كانت تقدم دعمًا مباشرًا في تطوير وإنتاج أنظمة الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، كما تشير المعطيات إلى تورط محمد رضائي، نائب مدير منظمة أبحاث وجهاد الاكتفاء الذاتي التابعة لقوة الحرس الثوري الإيراني الجوية الفضائية، ما يعكس الطبيعة المؤسسية لهذه الأنشطة.
العملية التي تم الكشف عنها لم تقتصر على إيران فقط، بل شملت شبكة دعم دولية امتدت من الصين إلى سنغافورة وتركيا وهونغ كونغ، شملت شركات فوتيك ودونغقوان زانيين وشنتشن شينشين وV-Shipping، التي تورطت جميعها بشكل مباشر في نقل أو تسهيل شحن المعدات إلى كيانات إيرانية مصنفة، كما أظهرت التحقيقات أن بعض هذه الشركات لجأت إلى تزوير وثائق الشحن وإسقاط أسماء المستلمين الإيرانيين بهدف تضليل السلطات ومواصلة الشحنات إلى موانئ مثل بندر عباس، كما جرى تصنيف الربان الصيني تشانغ يانبانغ، الذي قاد السفينة "شون كاي شينغ" مع علم مسبق بطبيعة وجهتها ومحتوى شحنتها.
وقد أشارت وزارة الخزانة الأمريكية بوضوح إلى أن هذا التحرك يأتي بموجب الأمر التنفيذي 13382، الذي يستهدف ناشري أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها، ويُمثل خطوة إضافية ضمن سلسلة من العقوبات التي طالت على مدار السنوات الماضية مختلف الأفراد والشركات المرتبطة بالبنية التحتية الدفاعية الإيرانية، بما فيها الحرس الثوري الإيراني وقواته الخاصة
في موازاة ذلك، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عن أكبر إجراء حتى الآن ضد جماعة الحوثي، حيث استهدف أربعة أفراد و12 كيانًا وشركتين مالكتين لسفينتين، قامتا بخرق العقوبات وتفريغ شحنات نفط في موانئ يمنية خاضعة لسيطرة الجماعة، وقد أظهرت التحقيقات أن هذه الشبكة تعمل ضمن بنية اقتصادية متكاملة تستخدم شركات واجهة ووسطاء تجاريين وماليين لنقل النفط الإيراني وبيعه داخل السوق اليمنية بسعر مرتفع، ثم تحويل العائدات عبر قنوات سرية إلى قادة الجماعة وممولي عملياتها العسكرية، وتظهر أسماء الشركات المستهدفة مثل "بلاك دايموند" و"رويال بلس" و"أبوت" أنها لم تنشأ كمبادرات اقتصادية طبيعية، بل كواجهات مباشرة أُنشئت خصيصًا لخدمة المشروع الحوثي بتوجيه إيراني، حيث ارتبطت إداريًا وتمويليًا بعبد الملك الحوثي ومحمد عبد السلام وشبكات مالية أخرى تدير عمليات تحويل مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
وتشير البيانات الأمريكية إلى أن هذه الشركات لا تكتفي بتهريب النفط فحسب، بل تُستخدم كذلك في شراء معدات إلكترونية، ومكونات طائرات مسيّرة، وحتى في تمويل تحركات بحرية عدائية في البحر الأحمر، حيث يتم توجيه العائدات نحو تسليح الميليشيا وتعزيز قدراتها البحرية، وتلعب شخصيات مثل دغسان أحمد دغسان وعلي أحمد طليع أدوارًا مركزية في التنسيق بين مختلف شركات الواجهة، بالتوازي مع العمل على تأسيس شركات جديدة بأسماء أقارب وأشخاص غير معروفين لتجنب الرصد الدولي، في أسلوب يشبه كثيرًا ما فعله الحرس الثوري في العراق وسوريا ولبنان.
وتُظهر الوثائق الأمريكية أن الموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وعلى رأسها ميناء رأس عيسى، باتت نقاط تهريب نشطة ترتبط بعمليات تمويل مزدوجة، فمن جهة تصل إليها شحنات نفط إيرانية يتم بيعها في السوق السوداء اليمنية، ومن جهة أخرى تستخدم كمنصة لتفريغ شحنات عسكرية أو مواد ذات استخدام مزدوج يتم إدخالها تحت غطاء تجاري، مع تورط مباشر لمدير الموانئ الحوثي زيد الوشلي، الذي بات يُعد بمثابة همزة الوصل بين المشتريات العسكرية للحوثيين وعمليات التفاوض مع الشركات المرتبطة بإيران وروسيا.
وفي خرق واضح للترخيص الأمريكي المعروف باسم GL 25A، والذي انتهت صلاحيته في أبريل 2025، أظهرت تقارير الاستخبارات الأمريكية أن ثلاث سفن على الأقل، وهي "فالنتي" و"سارة" ومنطقة "أتلانتس"، واصلت نقل وتفريغ المنتجات البترولية المكررة في موانئ يسيطر عليها الحوثيون، بالتنسيق مع شركات الشحن Best Way وOcean Voyage وAtlantis M. Shipping. هذه العمليات، التي تم تنفيذها بعد انتهاء فترة السماح القانونية، اعتُبرت دليلاً إضافيًا على التعاون المستمر بين وكلاء النقل الدولي وشبكات الحوثيين، وتؤكد أن الجماعة باتت تمتلك قدرة ذاتية على تمويل نفسها خارج إطار أي اتفاق دولي أو دعم إنساني.
وبينما اتخذت الولايات المتحدة إجراءات حاسمة لإدراج السفن والشركات ضمن قائمة العقوبات، أكدت وزارة الخزانة أن أي تورط في دعم جماعة الحوثي، حتى لو عبر خدمات تجارية أو لوجستية، يُعرّض الأفراد والكيانات لعقوبات مالية صارمة، ويهدد سلامة السفن وطاقمها في ظل الهجمات البحرية التي ينفذها الحوثيون بانتظام في البحر الأحمر وباب المندب.
ويرى المراقبون أن توقيت الإجراءين الأمريكيين المتوازيين ليس عشوائيًا، بل جاء في مرحلة مفصلية تُعيد واشنطن فيها ترتيب أولوياتها الأمنية في المنطقة، في ضوء التصعيد البحري المتزايد من جانب الحوثيين، والتوسع التكنولوجي العسكري الإيراني، خاصة في برامج الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.
 ويرى بعض المحللين أن الدمج العملي بين أدوات الردع ضد إيران والحوثيين لم يعد مسألة رمزية، بل ضرورة عملياتية قائمة على فهم واشنطن لحقيقة العلاقة التكاملية بين الطرفين، حيث بات الحوثيون يُشكلون امتدادًا ميدانيًا حقيقيًا للقدرات الإيرانية، بما في ذلك القدرة على تعطيل خطوط الملاحة الدولية أو تهديد الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة.
وهكذا لم تعد الإدارة الأمريكية تفرّق بين من يصنّع السلاح ومن يستخدمه، ولا بين من يهرّب ومن يموّل، فالجميع بات ضمن شبكة واحدة يتم تفكيكها تدريجيًا وبشكل ممنهج، باستخدام أدوات قانونية ومالية وأمنية، تتجاوز السرديات الدبلوماسية التقليدية لتلامس صميم البنية اللوجستية التي تعتمد عليها إيران لتثبيت نفوذها وفرض وكلائها في المنطقة.

شارك