انتهاكات حوثية ممنهجة ضد المنظمات الدولية والإغاثية... وتصعيد يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن

الجمعة 07/نوفمبر/2025 - 12:24 م
طباعة انتهاكات حوثية ممنهجة فاطمة عبدالغني
 
شهدت العاصمة اليمنية صنعاء تصعيداً جديداً وخطيراً ضد أنشطة العمل الإنساني الدولي، بعد أن نفذت ميليشيا الحوثي حملة اقتحامات متزامنة طالت مقرات خمس من أبرز المنظمات الدولية والإغاثية، واحتجزت عدداً من موظفيها، وصادرت أصولاً ووثائق حساسة، هذه الحملة التي نُفذت مساء الثلاثاء، استهدفت مقرات منظمات "أطباء بلا حدود" و"الإغاثة الإسلامية العالمية" و"العمل ضد الجوع" و"هيومن أبيل" و"أكتد" الفرنسية، في خطوة وُصفت بأنها توسع خطير في الاعتداءات على المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن.
 وأفادت مصادر محلية أن المسلحين الحوثيين تمركزوا داخل عدد من المقرات بعد المداهمات، واحتجزوا موظفين وأجروا عمليات تفتيش دقيقة، في مشهد يعيد للأذهان موجة اقتحامات سابقة استهدفت مؤسسات تابعة للأمم المتحدة خلال الأشهر الماضية.
وفي تطور لاحق، أقدمت المليشيا على اقتحام مقر منظمة "أوكسفام" الدولية في صنعاء، بعد يومين فقط من الحملة الأولى، حيث احتجزت عدداً من موظفيها لساعات وأخضعتهم لتحقيقات قسرية قبل إطلاق سراحهم، وصادرت أجهزة اتصالات وحواسيب ووثائق مهمة. 
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق للحوثيين أن اقتحموا مقر "أوكسفام" في محافظة حجة في أكتوبر الماضي، واحتجزوا موظفين تابعين لها في صعدة منتصف عام 2024.
ويأتي هذا التصعيد في وقت تواصل فيه المليشيا محاكمات صورية بحق موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المحتجزين لديها، بعد أن أحالت دفعات جديدة من المختطفين إلى ما يسمى "المحكمة الجزائية المتخصصة" المعنية بقضايا الإرهاب، في تحدٍ واضح للقانون الدولي. 
وتشير مصادر حقوقية إلى أن عدد المحتجزين من موظفي الأمم المتحدة وصل إلى نحو 60 موظفاً، إضافة إلى آخرين من منظمات إنسانية ودبلوماسيين سابقين، بينما ما تزال مقار عدد من الوكالات الأممية تحت السيطرة الحوثية منذ أشهر.
في الوقت ذاته، شنّت المليشيا هجوماً حاداً على قراري منظمة الصحة العالمية واليونيسف القاضيين بوقف أنشطتهما الصحية في مناطق سيطرتها، بعد اقتحام مكاتبهما واعتقال موظفيهما، واتهمت الهيئة الحوثية المعنية بحقوق الإنسان المنظمتين بـ"ارتكاب عقوبة جماعية" ضد المدنيين، وزعمت أن قرارهما يهدد بإغلاق آلاف الوحدات والمستشفيات الصحية، متجاهلة أن تلك المنظمات أوقفت أنشطتها احتجاجاً على الانتهاكات الحوثية المتكررة وغياب الحد الأدنى من بيئة العمل الآمنة. 
كما حاولت الجماعة تحميل المجتمع الدولي مسؤولية التدهور الصحي، رغم أن ممارساتها القمعية هي السبب الرئيسي في تعطيل البرامج الإنسانية وتعريض حياة ملايين اليمنيين للخطر.
وفي ظل هذه التطورات، علّق وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني على التصعيد الحوثي، مؤكداً أن المليشيا المدعومة من إيران تمعن في نهجها العدائي ضد المنظمات الدولية والعاملين في المجال الإنساني، وتستغل الملف الإنساني كورقة للابتزاز السياسي والمالي. 
وأوضح الإرياني أن الجماعة التي اختطفت موظفي الإغاثة، ونهبت مقرات الوكالات الدولية، وصادرت ممتلكاتها، ووجهت لموظفيها اتهامات باطلة بالتجسس، هي آخر من يحق له التباكي على تقليص أنشطة تلك المنظمات، وأضاف أن الحوثيين حوّلوا الأزمة الإنسانية في اليمن إلى أداة تمويل لحربهم ومصدر ربح سياسي وإعلامي، بينما يحرمون ملايين المدنيين في مناطق سيطرتهم من أبسط الخدمات والحقوق الأساسية.
وأكد الوزير أن هذه الممارسات دفعت عدداً من المنظمات الدولية إلى تقليص وجودها في اليمن نتيجة انعدام الأمان واستحالة تنفيذ برامجها في ظل بيئة القمع والتهديد والنهب التي تفرضها الجماعة.
 كما حمّل الإرياني ميليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع الإنساني وتراجع المساعدات، داعياً الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى التحرك الجاد لوقف استغلال الحوثيين للملف الإنساني، وضمان وصول المساعدات بشكل مباشر وآمن إلى مستحقيها عبر الحكومة الشرعية.
ويرى المراقبون أن ما يجري يمثل أخطر موجة تصعيد ضد العمل الإنساني في اليمن منذ اندلاع الحرب، ويؤكد سعي الحوثيين لتقويض أي وجود مستقل للمنظمات الدولية في مناطق سيطرتهم، بهدف إحكام قبضتهم على موارد المساعدات واستخدامها لخدمة مشروعهم السياسي والعسكري، كما يشيرون إلى أن صمت المجتمع الدولي أمام هذه الانتهاكات شجع الجماعة على التمادي، ما ينذر بتراجع خطير في الجهود الإنسانية ويضع ملايين اليمنيين أمام أزمة غير مسبوقة من الجوع والحرمان، في وقت لم يعد فيه العمل الإغاثي في مناطق الحوثيين مجرد مهمة إنسانية، بل مغامرة محفوفة بالمخاطر.

شارك