تحولات أمنية.. تكنولوجيا جديدة لمكافحة الإرهاب في باكستان

في تطور أمني لافت، حصلت شرطة إقليم خيبر باختونخوا شمال غربي باكستان على نظام متقدم مضاد للطائرات بدون طيار، في خطوة تعكس توجهًا رسميًا متصاعدًا نحو توظيف التكنولوجيا المتطورة في مواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة التي تشهدها البلاد منذ أعوام. وتأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه المقاطعة – التي تعد إحدى أكثر مناطق البلاد تأثرًا بالأنشطة المسلحة – تصاعدًا في استخدام الطائرات المسيّرة من قبل جماعات إرهابية، وهو ما تطلب استجابة نوعية تتجاوز الأدوات التقليدية للمراقبة والردع.
رد استراتيجي على تكتيكات المجموعات
المسلحة
وتعكس هذه الخطوة استجابة مباشرة لاستخدام
الجماعات المسلحة للطائرات بدون طيار في عمليات هجومية، خاصة في مناطق مثل شمال
وزيرستان، وأجزاء من جنوب خيبر باختونخوا. فمنذ انسحاب القوات الغربية من
أفغانستان عام 2021، وصعود حركة طالبان إلى السلطة هناك، باتت باكستان في مرمى
تداعيات أمنية متعددة، أبرزها تسلل المسلحين عبر الحدود وتبادل الدعم بين الجماعات
المتشددة على جانبي الحدود، في ظل بيئة جغرافية وعرة وصعبة السيطرة.
ووفقًا للمفتش العام لشرطة خيبر
باختونخوا، ذو الفقار حميد، فإن القوة الأمنية المحلية باتت اليوم أكثر استعدادًا
لمواجهة هذه التحديات بعد تزويدها بأسلحة حديثة وأجهزة مراقبة متقدمة. وأضاف أن
النظام الجديد المضاد للطائرات بدون طيار سيلعب دورًا حاسمًا في العمليات الأمنية
المقبلة، معتبراً أن امتلاك مثل هذه التكنولوجيا هو جزء من "رؤية أشمل لتحديث
الشرطة وتحسين قدراتها في التصدي للمخاطر المعقدة".
ولم يأتِ هذا التحديث في العتاد الأمني
بمعزل عن الواقع الميداني المتغير، فبيانات معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS) تشير إلى زيادة بنسبة
5% في عدد الهجمات المسلحة خلال شهر مايو/أيار الماضي مقارنة بأبريل، رغم أن
البلاد لم تشهد تصعيدًا كبيرًا مرتبطًا بتوتراتها المستمرة مع الهند المجاورة.
وسجلت الأجهزة الأمنية الباكستانية وقوع 85 هجومًا مسلحًا في مايو، مقابل 81
هجومًا في أبريل، في مؤشر على أن مستوى التهديد لا يزال مرتفعًا، وإن كان تحت
السيطرة نسبيًا.
أفق الاستفادة وتحوّلات المشهد الأمني
التحول نحو تكنولوجيا مكافحة الطائرات
بدون طيار في باكستان يعكس إدراكًا رسميًا متزايدًا بأن معركة الأمن الداخلي باتت
معركة تقنية بامتياز، خاصة مع تطور أدوات الحرب غير التقليدية التي تستخدمها
الجماعات المسلحة، والتي تتراوح بين الهجمات الإلكترونية، والاستطلاع الجوي، إلى
التفجيرات الانتحارية باستخدام الطائرات المسيّرة.
ومن المتوقع أن يترك هذا النظام بصمة
واضحة في تحسين الأداء الاستخباراتي والعملياتي، خاصة إذا تم دمجه ضمن شبكة تنسيق
تشمل الأجهزة الفيدرالية والمحلية، وترافقت معه برامج تدريبية نوعية تؤهل العنصر
البشري لاستخدامه بكفاءة. إلا أن التحدي الأبرز يظل في توسيع نطاق التغطية التقنية
ليشمل المناطق النائية والحدودية التي غالبًا ما تشكل ثغرة في جدار الأمن الوطني،
فضلاً عن الحاجة إلى تحديث مستمر للمعدات لمجاراة تطور أساليب الخصوم.
ويرى مراقبون أن الاستفادة الحقيقية من
هذه التكنولوجيا لن تكون في قدرتها الفورية على الردع فقط، بل في ما توفره من
معلومات دقيقة وتحليلات فورية عن مسارات التهديدات، مما يسمح ببناء قاعدة بيانات
استخباراتية أكثر عمقًا ودقة، وتعزيز التخطيط الاستباقي للعمليات الأمنية. كما
يمكن أن تعزز هذه التقنية من ثقة المواطنين في أداء الأجهزة الأمنية، خاصة في
المناطق المتأثرة بالصراع، وهو عنصر بالغ الأهمية في معركة كسب العقول والقلوب في
الحرب ضد الإرهاب.
وفي ظل المشهد الإقليمي المعقّد،
وتنامي التحديات العابرة للحدود، لا تبدو باكستان أمام خيار سوى الاستمرار في
تحديث بنيتها الأمنية والتكنولوجية، ومواكبة ما تنتجه الدول الكبرى من أنظمة
دفاعية ذكية. ويبقى الرهان على قدرة صانع القرار الباكستاني على الاستثمار المستمر
في هذه المسارات، ليس فقط لأغراض المواجهة، بل لبناء منظومة أمن داخلي مستدامة في
مواجهة خطر مزمن لا يبدو أنه في طريقه إلى التلاشي قريبًا.