سك العملة المعدنية الحوثية الجديدة… سياسة مالية أحادية تعمّق الانهيار الاقتصادي في اليمن
الإثنين 14/يوليو/2025 - 12:18 م
طباعة

في تصعيد جديد يعكس استهتار جماعة الحوثي بالوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور في اليمن، أعلنت الجماعة عن سك عملة معدنية مزورة جديدة من فئة خمسين ريالًا، وبدء تداولها في مناطق سيطرتها اعتبارًا من 13 يوليو 2025، هذه الخطوة التي قوبلت بردود فعل رسمية غاضبة وتحذيرات واسعة من البنك المركزي اليمني في عدن، ليست مجرد إجراء نقدي عابر، بل تأتي في سياق سلسلة طويلة من السياسات الأحادية التي تتبعها المليشيا بهدف تكريس واقع اقتصادي منفصل، وتمكين شبكتها المالية الخاصة، على حساب الاقتصاد الوطني واستقرار حياة المواطنين.
وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني قال في تصريح شديد اللهجة إن جماعة الحوثي تحاول من خلال هذا الإجراء "حرف الأنظار عن الكوارث التي قادت البلاد إليها"، مضيفًا أن الجماعة تسعى للتغطية على فشلها وفسادها باستخدام وسائل عبثية، مثل إصدار عملات غير شرعية، في وقت تعيش فيه مناطق سيطرتها حالة من الانهيار الاقتصادي، وتآكل غير مسبوق في القدرة الشرائية للمواطنين.
وأشار الوزير إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في العملة بحد ذاتها، بل في السياسات الممنهجة التي تتبعها الجماعة، مثل نهب الإيرادات العامة، ومنع تداول العملة الوطنية، وإنشاء اقتصاد موازٍ خارج النظام المصرفي الرسمي، ما أدى إلى تدمير متعمد للبنية التحتية المصرفية في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة للحوثيين.
الإرياني أضاف أن المليشيا، بدلًا من معالجة جوهر الأزمة الاقتصادية، والتي تبدأ من التوريد المنتظم للإيرادات العامة إلى البنك المركزي، مرورًا بإيقاف الجبايات غير القانونية، وانتهاءً بصرف رواتب الموظفين المنقطعة منذ سنوات، تذهب نحو إصدار هذه العملة المزورة كغطاء لاستمرار سياساتها الأحادية، التي تهدف لتكريس نظام مالي موازٍ ومعزول عن النظام الوطني، وإدامة الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن، الذي تستخدمه الجماعة كأداة ابتزاز مباشر بحق المواطنين، وكوسيلة لنهب مدخراتهم والسيطرة على تفاصيل حياتهم اليومية.
واعتبر أن إصدار العملة لن يحل الأزمة المعيشية، بل سيعمقها، وسيسهم في تسريع الانهيار الاقتصادي، مؤكدًا أن هذه الخطوة ليست سوى استمرار للسياسات التدميرية التي تنتهجها المليشيا بحق الاقتصاد الوطني، باستخدام المال كأداة حرب واستغلال معاناة الناس لأغراض سياسية وشخصية.
من جهته، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن بيانًا رسميًا أدان فيه بشدة إعلان مليشيا الحوثي إصدار عملة معدنية جديدة، واصفًا الخطوة بأنها "فعل عبثي وتصعيد ينسف الاتفاق الأممي الخاص بالملف الاقتصادي"، في إشارة إلى إعلان 23 يوليو 2024 الذي تم برعاية دولية وإقليمية، وقضى بجملة من الترتيبات النقدية والمصرفية الهادفة لخفض التوتر الاقتصادي بين الطرفين.
وأكد البنك أن هذا الإجراء يُعد استمرارًا للحرب الاقتصادية التي تشنها الجماعة على الشعب اليمني، ويعكس إمعانها في تدمير النظام المالي ونهب مدخرات المواطنين، لتمويل شبكاتها ومجهودها الحربي، دون أي غطاء قانوني أو نقدي.
وأشار البنك في بيانه إلى أن الحكومة الشرعية نفذت التزاماتها كاملة بموجب إعلان 23 يوليو، بينما لم تلتزم جماعة الحوثي بأي من البنود، بل إنها تراجعت منذ اليوم الأول عن الإجراءات التي بادرت بها قبل الإعلان، وواصلت التصعيد الاقتصادي بشكل ممنهج، وصولًا إلى إصدار العملة المزورة الأخيرة.
ودعا البنك كافة المواطنين، وكذلك البنوك وشركات الصرافة وقطاع الأعمال في مناطق سيطرة الجماعة، إلى تجنب التعامل مع العملة الجديدة باعتبارها مزورة وصادرة عن كيان غير شرعي، محذرًا من أن التعامل بها سيعرّضهم للمساءلة القانونية والعقوبات الدولية، سواء بسبب ترويج عملة مزيفة، أو للتعامل المباشر مع جماعة مصنفة ضمن قوائم الإرهاب الدولي.
وفي تأكيد على خطورة الموقف، اعتبر البنك المركزي أن إصدار العملة الجديدة يُعد نسفًا متعمدًا لأي جهود سلام اقتصادي، وانقلابًا واضحًا على تعهدات الجماعة أمام المبعوث الأممي والمجتمع الدولي، محملًا إياها كامل المسؤولية عن التداعيات الخطيرة لهذه السياسات.
كما دعا الشركاء الإقليميين والدوليين إلى اتخاذ موقف حازم إزاء هذا التصعيد، والضغط على الجماعة للعودة إلى المسار المتفق عليه وتحمّل التزاماتها.
كما طالب رجال المال والأعمال، والبنوك، وشركات الصرافة في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، باتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية رؤوس أموالهم واستثماراتهم من مخاطر المصادرة أو الضياع، خاصة بعد أن ثبت أن الجماعة تسيطر بالكامل على الشبكات المالية وتستخدمها لأغراض غير مشروعة، داخل اليمن وخارجه.
ويرى المراقبون أن خطوة سكّ العملة الجديدة ليست سوى حلقة إضافية في سلسلة من السياسات المالية المتهورة التي تنتهجها الجماعة منذ سنوات، والتي تهدف إلى خلق واقع اقتصادي مستقل يقطع الصلة بالمؤسسات الرسمية، ويمنحها سيطرة مطلقة على مفاصل الحياة الاقتصادية في مناطقها، هذه الخطوة تأتي في وقت لم تُصرف فيه رواتب موظفي الدولة منذ أكثر من سبع سنوات، فيما تستمر الجماعة في جباية الضرائب والرسوم والزكاة من المواطنين والتجار دون أي التزام بالخدمات أو الإنفاق العام، ما يجعل من هذه الإيرادات أداة للثراء الشخصي والتمويل الحربي، كما أن إصدار عملة مزورة لا يتوافق مع أي معايير مصرفية أو قانونية معترف بها دوليًا، ويضع اليمن أمام مخاطر حقيقية تهدد ما تبقى من ثقة في النظام النقدي والقطاع المصرفي.
ويرى الخبراء أن الحوثيين يحاولون استخدام هذه العملة كأداة لفرض وقائع سياسية واقتصادية على الأرض، بما يعزز موقفهم التفاوضي لاحقًا في أي محادثات سلام، على حساب المواطن الذي يجد نفسه ضحية انهيار اقتصادي مدمر وانعدام شبه كلي للخدمات.
في المقابل، تُظهر الحكومة اليمنية التزامًا واضحًا بالمسارات المتفق عليها دوليًا، لكنها تجد نفسها في موقف دفاعي نتيجة تصعيد الحوثيين المستمر، وسط صمت دولي لم يرتقِ بعد إلى مستوى هذه الانتهاكات، وفي ظل هذا التصعيد النقدي المتعمد، تبقى معاناة اليمنيين مرشحة للتفاقم، وتبقى التحذيرات من كارثة اقتصادية شاملة أكثر واقعية من أي وقت مضى.