مالي في مواجهة الحرب الاقتصادية.. الجماعات الإرهابية تغير قواعد الصراع
الجمعة 07/نوفمبر/2025 - 11:29 ص
طباعة
محمود البتاكوشي
تشهد مالي تصعيدًا من نوع مختلف في صراعها مع الجماعات الإرهابية، إذ لم تعد المعركة تدور حول السيطرة على المدن أو احتلال العاصمة باماكو، بل تحولت إلى حرب اقتصادية ممنهجة تستهدف عصب الحياة اليومية.
خلال الأسابيع الأخيرة، تكثفت العمليات الإرهابية التي تنفذها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة، لتتركز على تعطيل خطوط الإمداد الحيوية وقطع الطرق المؤدية إلى العاصمة.
هذا التحول في التكتيك يعكس انتقال الجماعات من المواجهة العسكرية المباشرة إلى استراتيجية استنزاف طويلة الأمد تستهدف إضعاف الدولة من الداخل.
اقتصاد تحت النار
شملت العمليات الأخيرة استهداف صهاريج الوقود والشاحنات التجارية، وقطع الطرق بين المدن الكبرى، خصوصًا على الطريق الوطني رقم (RN1) الذي يربط باماكو بالسنغال.
كما شهدت مناطق كايس ونيورو دو الساحل ونينو هجمات متكررة ضد قوافل التموين ونقاط التفتيش الريفية، ما أدى إلى اضطراب حركة البضائع وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
تسعى الجماعات من خلال هذه التكتيكات إلى خلق حالة من الركود الاقتصادي والتوتر الشعبي لدفع المجتمع إلى فقدان الثقة بالسلطة المركزية، وإضعاف قدرتها على إدارة الأمن والخدمات العامة.
نمط سيطرة متحول
ورغم تضخيم بعض التقارير الإعلامية لمخاوف سقوط العاصمة، فإن المعطيات الميدانية لا تشير إلى وجود نية فعلية للجماعات لاقتحام باماكو. فأسلوبها القائم على الضربات الاقتصادية المتفرقة يهدف إلى عرقلة الحياة اليومية دون التورط في معارك حضرية معقدة، السيطرة الميدانية تظل محدودة في القرى والمناطق الريفية ومفاصل الطرق، بينما تبقى المدن الكبرى خارج نطاق نفوذ مباشر للجماعات.
رد حكومي وتحديات مستمرة
في مواجهة هذه الأزمة، لجأت السلطات المالية إلى إجراءات أمنية واقتصادية مضادة، شملت مرافقة عسكرية للقوافل التجارية، وتأمين نقاط التفتيش، وفتح طرق بديلة لتجاوز المناطق الملغومة، إضافة إلى اتفاقات مع شركات محلية لإصلاح الطرق المتضررة.
ورغم نجاح هذه الجهود في الحد من تفاقم الأزمة، فإن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية تبقى مرتفعة، إذ تأثرت قطاعات النقل والتجارة بشكل كبير، وتراجعت الثقة في قدرة الدولة على تأمين سلاسل الإمداد.
سيناريوهات مفتوحة
المشهد الراهن في مالي يفتح الباب أمام احتمالين متناقضين:
• الأول أن تواصل الجماعات حربها الاقتصادية، ما يؤدي إلى تآكل الاستقرار الداخلي وتصاعد الضغوط الشعبية التي قد تدفع الحكومة إلى مفاوضات سياسية غير متكافئة.
• أما الثاني، فيتمثل في نجاح الدولة في احتواء الأزمة عبر تعزيز الحماية اللوجستية وتأمين الطرق، ما قد يمنحها مساحة زمنية لإعادة ترتيب أولوياتها السياسية والأمنية.
هل تصبح أول عاصمة إفريقية في قبضة القاعدة؟
مالي على حافة الانهيار الأمني، وسط تصاعد نفوذ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي تفرض حصارًا خانقًا على العاصمة باماكو بقطع إمدادات الوقود والغذاء وتعطيل الطرق الحيوية. العاصمة، التي تمثل القلب الاقتصادي والسياسي للدولة، تعيش شللًا شبه تام دفع دولًا غربية إلى إجلاء رعاياها مع تدهور الأوضاع الميدانية.
تقرير أممي حديث أكد أن الجماعة بلغت مستوى غير مسبوق من التنظيم والتسليح، مع استخدام الطائرات المسيرة والعبوات الناسفة وتنفيذ هجمات منسقة ضد مواقع عسكرية محصنة، إلى جانب سعيها لفرض حكم محلي عبر اتفاقات قسرية مع القبائل. ويقدر عدد مقاتليها بما بين 5 و6 آلاف عنصر ينتشرون في شمال مالي ويتوسعون نحو بوركينا فاسو والنيجر.
الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب القوات الفرنسية والأمريكية منح الجماعات الإرهابية فرصة ذهبية للتوسع، خاصة بعد تراجع القدرات الاستخباراتية لباماكو، في ظل انشغال المجلس العسكري بتثبيت سلطته عقب الانقلابات المتكررة منذ عام 2020.
احتمال سقوط باماكو لا يهدد مالي وحدها، بل ينذر بانفجار إقليمي واسع يمتد إلى غرب القارة وشمالها، إذ سيحول الساحل الإفريقي إلى مسرح مفتوح للتنظيمات المتطرفة، ومع استمرار الحصار وضعف مؤسسات الدولة، تبدو البلاد على وشك تكرار سيناريو أفغانستان، ما قد يجعل مالي أول دولة إفريقية تدار فعليًا من تنظيم إرهابي.
