واشنطن توسّع حملة "الضغط الأقصى" وتستهدف 32 كياناً وفرداً يدعمون قدرات إيران العسكرية

الأحد 16/نوفمبر/2025 - 01:23 م
طباعة واشنطن توسّع حملة فاطمة عبدالغني
 
يشكل البيان الأخير الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية خطوة جديدة ضمن استراتيجية الضغط القصوى التي تتبعها واشنطن في مواجهة الأنشطة العسكرية الإيرانية وشبكات الدعم العابرة للحدود، فقد أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية استهداف 32 فردًا وكيانًا موزعين على إيران والإمارات وتركيا والصين وهونغ كونغ والهند وألمانيا وأوكرانيا، بدعوى أنهم جزء من شبكات معقدة تعمل على شراء مكونات حساسة تدعم إنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار التي تطورها طهران، ويعكس هذا الإجراء تحركًا أمريكيًا يستند إلى رؤية مفادها أن قدرات إيران على تطوير برامجها الصاروخية والمسيرة تعتمد بدرجة كبيرة على منظومات شراء متعددة الجنسيات تستغل ثغرات الأسواق العالمية وسلاسل التوريد العابرة للقارات.
وأكد جون ك. هيرلي، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، أن هذه الشبكات تعتمد في نشاطها على استغلال الأنظمة المالية العالمية لغسل الأموال والالتفاف على القيود المفروضة على شراء مكونات برامج الأسلحة التقليدية والنووية، وشدد على أن التوجيهات الصادرة من الرئيس ترامب في هذه المرحلة تفرض أعلى مستويات الضغط على إيران بهدف وقف تهديدها النووي المتنامي، مع مطالبة المجتمع الدولي بتطبيق عقوبات الأمم المتحدة على طهران بصورة كاملة وسريعة لحرمانها من الوصول إلى النظام المالي العالمي، ويكشف هذا الخطاب تصعيدًا أمريكيًا واضحًا في تحميل إيران مسؤولية زعزعة الاستقرار الإقليمي، سواء من خلال تطوير الأسلحة المتقدمة أو دعم وكلائها المسلحين في الشرق الأوسط.
ويرى بيان الخزانة أن هذه الشبكات تمثل تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة، خصوصًا في ظل تزايد الهجمات التي طالت الملاحة التجارية في البحر الأحمر، والتي تربط واشنطن جانبًا منها بقدرات إيران التقنية المتنامية ونشاطاتها في دعم وكلائها الحوثيين. 
وتؤكد واشنطن أن جزءًا من مواد تصنيع الصواريخ والطائرات بدون طيار، ولا سيما السلائف الكيميائية المستخدمة في الوقود الصاروخي، يجري الحصول عليها عبر شبكات منظمة تعمل في أسواق الصين، ليعاد نقلها بطرق ملتوية إلى إيران، ويرتبط هذا الإجراء بجولة ثانية من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة دعمًا لإعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة منذ سبتمبر 2025، في سياق اتهام طهران بالاستمرار في خرق التزاماتها الدولية وإعادة بناء برامج انتشار حساسة كانت قد تضررت بعد حرب الأيام الاثني عشر.
ويكشف البيان تفاصيل واسعة عن شبكة مشتريات مرتبطة بما يُعرف بـ“شراكة MVM”، وهي منظومة ثلاثية الأطراف تعمل منذ عام 2023 على شراء مكونات الوقود الصاروخي لصالح شركة بارشين للصناعات الكيميائية، أحد أهم أذرع منظمة الصناعات الدفاعية الإيرانية. 
وتوضح الوثائق الأمريكية أن هذه الشبكة مسؤولة عن جمع ونقل مئات الأطنان من كلورات وبيركلورات الصوديوم وحمض السيباسيك من الصين إلى إيران، وهي مواد أساسية في إنتاج الوقود الصلب المستخدم في محركات الصواريخ الباليستية، ويبرز في هذا السياق الدور المحوري لماركو كلينج وماجد دولاتخاه ووحيد قيومي، الذين تولوا إدارة أعمال الشراء والتنسيق بين الموردين وشركات الواجهة المنتشرة بين الإمارات وتركيا والهند وألمانيا. 
وقد شملت العقوبات شركات إماراتية وهندية وألمانية وإيرانية تابعة لهؤلاء الأفراد، بما في ذلك MVM Amici وFarmlane وEVA وزاغروس شيمي فارس وفرقان نوين بارس.
كما يتناول البيان شبكة أخرى تعمل على دعم برنامج الطائرات المسيرة التابع لفيلق القدس عبر شركة كيباس الإيرانية، والتي سبق إدراجها على لوائح الإرهاب، ويوضح أن شركات تابعة لكيباس، مثل PARPO وARIAPA، قامت خلال عامي 2024 و2025 بإنتاج وإصلاح مكونات حساسة للطائرات بدون طيار، إلى جانب التعاون مع مهندسين وفنيين مرتبطين بالحرس الثوري ضمن مشاريع تطوير إلكترونيات الطائرات المسيّرة ومحركاتها، وقد طالت العقوبات عددًا من الأفراد مثل سيد علي أبطحي ومحمد روحاني وحسين صيادي تورانلو وإحسان دولت آبادي، الذين أدوا أدوارًا رئيسية في عمليات الإنتاج والشراء والتواصل اللوجستي.
أما الشبكة الثالثة فتتعلق بدعم شركة مادو، المسؤولة عن تصنيع محركات الطائرات المسيرة من طراز “شاهد–131” و“شاهد–136”، والتي أثارت قلقًا واسعًا بسبب دورها في دعم برامج الطائرات المسيرة المستخدمة في هجمات عبر عدة ساحات إقليمية. 
ويركز البيان على الدور المحوري للمواطن الصيني ما جيه، الذي وفر غطاءً تنظيميًا ومهنيًا لتسهيل اجتماعات بين مسؤولين إيرانيين وموردين صينيين، فضلًا عن إشرافه على شركات متعددة في الصين وهونغ كونغ شاركت في عمليات مالية تجاوزت ملايين الدولارات. 
وتشمل الشبكة شركات تركية دفعت مبالغ ضخمة لقاء شحنات مرتبطة بمكونات تستخدمها مادو، إضافةً إلى شركات في هونغ كونغ قامت بتمرير مئات آلاف الدولارات مقابل معدات ومواد أولية.
كما يكشف البيان شبكة رابعة تدعم مؤسسة HESA، وهي أحد أهم أذرع الصناعات الجوية الإيرانية والمسؤولة عن إنتاج طائرات أبابيل المسيرة، وتشير الوثائق إلى أن وكيل المشتريات بهرام طبيبي لجأ إلى شركات وهمية في أوكرانيا – مثل جي كي إمبيراتيف وإيكوفيرا – لشراء مواد حساسة للطائرات، بمشاركة بتول شافيعي وسعيد نچاد في تنظيم المدفوعات والشحنات، وهو ما دفع الخزانة الأمريكية لإدراج هذه الكيانات ضمن قوائم العقوبات.
ويختتم البيان بالإشارة إلى تحديث قائمة العقوبات للسفينة "شون كاي شينغ"، التي جرى تغيير اسمها إلى "هون ستار" في محاولة للتمويه، في ظل شكوك أمريكية بأنها حاولت نقل آلات CNC الدقيقة إلى إيران، وهي آلات تُستخدم في تصنيع جيروسكوبات الألياف البصرية وأنظمة التوجيه للصواريخ والطائرات المسيرة.
ويرى المراقبون أن هذه الجولة الواسعة من العقوبات تمثل أعمق استهداف أمريكي لشبكات المشتريات الإيرانية منذ إعادة فرض العقوبات الأممية في 2025، وأن واشنطن تسعى عبرها إلى تضييق الخناق على سلسلة التوريد العالمية التي تعتمد عليها طهران لتطوير برامجها العسكرية. 
كما يشير محللون إلى أن تنوع الدول التي تعمل فيها هذه الشبكات – من الصين إلى الإمارات وتركيا وأوروبا – يعكس قدرة إيران على بناء منظومات مشتريات معقدة يصعب تفكيكها بسرعة، ما يجعل فعالية العقوبات مرهونة بمدى التزام الدول المستهدفة بالتنفيذ الصارم للإجراءات الأميركية. 
ويرجح بعض المتابعين أن العقوبات قد تُبطئ وتيرة تقدم إيران في تطوير أنظمتها الصاروخية والمسيرة، لكنها لن توقفها بالكامل في ظل تداخل المصالح التجارية والاقتصادية بين أطراف عدة، واستمرار قدرة طهران على إيجاد بدائل جديدة. 
ومع ذلك، يرى مراقبون آخرون أن حجم المعلومات التي أفصحت عنها الخزانة يكشف نجاحًا استخباراتيًا أمريكيًا في اختراق هذه الشبكات، ما يمهّد لمزيد من الاستهدافات خلال الفترة المقبلة في إطار معركة مفتوحة حول النفوذ العسكري والتقني في الشرق الأوسط.

شارك