نظام قمع متكامل.. كيف حولت مليشيا الحوثي المعتقلات إلى مسالخ بشرية؟

الجمعة 27/يونيو/2025 - 11:42 ص
طباعة نظام قمع متكامل.. فاطمة عبدالغني
 
في الذكرى السنوية لـ"اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب"، الذي يوافق 26 يونيو من كل عام، أطلقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات تقريراً شاملاً يوثق الجرائم الممنهجة التي ترتكبها ميليشيا الحوثي الإرهابية ضد المختطفين داخل سجونها، وهي ممارسات وصفت بأنها ترتقي إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، تُمارس بحق المدنيين العُزّل في مختلف المحافظات اليمنية. 
التقرير الذي يغطي الفترة من 1 يناير 2018 وحتى 30 أبريل 2025، يكشف النقاب عن حجم المعاناة والانتهاكات الفادحة التي تعرض لها آلاف اليمنيين داخل زنازين الحوثيين، في ظل غياب الرقابة الدولية واستمرار الصمت الأممي.
أورد التقرير أرقاماً صادمة تؤكد حجم المأساة، حيث وثقت الشبكة نحو 1937 مختطفاً تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي في 17 محافظة يمنية، من بينهم 117 طفلاً و43 امرأة و89 مسنًا. 
ووفقاً للبيانات لقي 476 مختطفاً حتفهم نتيجة التعذيب، بينهم 18 طفلاً و23 امرأة و25 مسناً، إما داخل الزنازين مباشرة أو بعد إطلاق سراحهم بفترة وجيزة، ما يشير إلى محاولة منهجية للتنصل من المسؤولية الجنائية.
ووثق التقرير أيضاً 56 حالة تصفية جسدية مباشرة لمختطفين، إضافة إلى حالات انتحار داخل المعتقلات نتيجة اليأس الشديد وبشاعة أساليب التعذيب المستخدمة، كما سُجّلت 79 حالة وفاة نتيجة الإهمال الطبي، و31 وفاة بسبب نوبات قلبية، وهي نتيجة مباشرة للظروف القاسية داخل السجون.
المعاناة لم تقتصر على حالات الوفاة، بل أشار التقرير إلى إصابة 218 مختطفاً بإعاقات دائمة، منها شلل كلي ونصفي وأمراض مزمنة وفقدان الذاكرة والبصر والسمع، في حين خضع 1325 معتقلاً لأنواع متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي.
ووفقاً للشبكة اليمنية تدير ميليشيا الحوثي نحو 641 سجناً في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بينها 368 سجناً رسمياً تم احتلالها عقب الانقلاب، و273 سجناً سرياً أُنشئت داخل مرافق حكومية ومدنية، بما في ذلك المساجد ومراكز تحفيظ القرآن ومقرات أحزاب ومنازل سياسيين.
وتصدّرت أمانة العاصمة صنعاء قائمة المحافظات التي شهدت أعلى نسبة تعذيب، بـ 518 حالة تعذيب، تلتها محافظة صنعاء بـ 456 حالة، ثم حجة بـ 211 حالة، فـ إب بـ 161 حالة، ثم الحديدة بـ 143 حالة، وتعز بـ 123 حالة، كما توزعت بقية الحالات على محافظات الضالع، البيضاء، ذمار، ريمة، صعدة، عمران، والمحويت.
وتوقف التقرير عند مآسي مروعة في سجن "مدينة الصالح" سيئ السمعة بمدينة الحوبان، شرقي تعز، حيث قُتل عشرات المختطفين جراء التعذيب الوحشي، كما كشف عن جرائم اغتصاب تعرضت لها نساء مختطفات في سجون الحوثي تحت تهديد السلاح دفعت ببعضهن إلى الانتحار، وهو ما يسلط الضوء على الانتهاكات الجنسية كأداة ممنهجة للإذلال والتنكيل.
الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، في ختام تقريرها، أعربت عن قلق بالغ حيال تصاعد ظاهرة السجون السرية وأساليب التعذيب الممنهج، معتبرة أن هذه الأفعال تمثل مؤشراً خطيراً على تدهور أوضاع حقوق الإنسان في اليمن، وعلى استمرار الإفلات من العقاب في ظل تواطؤ دولي أو تجاهل مقلق لمعاناة الضحايا.
ويرى المراقبون أن تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات يعكس واقعاً مرعباً لصورة التعذيب في اليمن تحت سلطة الحوثيين، ويعزز شهادات ناجين ومنظمات حقوقية سابقة تحدثت عن وجود آلة تعذيب ممنهجة مدعومة بإسناد استخباراتي وأمني إيراني.
 كما يشير المراقبون إلى أن هذه الممارسات لم تعد استثناءات فردية، بل باتت سياسة ثابتة يُراد منها كسر إرادة المدنيين وإرهاب المجتمع وتصفية الخصوم السياسيين والفكريين، ضمن مسار طويل من الانتهاكات التي تزايدت منذ انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية.
ويؤكد بعض المراقبين أن ضعف الاستجابة الدولية، وعدم وجود ضغط فاعل على جماعة الحوثي لفتح السجون أمام لجان التحقيق الأممية، منح هذه الجماعة شعوراً بالحصانة، وشجعها على التوسع في ارتكاب الجرائم، كما دعا هؤلاء إلى ضرورة التحرك الجاد على المستوى الأممي لتوثيق هذه الانتهاكات وإحالتها إلى المحاكم الدولية المختصة، بما يضمن محاسبة الجناة وإنصاف الضحايا، ووضع حد لدوامة الإفلات من العقاب التي تشكل تهديداً دائماً للسلم الأهلي في اليمن.
وفي ظل هذا الواقع القاتم يُجمع المراقبون على أن استمرار الصمت حيال الجرائم الممنهجة بحق المختطفين، ولا سيما الأطفال والنساء، هو وصمة عار على جبين الإنسانية ولا بد من تحرك دولي حازم يوازي حجم الكارثة.

شارك