صراع السلطة ضمن الحكم الإيراني ومحاور النزاع
الأربعاء 02/يوليو/2025 - 05:49 م
طباعة

رغم الهدوء النسبي الذي أحاط بهذه الهدنة، التي لم تُدعم بإطار رسمي ملزم، فإن الوضع الداخلي في إيران يشهد جواراً سياسياً متصاعداً يُعرف بـ"جوار السلطة" أو "جوار الغربان"، حيث تتصارع الأطراف داخل النظام على السيطرة والنفوذ في ظل أزمة مشروعية متفاقمة. هذا الصراع لم يقتصر على الخلافات الشكلية، بل تجاوزها إلى صراع وجودي يتعلق بالمسؤولية عن الفشل في الحرب الأخيرة، السياسات المستقبلية تجاه المفاوضات، وتوزيع المكاسب السياسية والاقتصادية. الصحف الإيرانية اليوم عكست هذا التوتر من خلال مقالات تسلط الضوء على التناقضات والمصالح المتصارعة، مما يشير إلى انهيار جزئي للوحدة الداخلية. هذا التقرير يقدم تحليلاً عميقاً وكيفياً لهذا الصراع، مع التركيز على المحاور الأساسية التي يدور حولها النزاع داخل الحكم الإيراني.
محاور النزاع الداخلي في ظل الهدنة
• صراع على السلطة والمسؤولية (51) وصفت المقالة الوضع الداخلي بـ"جوار الغربان"، مشيرة إلى أن الاشتباكات الأخيرة كشفت عن انقسامات عميقة بين الجناح المتشدد والجناح المعتدل داخل النظام. الصراع يدور حول من يتحمل مسؤولية الخسائر خلال الحرب، حيث يتهم المتشددون المعتدلين بالضعف في الرد العسكري واتخاذ قرارات مترددة، بينما يلقي المعتدلون اللوم على السياسات العدوانية التي أدت إلى التصعيد غير المنضبط. الهدف الأساسي لهذا النزاع هو السيطرة على الرواية الرسمية للحرب، حيث تسعى كل جهة إلى تعزيز نفوذها عبر التحكم في الخطاب الإعلامي والمؤسسات الأمنية والاقتصادية.
• اعتماد: ظاهرة غريبة لهذا الاعتداء (52) تناولت المقالة فكرة أن الاعتداء الإسرائيلي كشف عن هشاشة التنسيق بين القيادات الداخلية، مشيرة إلى أن الرعب من انهيار الثقة بين الأطراف أصبح واضحاً بعد الحرب. النزاع يتركز على كيفية إدارة الأزمة، حيث يتهم البعض الجهاز الأمني بالتقصير في الاستعدادات، بينما يدافع آخرون عنه معتبرين أن الخطأ يكمن في سوء التقدير الاستراتيجي من قبل القادة السياسيين. هذا التناقض يعكس صراعاً حاداً على السلطة التنفيذية وتوزيع المسؤوليات في ظل الضغوط المتزايدة.
• هم ميهن: متى سيستيقظون؟ (54) سألت المقالة عما إذا كان النظام سيتجاوز أخطاءه بعد الحرب، مشيرة إلى رعب من استمرار العمى السياسي وسط الهدنة. النزاع يركز على مستقبل السياسات، حيث يدعو الجناح المعتدل إلى إعادة تقييم النهج العدواني الذي أدى إلى الاشتباكات، بينما يصر المتشددون على مواصلة السياسات ذاتها كعنصر أساسي للردع. المحور هنا هو السيطرة على اتجاه القرار المستقبلي، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات مع الغرب، مما يعزز التوتر بين الجبهتين.
• ستاره صبح: تكلفة الأوهام (56) ركزت على الثمن الباهظ للأيديولوجيا المتشددة، مشيرة إلى أن الرعب من الانهيار الاقتصادي يزداد بسبب التركيز المفرط على السياسات العسكرية على حساب التنمية. النزاع يدور حول توزيع الموارد الوطنية، حيث يطالب المعتدلون بإعادة توجيه الاستثمارات من العسكرة إلى الاقتصاد والخدمات الاجتماعية، بينما يرفض المتشددون ذلك معتبرين أن الردع العسكري هو الضمان الوحيد للسيادة، مما يعكس صراعاً على الأولويات الاستراتيجية.
• ستاره صبح: اسحبوا فرامل المتشددين (58) حذرت من أن تصريحات المتشددين بعد الهدنة، التي تتضمن تهديدات متكررة، قد تعيد إشعال الصراع، مشيرة إلى رعب من فقدان السيطرة على الوضع الداخلي والخارجي. النزاع يتركز على من يقود السياسة الخارجية، حيث يدعو المعتدلون إلى تهدئة الخطاب السياسي للحفاظ على الهدنة، بينما يستمر المتشددون في التصعيد اللفظي لتعزيز موقعهم كحامين للثورة، مما يزيد من حدة التوتر.
• كيهان: "المفاوضات" كانت عملية خداع (59) أكدت أن المفاوضات السابقة كانت فخاً دبلوماسياً، مشيرة إلى أن الرعب من الخداع من قبل الغرب يدفع المتشددين إلى رفض أي تسوية مستقبلية. النزاع يتعلق بالاستراتيجية المستقبلية، حيث يرون في المفاوضات تنازلاً عن المبادئ، بينما يراها المعتدلون ضرورة لتجنب العزلة الاقتصادية، مما يعمق الخلاف حول هوية النظام.
• كيهان: ختم "البطلان" على مشروع التطور عبر المفاوضات (63) رأت أن فشل المفاوضات يعني نهاية مسار التطور الاقتصادي عبر الحلول السلمية، مشيرة إلى رعب من فقدان الشرعية إذا واصل النظام الاعتماد على السياسات الدبلوماسية. النزاع يدور حول هوية النظام، حيث يدافع المتشددون عن النهج العسكري كعنصر أساسي للصمود، بينما يسعى المعتدلون إلى إنقاذ الاقتصاد عبر الحلول الدبلوماسية، مما يعزز الصراع على الرؤية الطويلة الأمد.
تحليل الصراع الداخلي
الصراع الداخلي ينصب على ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، المسؤولية عن الفشل في الحرب، حيث تسعى كل جهة إلى تحميل الطرف الآخر تبعات الخسائر لتعزيز مكانتها السياسية. ثانياً، السيطرة على السياسات المستقبلية، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات مع الغرب، حيث يعتبر المتشددون الدبلوماسية خيانة بينما يراها المعتدلون مخرجاً من الأزمة. ثالثاً، توزيع الموارد والنفوذ الاقتصادي، حيث يتصارع الطرفان على توجيه الاستثمارات لصالحهما، مما يعكس نزاعاً على الأولويات الوطنية. هذا الجوار يعكس أزمة مشروعية تهدد استقرار النظام، حيث يزداد الضغط الشعبي بسبب التدهور الاقتصادي، مما يجعل التوازن بين الجبهتين هشاً ومرهوناً بقدرة القيادة على فرض توافق. استمرار التصعيد قد يؤدي إلى تصدع داخلي يضعف الموقف أمام التحديات الخارجية.
الخاتمة
جوار السلطة داخل الحكم الإيراني بعد الهدنة يمثل تحدياً وجودياً يهدد تماسك النظام وسط أزمة مشروعية متفاقمة. الرعب من الفشل في الحرب، التناقض حول المفاوضات المستقبلية، والصراع على توزيع الموارد والهوية الوطنية يشكلون محاور النزاع الأساسية بين المتشددين والمعتدلين. بينما يتمسك المتشددون بالنهج العسكري كعنصر مركزي للصمود ورفض التنازل، يسعى المعتدلون إلى الخروج من الأزمة عبر الدبلوماسية والإصلاح الاقتصادي. النجاح في هذه المرحلة يتطلب حواراً داخلياً يتجاوز الاتهامات والتصعيد اللفظي، لكن استمرار التوترات قد يؤدي إلى انهيار التوازن، مما يجعل المستقبل مرهوناً بقدرة النظام على إدارة هذا الصراع بعيداً عن أعين الخصوم الخارجيين. إذا لم يتم احتواء الجوار، فقد يتحول إلى أزمة داخلية تهدد الاستقرار الأمني والسياسي على المدى الطويل.