الهجوم الأعنف منذ أشهر.. ما وراء استهداف الجيش الباكستاني؟

الأحد 29/يونيو/2025 - 03:35 ص
طباعة الهجوم الأعنف منذ محمد شعت
 

في تصعيد خطير يعكس هشاشة الوضع الأمني في المناطق الحدودية الباكستانية، هزّ انفجار انتحاري ضخم منطقة شمال وزيرستان في إقليم خيبر باختونخوا صباح السبت، أسفر عن مقتل 13 جنديًا من الجيش الباكستاني وإصابة ثلاثة مدنيين، بينهم طفلان وامرأة. البيان الصادر عن إدارة العلاقات العامة بين الخدمات الباكستانية أكد أن الهجوم تم باستخدام سيارة مفخخة يقودها انتحاري ينتمي إلى ما وصفه البيان بـ"الخوارج الذين ترعاهم الهند"، في إشارة واضحة إلى الجماعات المسلحة التي تتهم باكستان جارتها الشرقية بدعمها وتمويلها.

وبحسب البيان الرسمي، فإن انتحاريًا حاول استهداف موكب عسكري تابع لقوات الأمن، وتم اعتراضه من قبل المجموعة القيادية، لكن السيارة المحملة بالمتفجرات صدمت إحدى مركبات الموكب، مما أدى إلى استشهاد 13 من أفراد الجيش الباكستاني، في هجوم وُصف بأنه "مأساوي وبربري"، أعاد إلى الأذهان سلسلة الهجمات العنيفة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية.

في أعقاب الحادث مباشرة، أطلقت قوات الأمن عملية تطهير واسعة في المنطقة، أسفرت عن مقتل 14 مسلحًا خلال اشتباك مع الجماعة المنفذة للهجوم. وأكد الجيش أن العمليات لا تزال مستمرة، وأن "مرتكبي هذا العمل الشنيع والجبان سيُقدمون إلى العدالة"، مشددًا على أن مثل هذه الهجمات لن تثني القوات المسلحة عن مهمتها الأساسية في "حماية الوطن والقضاء على الإرهاب بكل أشكاله".

تصعيد خطابي باكستاني

في إطار الرد الرسمي، قام رئيس أركان الجيش الباكستاني، الجنرال عاصم منير، بزيارة إلى مقر قيادة الفيلق في بيشاور، حيث اطّلع على الوضع الأمني في المنطقة وعمليات مكافحة الإرهاب الجارية. كما حضر جنازة أحد الشهداء في الهجوم، وقام بزيارة المصابين في معسكر بانو العسكري، في خطوة تعكس التضامن الكامل من القيادة العسكرية مع الجنود وأسرهم.

وفي تصريحاته خلال الزيارة، شدد منير على أن القوات الباكستانية "لن تتسامح مع أي تهديد يستهدف وحدة البلاد وأمنها الداخلي"، متعهدًا بملاحقة "كل المحرضين والممولين والمنفذين، وتقديمهم للعدالة بأي ثمن كان". وأضاف أن ما وصفه بـ"فتنة الخوارج التي ترعاها الهند" لن تنجح في زعزعة استقرار باكستان، وأن القوات المسلحة ستواصل أداء واجبها "بشجاعة مثالية وصبر لا يتزعزع".

وتعد هذه التصريحات هي الأوضح منذ فترة فيما يتعلق باتهام باكستان الصريح للهند بتغذية التوترات الداخلية عبر دعم جماعات مسلحة تعمل في مناطق الحدود الغربية. الجنرال منير أكد أيضًا أن "وجه المجرم الحقيقي للإرهاب في المنطقة سينكشف للعالم"، في إشارة إلى ما تعتبره إسلام آباد دليلًا متراكمًا على تدخلات نيودلهي غير المباشرة في الشأن الباكستاني، عبر تمويل وتسليح خلايا متطرفة تعمل تحت عباءة جماعات محلية مثل "تحريك طالبان باكستان" أو "الفرع الباكستاني لداعش – ولاية خراسان".

وتأتي هذه التصريحات في سياق أزمة ممتدة بين باكستان والهند، شهدت تدهورًا مستمرًا في العلاقات السياسية والدبلوماسية، وزادت من حدتها الحوادث الإرهابية التي تتهم كل دولة فيها الأخرى بدعمها. باكستان تتهم الهند بالتورط في أنشطة سرية عبر وكالة الاستخبارات الهندية (RAW) في مناطق مثل بلوشستان وخيبر باختونخوا، بينما تتهم الهند باكستان بتمويل جماعات مسلحة تنشط في إقليم كشمير.

تصاعد العنف وخيارات الرد

الهجوم الأخير ليس مجرد عملية إرهابية جديدة تضاف إلى سجل حافل بالتوترات، بل يحمل دلالات استراتيجية تتجاوز حدود منطقة شمال وزيرستان. فمنذ سيطرة حركة طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021، ارتفعت وتيرة الهجمات داخل الأراضي الباكستانية، وتركزت بشكل خاص في إقليمي خيبر باختونخوا وبلوشستان، وهما الإقليمان اللذان يشهدان تداخلًا قبليًا وأمنيًا مع الحدود الأفغانية.

وتشير تقارير معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS)، الصادرة مؤخرًا، إلى ارتفاع بنسبة 5% في عدد الهجمات المسلحة خلال مايو 2025 مقارنة بشهر أبريل، في دلالة على أن الجماعات المسلحة لا تزال قادرة على تنفيذ عمليات نوعية رغم الحصار الأمني. ومع ذلك، تُظهر نفس البيانات أن هذه الجماعات أصبحت أكثر اعتمادًا على الهجمات الانتحارية والكمائن النوعية بدلاً من العمليات المفتوحة، ما يعكس تغيرًا في التكتيك وليس انحسارًا في النوايا.

في هذا السياق، تصبح الاستراتيجية الباكستانية في مكافحة الإرهاب أمام اختبار مزدوج: فمن جهة، يواجه الجيش ضغطًا مستمرًا للحفاظ على السيطرة الأمنية في مناطق تمتاز بطبيعتها الجغرافية الصعبة واحتضانها لامتدادات قبلية عابرة للحدود؛ ومن جهة أخرى، تزداد الحاجة لردع المتورطين الإقليميين – وفي مقدمتهم الهند، بحسب الخطاب الرسمي – وهو ما قد يدفع نحو تصعيد دبلوماسي أو أمني إذا لم تُحتوَ المسارات التصادمية.

وتاريخيًا، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي توجه فيها باكستان اتهامات مباشرة للهند. ففي عام 2020، نشرت وزارة الخارجية الباكستانية ملفًا قالت إنه يتضمن أدلة على تورط الهند في تمويل جماعات إرهابية داخل باكستان، مرفقة بوثائق وشهادات عن تحركات واتصالات لمسؤولين هنود مع عناصر من "تحريك طالبان" و"جبهة تحرير بلوشستان". كما شهدت الأعوام الأخيرة موجات من العنف في كويتا ووزيرستان وبانو، لطالما حمّلت فيها باكستان المسؤولية لنيودلهي.

ومع ذلك، فإن مجرد الاتهام دون إسناد قانوني دولي لا يكفي لإدانة الهند أمام المجتمع الدولي، خاصة في ظل التعقيدات الجيوسياسية القائمة، والعلاقات الوثيقة بين الهند والقوى الغربية. لذا، فإن الرهان الباكستاني اليوم يكمن في الجمع بين الإجراءات الميدانية الفعالة والضغط الدبلوماسي المحسوب، من أجل فضح ما تصفه بـ"الوجه الخفي للإرهاب الإقليمي"، وفق تعبير قائد الجيش.

وفي ظل التحول الكبير في بنية الإرهاب في جنوب آسيا، فإن مستقبل الاستقرار في باكستان سيبقى مرهونًا بمدى نجاحها في التعامل مع هذه التحديات المعقدة، داخليًا وخارجيًا. فالعمليات الأمنية وحدها، رغم ضرورتها، لن تكون كافية إذا لم تُرفق بسياسات اقتصادية وتنموية تُضعف حواضن الإرهاب، وتُعيد بناء الثقة المجتمعية في مؤسسات الدولة، خاصة في المناطق الحدودية التي طالما كانت عرضة للتهميش والنزاعات.

من ناحية أخرى، فإن المجتمع الدولي مطالب اليوم بلعب دور أكثر حزمًا في دعم جهود مكافحة الإرهاب في باكستان، لا من منطلق التضامن فحسب، بل باعتبار أن استقرار هذا البلد – الذي يملك سلاحًا نوويًا ويقع في قلب آسيا – مسألة أمن عالمي لا تحتمل التساهل.

شارك