غياب التيار الصدري عن انتخابات 2025.. هل يفتح الباب أمام عودة الإرهاب؟
الجمعة 27/يونيو/2025 - 10:16 ص
طباعة

تدخل الساحة العراقية مجدداً مرحلة مفصلية مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2025، وسط حالة من الغموض السياسي والقلق الشعبي المتزايد، خصوصاً بعد إعلان مفوضية الانتخابات غلق باب الترشح رسمياً دون مشاركة التيار الصدري، أحد أبرز القوى السياسية والشعبية في البلاد.
ورغم تمديد المدة، فإن التيار بقي على موقفه المعلن منذ 2022، بعد انسحابه الكامل من البرلمان احتجاجاً على "المحاصصة الطائفية" وفشل مشروع "حكومة الأغلبية الوطنية".
غياب التيار الصدري لا يُعتبر مجرد انسحاب لقوة انتخابية تقليدية، بل يمثل خروج كتلة شعبية ضخمة من النظام السياسي، وهي كتلة تتكون في معظمها من شباب المناطق الشعبية في الجنوب والعاصمة بغداد، ممن يتبنون خطاباً دينياً واجتماعياً قائماً على مقاومة الفساد والتدخل الخارجي، خاصة الإيراني.
ويخلق الغياب فراغاً خطيراً، ليس فقط في معادلات التمثيل السياسي، بل في ميزان الاستقرار الأمني أيضاً، بما يفتح المجال أمام قوى متطرفة لاستغلال هشاشة الساحة.
الجمهور الصدري يتمركز تقليدياً في مناطق مكتظة بالسكان، لكنها محرومة تنموياً، مثل مدينة الصدر والشعلة في بغداد، وسيد دخيل في ذي قار، وأحياء فقيرة في البصرة وميسان والنجف.
هذه المناطق، إن تُركت دون تمثيل سياسي واضح، أو دون قيادة تضبط جمهورها، تصبح بيئة مناسبة لتنامي مشاعر التهميش والإحباط.
تاريخياً، مثلت حالات الفراغ السياسي أو الشعور بالإقصاء، في العراق وخارجه، بوابة لانخراط بعض الشباب في جماعات متطرفة أو عصابات مسلحة، تحت شعارات دينية أو احتجاجية.
في هذا السياق، فإن غياب التيار الصدري، الذي يُعد من أقوى التيارات المنضبطة تنظيمياً، يُعرّض جمهوره لاحتمالات متعددة، منها الانجراف نحو السلبية السياسية أو، في أسوأ الحالات، التورط في أنشطة خارجة عن القانون.
من الملاحظ أن تنظيم "داعش"، رغم انحساره العسكري منذ سنوات، لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق شمال بغداد، وديالى، وصلاح الدين.
وقد حذّرت تقارير أمنية من أن التنظيم يعيد بناء نفسه ببطء من خلال استغلال ثغرات الدولة، والفراغات الأمنية في بعض المحافظات.
وفي حال تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات، وضعف التمثيل الشعبي الحقيقي في البرلمان المقبل، فإن شرعية النظام السياسي نفسه ستكون موضع تساؤل، ما يوفّر أرضاً خصبة لخطاب التطرف والرفض المسلح.
ويحذر بعض الخبراء من أن "الحرمان السياسي"، لا يقل خطورة عن "الحرمان الاقتصادي"، وأن أي تكتل شعبي واسع يشعر بأن صوته غير ممثل في البرلمان، أو أن خياراته مغيبة قسراً أو طوعاً، قد يتحول إلى مصدر تهديد للاستقرار.
ورغم أن الصدر تبنى خطاباً معارضاً للنظام السياسي الحالي، ووصفه بـ"الفاسد والعاجز"، فإنه في الوقت نفسه كان يشكل صمام أمان للجمهور الذي يمثله، ويضبط إيقاع احتجاجاته وفق رؤية دينية وسياسية، تتجنب الانفلات أو العنف العشوائي.
وعند انسحاب التيار من مؤسسات الدولة، لم تتوقف قدرته على التأثير، بل ظل لاعباً أساسياً في الشارع، وقاد أكثر من تحرك جماهيري منظم.
هذا الوجود، وإن كان غير رسمي، يُعتبر أفضل من ترك هذا الجمهور دون أي إطار سياسي أو توجيهي، خاصة أن كثيراً من قادة الفصائل المسلحة المنافسة، أو الجهات المتطرفة، قد تحاول استغلال هذا الفراغ لاستقطاب جمهور الصدر إلى أجنداتها الخاصة.
ويحاول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن يقدّم نفسه كبديل معتدل، قادر على ملء الفراغ الذي قد يتركه الصدريون، خصوصاً في شريحة "الناخبين المترددين" أو "غير الحزبيين".
وقد أطلق حملة انتخابية مستقلة، تراهن على ما تحقق في ملفات الخدمات والاستقرار، لكن هذه المحاولات لا تبدو كافية لتغطية الفراغ الذي يتركه غياب التيار الصدري، خصوصاً في البعد النفسي والسياسي الذي شكّله التيار لدى أنصاره.
فالسوداني لا يمتلك البعد العقائدي أو الشعبي العميق الذي يتكئ عليه الصدر، كما أن تحالفه غير المعلن مع الإطار التنسيقي يجعله غير قادر على طمأنة القاعدة الصدرية، التي ترى في هذا التحالف استمراراً لنهج "خلطة العطار"، وهو النهج الذي ترفضه بشدة.
ويري مراقبون أن العراق اليوم أمام مفترق طرق حقيقي، فالفراغ السياسي الناتج عن غياب أكبر تيار شيعي شعبي، إذا لم يُعالج بشكل دقيق، قد يتحول إلى فراغ أمني، إذ لا يمكن فصل السياسة عن الأمن في بلد مثل العراق، حيث تتداخل الولاءات الطائفية والعشائرية، وتُستخدم الساحات الشعبية كساحات تعبئة، في ظل غياب مؤسسات فاعلة تحتكر السلاح والقرار.
ويشير المراقبون إلي أن استمرار غياب التيار الصدري دون بديل سياسي يُرضي جمهوره، يخلق ثغرة قد لا تملأها صناديق الاقتراع وحدها، بل تتطلب رؤية شاملة تشرك جميع التيارات الوطنية، حتى المعارضة منها، في ضمان الاستقرار الاجتماعي، ومواجهة الخطر الأكبر، عودة الإرهاب من نافذة التهميش.