طالبان في مرمى الاتهام.. هل عادت أفغانستان ملاذًا آمنًا للإرهاب؟

في أحدث التصريحات الأمريكية المثيرة للجدل، رفض المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، ما ورد على لسان عضو الكونغرس الأمريكي بيل هويزينجا، حول وجود جماعات إرهابية في أفغانستان، مؤكدًا أن الحركة لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة. وقال مجاهد إن بلاده تخضع لسيطرة حكومة مركزية قوية، ولا توجد أي مجموعات أجنبية تنشط داخلها، واصفًا ما ورد في تصريحات الكونغرس بأنه "ادعاء مرفوض بشدة".
وكان هويزينجا، رئيس اللجنة الفرعية
للشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، قد قال خلال جلسة استماع عقدت يوم
الخميس 5 ديسمبر، إن التهديد الإرهابي في جنوب ووسط آسيا تصاعد بشكل
كبير بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وعودة طالبان إلى الحكم، مضيفًا أن
أفغانستان باتت من جديد "بؤرة خصبة للجماعات الإرهابية"، رغم ما تعهدت
به طالبان في اتفاق الدوحة.
هذا الجدل ليس الأول من نوعه، إذ سبق
للولايات المتحدة، ودول عدة، ومؤسسات تابعة للأمم المتحدة، أن عبّرت عن قلقها من
تحول الأراضي الأفغانية إلى ملاذ آمن للجماعات المسلحة، ما يهدد الأمن الإقليمي
والدولي، ويقوّض وعود طالبان بفصل نفسها عن شبكات الإرهاب. في المقابل، تصرّ
الحركة على أنها ملتزمة تمامًا بعدم السماح بوجود أي تهديد ينطلق من أفغانستان نحو
الخارج، وترى في هذه الاتهامات وسيلة للضغط السياسي والتشويش على حكومتها التي
تحاول تثبيت الاستقرار الداخلي، وفق ما تدّعي.
اتهامات متواصلة منذ عودة طالبان للحكم
منذ سيطرتها على كابول في أغسطس 2021،
تواجه طالبان سلسلة متواصلة من الاتهامات تتعلق بعلاقتها بجماعات مصنفة على أنها
إرهابية، سواء تلك التي تنشط داخل الأراضي الأفغانية مثل "داعش-خراسان"،
أو تلك التي تتخذ من أفغانستان قاعدة انطلاق لتنفيذ عمليات في دول الجوار، كحركة
"طالبان باكستان".
تقرير لجنة الرصد التابعة لمجلس الأمن
الدولي، الصادر في مطلع عام 2024، أشار إلى أن أفغانستان لا تزال تؤوي عددًا من
الجماعات المسلحة الأجنبية، بما في ذلك تنظيم القاعدة، وحركة أوزبكستان الإسلامية،
بالإضافة إلى جماعة تركستان الشرقية. وأكد التقرير أن طالبان لم تفِ بعد بكل
تعهداتها بقطع العلاقات مع تلك التنظيمات، مشيرًا إلى "نوع من التواطؤ أو
التغاضي" عن بعض نشاطاتها.
من جانبها، ربطت واشنطن بين استمرار
العمليات التي يشنها فرع "داعش خراسان" وبين "ضعف قدرة طالبان على
فرض السيطرة الأمنية الكاملة"، بل ذهبت تقارير استخباراتية أمريكية إلى ما هو
أبعد من ذلك، حين أشارت إلى احتمال أن تكون بعض الجماعات المتطرفة قد استفادت من
فراغ أمني نسبي ووجدت مساحة للحركة والتجنيد.
وفي الوقت الذي تصرّ فيه طالبان على
أنها تخوض حربًا يومية ضد تنظيم داعش، وتعتقل عناصره بشكل مستمر، يرى مراقبون أن
هذه المواجهة لا تعفيها من مسؤولية وجود منظمات مسلحة أخرى تعمل ضمن توافقات غير
معلنة أو تحظى بحماية قبلية ومناطقية.
الهجمات التي وقعت خلال عامي 2022
و2023 في كل من روسيا وإيران، ونُسبت إلى "داعش خراسان"، زادت من القلق
الدولي حيال ما إذا كانت أفغانستان تتحول بالفعل إلى قاعدة لتصدير الإرهاب. وفي
هذا السياق، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى "تصاعد خطر تنظيم
داعش خراسان"، مؤكدًا أن العام الماضي شهد توسعًا غير مسبوق في هجماته.
طالبان ترفض الاتهامات
رغم حجم الاتهامات الموجهة ضدها، تصرّ
حركة طالبان على نفيها القاطع لوجود أي جماعات أجنبية داخل الأراضي الأفغانية. وفي
ردّه على تصريحات الكونغرس الأخيرة، قال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد إن
الحكومة تسيطر على كل مناطق البلاد، وإن ما يُقال عن وجود نشاطات إرهابية لا يعدو
كونه دعاية سياسية هدفها تشويه صورة الإمارة الإسلامية.
وطالما أكدت الحركة أنها ملتزمة بما
ورد في اتفاق الدوحة الموقّع مع واشنطن عام 2020، والذي ينص صراحة على عدم استخدام
الأراضي الأفغانية لشن أي هجمات ضد الولايات المتحدة أو حلفائها. وتقول طالبان
إنها ضاعفت من جهودها الأمنية، ونفذت عمليات موسعة ضد عناصر تنظيم
"داعش-خراسان"، الذي تعتبره تهديدًا داخليًا كبيرًا، مؤكدة أن هذا
التنظيم يعارض سلطتها ويحاول تقويض استقرار البلاد.
وعلى مدار الشهور الماضية، أعلنت
طالبان عن اعتقال وقتل العشرات من عناصر داعش، بينهم قياديون بارزون، في عمليات
نفذت في كابول، وولايات ننجرهار، وبلخ، وبدخشان. كما بثّت وسائل إعلام تابعة
للحركة مشاهد لما قالت إنها "غرف عمليات" لداعش تم تدميرها، ووثائق تثبت
تلقيه دعمًا خارجيًا.
وبينما ترى طالبان أن تعاملها الصارم
مع داعش يعكس مسؤوليتها الأمنية، يشكك مسؤولون غربيون في فاعلية هذه الإجراءات،
ويعتبرون أن استمرار الهجمات، خاصة ضد الأقليات والمواقع الدبلوماسية، يعكس هشاشة
السيطرة الأمنية، أو على الأقل، عدم القدرة على احتواء التنظيم بشكل كامل.
هل تمثل أفغانستان خطرًا إقليميًا؟
أحد أبرز الانتقادات الموجهة إلى حركة
طالبان يتعلّق باستخدام أراضيها من قبل جماعات تنشط ضد دول الجوار، وخصوصًا
باكستان. فبحسب تصريحات المسؤول الأمريكي هويزينجا، فإن حركة "طالبان
باكستان" تتمتع بحرية الحركة داخل الأراضي الأفغانية، وتشنّ منها عمليات ضد
الجيش الباكستاني، ما جعل إسلام آباد تتهم طالبان بـ"التراخي أو الدعم
الضمني".
وقد شهدت العلاقات بين طالبان وباكستان
توترًا متصاعدًا خلال العام الماضي، في ظل ارتفاع وتيرة الهجمات داخل باكستان،
والتي تبنتها جماعة "تحريك طالبان باكستان". وطالبت إسلام آباد مرارًا
بضرورة "ضبط الحدود" وتسليم قادة الجماعة، فيما تكتفي طالبان بالقول
إنها "لا تؤوي أي جماعات تهدد دولًا أخرى"، دون أن تقدم أدلة قاطعة على
تحركاتها ضد طالبان باكستان.
من جهة أخرى، تتهم طاجيكستان
وأوزبكستان طالبان بأنها لا تمارس ضغطًا كافيًا على الجماعات المتطرفة المنحدرة من
آسيا الوسطى، والتي قد تستغل الوضع في أفغانستان لتنفيذ عمليات في الإقليم، أو
تجنيد عناصر جديدة. وفي المقابل، تواصل طالبان سعيها للحصول على اعتراف دبلوماسي
دولي، وتعتبر هذه الاتهامات عقبة أمام تطبيع العلاقات مع العالم.
وتُعقد اجتماعات دورية بين ممثلي
طالبان ومسؤولين في روسيا والصين وإيران وبلدان آسيا الوسطى، في محاولة لتبديد
المخاوف، لكن تقارير الأجهزة الأمنية في هذه الدول ما تزال تتحدث عن "تنامي
بيئة التطرف العابر للحدود انطلاقًا من أفغانستان".
في المحصلة، تجد طالبان نفسها في موقف
دفاعي دائم، تحاول فيه نفي اتهامات لم تعد مقتصرة على الولايات المتحدة، بل تشمل
أيضًا أطرافًا إقليمية ودولية ترى في أفغانستان بيئة غير مستقرة. وبينما تصر
الحركة على أنها تحولت إلى كيان سياسي يحكم وفق منظومة واضحة، فإن تقارير المراقبة
الأمنية، واستمرار هجمات داعش، ووجود جماعات أخرى تنشط عبر الحدود، تجعل من نفي
طالبان غير كافٍ لإقناع العالم بأنها انفصلت فعليًا عن إرثها الجهادي السابق.