4560 جريمة حوثية ضد المساجد ورجال الدين خلال عقد من الحرب

السبت 12/يوليو/2025 - 11:36 ص
طباعة 4560 جريمة حوثية فاطمة عبدالغني
 
شهد اليمن منذ انقلاب جماعة الحوثي على الدولة عام 2014 تحولات كارثية طالت مختلف مناحي الحياة، وكان من أبرز معالم هذا التحول استهداف المؤسسات الدينية ورجال الدين، في سياق منهجي يهدف إلى إعادة تشكيل البنية العقائدية للمجتمع اليمني وفق منظور طائفي دخيل على الهوية الدينية والوطنية للبلاد. 
ومع تصاعد التوترات المسلحة لم تكن المساجد ودور العبادة بمنأى عن استهداف المليشيا الحوثية، بل أصبحت في صدارة أهدافها، باعتبارها ركائز للهوية الدينية السنية ومرتكزًا لثقافة الاعتدال والوسطية. 
وفي هذا السياق، أصدرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات تقريرًا جديدًا تحت عنوان "غريزة المليشيات الحوثية في تفجير المساجد ودور القرآن وقتل رجال الدين"، كشفت فيه عن حجم ونوع العداء الذي تبديه هذه الجماعة تجاه الرموز الدينية والمؤسسات الإسلامية التقليدية.
ووثق التقرير الصادر عن الشبكة ارتكاب ميليشيا الحوثي الإرهابية 4560 جريمة وانتهاكًا بحق رجال الدين ودور العبادة في 14 محافظة يمنية خلال الفترة الممتدة من 1 يناير 2015 وحتى 30 يونيو 2025، وتعكس هذه الأرقام حجم الكارثة التي حلت بالقطاع الديني في اليمن، حيث شملت هذه الانتهاكات القتل المباشر للخطباء والأئمة، والإصابة الجسدية، والتفجير والقصف، والاعتداءات بالضرب، والاختطاف، والإخفاء القسري، والتعذيب، فضلاً عن فرض خطباء تابعين للفكر الحوثي، وتحويل المساجد إلى أدوات لنشر الفكر الطائفي والتحشيد العسكري.
ورصد التقرير وقوع 277 حالة قتل استهدفت أئمة وخطباء ومصلين، من بينها 72 حالة قتل بالإطلاق المباشر للنار، و19 حالة نتيجة القصف العشوائي، و28 حالة ناتجة عن الضرب المبرح والقوة المفرطة، بالإضافة إلى 19 حالة قتل باستخدام الطعن والسلاح الأبيض، كما تم توثيق 178 حالة إصابة جسدية لرجال الدين، وهي جرائم ترقى في كثير من تفاصيلها إلى أعمال تصفية جسدية ذات دوافع عقائدية.
وفي السياق ذاته، وثق الفريق الميداني التابع للشبكة 386 حالة اختطاف طالت أئمة وخطباء ومصلين، إلى جانب 73 حالة تعذيب جسدي ونفسي، بينها 9 حالات تعذيب أفضت إلى الوفاة داخل المعتقلات الحوثية، وشكلت أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء بؤرة تركّز لهذه الانتهاكات، ما يعكس تصميماً واضحاً لدى المليشيا على اجتثاث أي صوت ديني خارج عن إطار فكرها الطائفي أو غير خاضع لسلطتها القسرية.
أما دور تحفيظ القرآن الكريم والمؤسسات المرتبطة بالعلم الديني، فقد تعرضت لسلسلة من الجرائم التي وصفتها الشبكة بالانتهاكات الفادحة، حيث سجل التقرير 791 انتهاكًا شملت 103 حالة تفجير وتفخيخ، و201 حالة قصف، و52 حالة إحراق متعمد، و341 حالة اقتحام ونهب وعبث بالمحتويات، هذه الجرائم لا يمكن قراءتها خارج سياق الرغبة الحوثية في تفريغ المجتمع اليمني من قيمه التعليمية الدينية المعتدلة، وإحلال مراكز تعبئة طائفية بدلاً منها.
ويضيف التقرير أن المليشيات الحوثية حولت 423 مسجدًا إلى ثكنات عسكرية يتم فيها تناول القات والشيشة والشمة والرقص، وهو ما يشير إلى امتهان واضح لقدسية أماكن العبادة، كما حوّلت 219 مسجدًا إلى مراكز لغسل عقول الأطفال عبر منهجية تحريضية طائفية تمهد لتجنيدهم لاحقاً في جبهات القتال، كما جرى توثيق 61 مسجدًا تم تحويلها إلى غرف عمليات ومخازن أسلحة، في مخالفة صارخة لكل القوانين والأعراف الدولية التي تجرّم استخدام دور العبادة لأغراض عسكرية.
كذلك، سجل التقرير 394 حالة إغلاق للمساجد، و1291 حالة فرض أئمة وخطباء تابعين للحوثيين، في محاولة شاملة لإعادة تشكيل الخطاب الديني داخل المجتمع بما يخدم الأجندة الفكرية للمليشيا، كما وثق الفريق 467 حالة إغلاق لمدارس تحفيظ القرآن الكريم، وهي خطوة أخرى في مسار تدمير الحواضن التربوية والدينية التي كانت تشكل رافداً للاستقرار الروحي والأخلاقي في المجتمع اليمني.
ويؤكد المراقبون أن هذه الأرقام لا تمثل فقط مؤشرات على حجم الانتهاكات، بل تعبّر عن استراتيجية ممنهجة تستهدف إفراغ المجال الديني من مضامينه الوسطية والسنية، لصالح فكر طائفي دخيل تغذيه المرجعيات الإيرانية التي تتقاطع مصالحها مع المشروع الحوثي في اليمن، فليست هذه الجرائم حوادث معزولة، بل هي نمط متكرر من السلوك العقائدي العدواني الذي يسعى إلى فرض رؤية دينية مغلقة بالقوة والإرهاب، عبر سحق كل صوت ديني مستقل أو تقليدي.
التقرير يشير بوضوح إلى أن الجماعة الحوثية لم تعد تتعامل مع المساجد كأماكن مقدسة، بل كأدوات للحرب والهيمنة الفكرية والسياسية، وهو ما يظهر البعد العقائدي العميق وراء هذا السلوك، لا سيما في استهداف دور القرآن الكريم التي كانت تشكل توازنًا ضد الفكر الطائفي، فجرى تفجيرها وتخريبها وقصفها من قبل جماعة تدّعي أنها حامية للدين.
أمام هذا المشهد المروع، تبدو الحاجة ملحّة لتحرك داخلي وخارجي عاجل، سياسي وحقوقي، يضع حدًا لهذه الممارسات التي لا تهدد فقط السلم الأهلي في اليمن، بل تضرب جوهر التعايش الديني في مقتل، كما أن السكوت على هذا النمط من الجرائم يشكّل سابقة خطيرة في تفجير التعددية الدينية والاجتماعية في العالم العربي، ويفتح الباب أمام موجات تطرف مضادة قد تجر البلاد إلى جولات صراع أكثر دموية وتعقيدًا.

شارك