باكستان تُصعد حربها ضد الإرهاب عبر الطائرات المسيّرة داخل أراضيها

الإثنين 23/يونيو/2025 - 09:12 ص
طباعة باكستان تُصعد حربها أميرة الشريف
 
لم تعد الطائرات المسيّرة في باكستان مجرد أدوات تكنولوجية متقدمة في يد القوات المسلحة، بل تحولت إلى رموز متناقضة للهيبة والخوف، للأمن والدمار، في الوقت الذي تروّج فيه الدولة لاستخدام هذه التقنية كعنصر حاسم في الحرب ضد الإرهاب، تتصاعد في المقابل أصوات المنتقدين، التي تحذّر من أن الطائرات المسيّرة قد تخلق بيئة خصبة لمزيد من التطرف والعنف، خاصة عندما تُستخدم داخل الحدود، وتستهدف مواطنين يُفترض أنهم تحت حماية الدولة.
يأتي هذا في وقت يشهد فيه جنوب آسيا تصاعداً في حدة التوترات الأمنية، فمع احتدام الاشتباكات مؤخرًا بين باكستان والهند، ظهر استخدام الطائرات المسيّرة بشكل لافت في المشهد العسكري.
 لكن ما غاب عن العناوين الرئيسية هو الحرب الهادئة والأكثر تعقيدًا التي تخوضها إسلام آباد داخل حدودها، مستخدمة ذات السلاح، ولكن هذه المرة ضد الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من أراضيها وتشكّل تهديداً مستمرًا لاستقرارها الداخلي.
لطالما انتقدت باكستان علنًا الضربات الجوية الأمريكية بطائرات من دون طيار، والتي نُفذت داخل أراضيها في العقدين الماضيين، مستهدفة قادة من "القاعدة" و"طالبان" وغيرهم.
 ورغم تلك الإدانات السياسية والدبلوماسية، فإن باكستان وجدت نفسها لاحقاً تسير على نفس الخطى، مستفيدة من الخبرة الأميركية  وربما حتى معداتها  لشن ضربات مماثلة، ولكن هذه المرة بإشراف محلي كامل.
تحول استخدام الدرون من كونه تقنية استخباراتية إلى عنصر رئيسي في تنفيذ عمليات الاستهداف المباشر، خاصة في المناطق الحدودية مع أفغانستان، حيث تتنامى نشاطات الجماعات المتطرفة مثل "تحريك طالبان باكستان" و"جيش تحرير بلوشستان". 
ويعكس هذا التغير تحولًا في العقيدة العسكرية الباكستانية، التي باتت ترى في الطائرات المسيّرة وسيلة فعالة للضربات الدقيقة منخفضة التكلفة، لكنها في الوقت ذاته تواجه اختبارًا صعبًا أمام الرأي العام الذي بدأ يتململ من تكرار سقوط المدنيين كـ"أضرار جانبية".
وفي يونيو الماضي، تسببت غارة جوية لطائرة مسيّرة في مقتل أربعة أطفال في منطقة شمال وزيرستان، مما فجّر احتجاجات شعبية استمرت لأيام.
 الأهالي حملوا الجثامين إلى الطرقات الرئيسية، مطالبين بالعدالة، بينما اكتفت السلطات بنفي المسؤولية، وأشارت إلى أن الهدف كان "عنصرًا إرهابيًا"، إلا أن هذه الحادثة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، فقد سبقها سقوط عشرات المدنيين في غارات مماثلة، بعضها خلال مناسبات اجتماعية أو تجمعات رياضية محلية.
ويكمن الوجه الآخر لهذه العمليات يكمن في غياب الشفافية،  فمعظم الضربات لا يُعلن عنها رسميًا، أو يتم تسويقها لاحقًا عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال حسابات موالية للجيش، تتضمن مقاطع حرارية أو مشاهد ليلية توثق الاستهداف، دون أي تفاصيل عن هوية الضحايا أو طبيعة الهدف.
 في بيئة تفتقر إلى تغطية إعلامية مستقلة، يصبح التحقق من صحة هذه الروايات أمرًا شبه مستحيل، وتُترك الحقيقة معلّقة بين الرواية الرسمية، والدعاية المسلحة، والصمت الشعبي.
ولم يقتصر استخدام الطائرات المسيّرة على الدولة فقط، بل امتد إلى الجماعات المسلحة ذاتها، التي بدأت توظف طائرات تجارية صغيرة رباعية المراوح، في تنفيذ هجمات دقيقة ضد مواقع أمنية، أو في عمليات استطلاع ومراقبة. وتؤكد تقارير أمنية أن بعض فصائل "طالبان باكستان" وحتى عناصر من "جيش تحرير بلوشستان" استخدموا هذه الوسائل لضرب أهداف عسكرية أو لتهريب المتفجرات عبر الحدود.
هذا الاستخدام المزدوج للطائرات المسيّرة خلق نوعاً جديداً من التوازن القاتل، حيث بات السلاح الذي تملكه الدولة يُستخدم ضدها، بل وبأيدي من تُحاربهم، ما يطرح تساؤلات ملحة حول فعالية هذه التكنولوجيا في بيئة متشابكة سياسيًا وأمنيًا.
واحدة من أبرز المشكلات التي تعاني منها باكستان في حربها ضد الإرهاب ليست فقط في المواجهة الميدانية، بل في غياب الرؤية الشاملة، فالمناطق التي تُستهدف بالطائرات المسيّرة تعاني من ضعف التنمية، وغياب الخدمات الأساسية، ونقص التمثيل السياسي الحقيقي.
وتحول هذه العوامل الضربات الجوية من كونها إجراءات أمنية، إلى أدوات قمعية في نظر السكان، وتخلق بيئة مثالية لتجنيد المزيد من العناصر المتطرفة.
وفي إحدى الغارات التي وقعت مؤخرًا في منطقة مردان، أعلنت الحكومة المركزية أن القتلى العشرة كانوا من المسلحين، بينما صرّحت حكومة الإقليم أنهم رعاة مدنيون. 
وكانت المنطقة القبلية الباكستانية الواقعة على طول الحدود مع أفغانستان في السابق محوراً للحملة الأمريكية الطويلة بالطائرات من دون طيار التي كانت تهدف للقضاء على قادة الجماعات الإرهابية، وقد نُفذت أول ضربة أميركية معروفة في 18 يونيو 2004، وأسفرت عن مقتل نك محمد، وهو أحد أبرز قادة طالبان.
ووفقاً لمؤسسة نيو أمريكا، فقد سمحت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بشن 48 غارة جوية بطائرات مسيّرة داخل باكستان، في حين ارتفع العدد إلى 353 غارة خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أما آخر غارة جوية أمريكية بطائرة مسيّرة موثقة خلال فترة ولايته، فكانت في 21 مايو 2016، وقد أسفرت عن مقتل الملا أختر منصور، زعيم حركة طالبان الأفغانية.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد أمر بتنفيذ 13 غارة جوية في باكستان خلال عامه الأول في المنصب، ولم تُسجل أي ضربات منذ منتصف عام 2018.
وبعد مضي أكثر من عقدين على بدء استخدام الطائرات المسيّرة ضد الجماعات المسلحة، لا يزال سكان المناطق الحدودية الباكستانية يشككون بشدة في مدى فاعلية هذه الاستراتيجية، ويؤكدون أن الأسباب الكامنة وراء التطرف لا تزال دون معالجة.

شارك