إرهاب عابر للحدود.. باكستان تفكك خلية وتتهم الهند بإشعال الفوضى
الجمعة 27/يونيو/2025 - 05:32 م
طباعة

في تطور أمني لافت يعكس حجم التحديات التي تواجهها باكستان على صعيد مكافحة الإرهاب، أعلنت السلطات الأمنية في إقليم البنجاب عن إحباط مؤامرة إرهابية وصفت بالكبيرة، واعتقال ستة عناصر يشتبه بتورطهم في مخطط مدعوم من قبل جهاز الاستخبارات الهندي. العملية الأمنية التي حملت اسم "يالْغار" جرت في مناطق متعددة داخل الإقليم، وشملت اعتقالات في بهاوالناجار، توبا تيك سينغ، وباكباتان، وأسفرت عن ضبط متفجرات وأجهزة تفجير وخرائط تفصيلية لهجمات كانت تُخطط لاستهداف مسجد ومحطة للقطارات في بهاولبور. وتزامن تنفيذ العملية مع ما وصفته السلطات الباكستانية بتصعيد هندي ممنهج يهدف إلى زعزعة الاستقرار من الداخل عبر دعم جماعات متطرفة.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك عقد في لاهور، كشف المفتش العام الإضافي للعمليات في البنجاب، شهزادة سلطان، بمرافقة مدير العمليات في إدارة مكافحة الإرهاب وقار عظيم، أن العناصر المقبوض عليها كانوا على تواصل مباشر مع ضباط في جهاز الاستخبارات الهندي "RAW"، بينهم الرائد رافيندرا راثور والمفتش سينغ. وبحسب المعلومات التي أعلنتها الشرطة، فإن اثنين من المعتقلين، وهما أسلم وأكبر علي، تم ضبطهما أثناء تلقيهما متفجرات من عناصر تابعة لقوة أمن الحدود الهندية، ما يعزز الرواية الباكستانية بشأن الدعم المباشر للهجمات عبر الحدود.
أشارت التحقيقات الأولية إلى أن هذه المجموعة كانت تستعد لتنفيذ عمليات نوعية تستهدف منشآت مدنية ودينية، بما في ذلك مسجد ومحطة سكك حديدية، في محاولة لإثارة الفوضى وبث الرعب بين المدنيين. وأكدت الشرطة العثور على عبوات ناسفة بدائية الصنع وصمامات وخرائط سرية بحوزة المشتبه بهم. وفي تطور آخر، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على شخصية محورية يُعتقد أنها لعبت دورًا في تمويل هذه الأنشطة، ويدعى ذو الفقار، وتم توقيفه في مدينة بهاولبور، حيث كشفت التحقيقات أنه كان يعمل من دبي على إرسال الأموال وتنسيق العمليات.
وكشفت أجهزة الأمن أيضًا عن تسجيلات صوتية تم اعتراضها بين الموقوفين وضباط في جهاز الاستخبارات الهندي، تضمنت نقاشات حول عمليات اغتيال وهجمات على منشآت حساسة. وقال الجنرال سلطان إن هذه الأدلة الموثقة تظهر نية واضحة لدى الهند للتدخل في الشأن الداخلي الباكستاني عبر أذرع إرهابية. وأضاف أن الأجهزة الأمنية تقف على أهبة الاستعداد لإفشال أي محاولات من هذا النوع، مؤكدًا أن أمن البلاد خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
تصعيد في الخطاب الرسمي
اتهامات باكستان للهند بدعم الإرهاب ليست جديدة، لكنها باتت تأخذ طابعًا أكثر صراحة ووضوحًا، مدعومة هذه المرة باعترافات واتصالات مسجلة وعناصر مادية تم العثور عليها خلال عمليات أمنية ميدانية. وزارة الخارجية الباكستانية أصدرت بيانًا شديد اللهجة عقب الكشف عن هذه المؤامرة، أكدت فيه أن لدى باكستان أدلة واضحة على تورط نيودلهي في رعاية أنشطة تخريبية تستهدف الأمن الداخلي. ورأت الخارجية أن ما يحدث يمثل جزءًا من "استراتيجية هندية خبيثة" ترمي إلى إرباك باكستان في لحظة حساسة من تاريخها الأمني والسياسي.
الجيش الباكستاني بدوره دخل على خط التصعيد، حيث صرح مدير إدارة العلاقات العامة في القوات المسلحة، الفريق أحمد شريف شودري، بأن الهند تمارس منذ أكثر من عشرين عامًا "إرهاب دولة ممنهج"، وأنها تسعى من خلال دعم الجماعات المسلحة إلى إضعاف باكستان داخليًا وعرقلة جهودها في بسط الاستقرار. جاء ذلك في أعقاب هجوم دموي استهدف حافلة مدرسية في إقليم بلوشستان، أسفر عن استشهاد عدد من الأطفال، وأثار غضبًا واسعًا في الشارع الباكستاني. وقد استثمرت القيادة العسكرية هذه الواقعة لإعادة التأكيد على موقفها بأن الإرهاب في باكستان له "أذرع إقليمية معروفة".
في المقابل، ترفض الهند بشكل قاطع هذه الاتهامات، وتعتبر أن باكستان تلجأ إلى تحميل الآخرين مسؤولية الفوضى الأمنية في الداخل. وتصف نيودلهي هذه التصريحات بأنها محاولة لتصدير الأزمات وتضليل الرأي العام، فيما تصر إسلام آباد على أن لديها ما يكفي من الأدلة لطرح هذا الملف على المنصات الدولية، وقد لوّحت أكثر من مرة بإطلاع الأمم المتحدة وشركائها الأمنيين على تفاصيل هذه العمليات.
مؤشرات أمنية مقلقة
على الأرض، لا يبدو الوضع الأمني في باكستان مريحًا، إذ تشير التقارير الصادرة عن معهد باكستان للدراسات الأمنية والصراعية إلى زيادة طفيفة في معدل الهجمات المسلحة خلال شهر مايو 2025، حيث تم تسجيل 85 هجومًا، مقارنة بـ81 في أبريل، ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 5%. هذه الهجمات خلفت حصيلة ثقيلة من الضحايا، بلغ عددهم 113 قتيلًا، منهم 52 من أفراد القوات الأمنية، و46 مدنيًا، إلى جانب 11 مسلحًا، وأربعة من أعضاء لجان السلام المحلية.
اللافت في الإحصائيات الأخيرة هو الارتفاع الكبير في عدد الإصابات بين المدنيين، حيث وصلت إلى 130 إصابة، مقابل 53 فقط في أبريل، أي بزيادة قدرها 145%. هذا التصاعد يعكس تزايد استهداف المدنيين أو تأثرهم المباشر بالعمليات التي تنفذها الجماعات المسلحة، ويؤشر إلى خلل في منظومة الإنذار المبكر أو الحماية المدنية، خاصة في المناطق النائية مثل خيبر بختونخوا وبلوشستان.
في الوقت نفسه، أظهرت البيانات انخفاضًا بنسبة 20% في إصابات قوات الأمن، من 59 إلى 47 إصابة، وهو ما يمكن تفسيره إما بزيادة الحذر الميداني أو بتحوّل تركيز الجماعات المسلحة نحو أهداف أكثر سهولة. أما على مستوى خسائر المسلحين، فقد شهد شهر مايو تراجعًا حادًا، إذ تم تسجيل 65 وفاة فقط في صفوفهم، مقابل 203 في أبريل، ما يشير إلى انخفاض في فاعلية الضربات الأمنية، أو نجاح المجموعات المتشددة في إعادة التمركز وتجنب المواجهات المباشرة.
وفي المجمل، بلغ عدد ضحايا الهجمات والعمليات الأمنية مجتمعة خلال مايو 172 قتيلًا، بينهم 57 من أفراد الأمن و65 مسلحًا و46 مدنيًا، فضلًا عن أربعة أعضاء من لجان السلام. كما تم تسجيل اختطاف ما لا يقل عن 19 شخصًا من قبل الجماعات المسلحة، ما يضيف بعدًا إنسانيًا مأساويًا إلى المشهد الأمني المتدهور.
تطرح هذه الأرقام تساؤلات جادة حول قدرة المؤسسات الأمنية على الاستجابة لتطور أساليب الجماعات المسلحة، وسط حديث متزايد عن تورط أطراف خارجية في تحريك هذه الخلايا واستخدامها كورقة ضغط سياسي إقليمي. وبينما تواصل باكستان جهودها في تتبع هذه الشبكات وتفكيكها، يبقى التحدي الأكبر هو خلق بيئة أمنية شاملة تمنع عودة هذه الجماعات إلى المشهد، وتحرمها من الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي تتلقاه، سواء من داخل البلاد أو من جهات خارجية تتهمها إسلام آباد بالضلوع في كل ما يحدث من فوضى.