تصاعد الإرهاب في باكستان.. عمليات أمنية واسعة واتهامات متجددة للهند
تعيش باكستان في الأشهر الأخيرة حالة أمنية مضطربة مع تصاعد الهجمات الإرهابية واتساع رقعة العمليات المسلحة التي تستهدف المدنيين وقوات الأمن على حد سواء، بالتزامن مع تكثيف المؤسسة العسكرية لعملياتها في المناطق الحدودية المتاخمة لأفغانستان، والتي تحولت إلى بؤر ساخنة لنشاط جماعات مسلحة متعددة الانتماءات. وفي هذا السياق، تتزايد الاتهامات الصادرة عن إسلام آباد للهند بدعم مجموعات معادية، فيما تتهم الحكومة الأفغانية بعدم اتخاذ التدابير اللازمة لمنع استغلال أراضيها لشن هجمات داخل باكستان.
وفي أحدث التطورات، أعلنت إدارة
العلاقات العامة بين الخدمات الباكستانية أن قوات الأمن تمكنت خلال عمليتين
استخباريتين منفصلتين من القضاء على 23 عنصرًا تابعين لتنظيم «فتنة الخوارج»، الذي
تصفه السلطات بأنه يعمل «بالوكالة لصالح جهات خارجية». وجرت العمليتان في مقاطعتي
باجور وبانو بإقليم خيبر بختونخوا يومي 16 و17 نوفمبر، حيث أكدت المؤسسة العسكرية
أن القوة المشاركة اعتمدت على معلومات دقيقة حددت مواقع يتحصن بها عناصر التنظيم.
ووفق البيان الرسمي، أسفرت العملية
الأولى في باجور عن مقتل 11 مسلحًا، بينهم قائد ميداني يدعى «سجاد» المعروف باسم
«أبو ذر». أما العملية الثانية التي نُفذت في بانو فأسفرت عن القضاء على 12 مسلحًا
آخرين. وأوضحت القوات أن عمليات التطهير لا تزال جارية لتعقب عناصر آخرين «مدعومين
من الخارج» يُعتقد أنهم فرّوا عبر التضاريس الوعرة المحيطة بمسرح العملية.
كما أعلنت المؤسسة العسكرية في وقت
منفصل مقتل مسلّح مرتبط بالتنظيم ذاته أثناء محاولته زرع عبوة ناسفة بدائية الصنع
في بانو فجر 18 نوفمبر، معتبرة أن الحادث يكشف «حالة اليأس» التي تعيشها الجماعة
نتيجة الضغط العسكري المتواصل.
ارتفاع حاد في هجمات 2025
تأتي هذه العمليات في سياق تصعيد أمني
ملحوظ بدأ بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف المجمع القضائي في العاصمة إسلام
آباد في 11 نوفمبر، وأدى إلى مقتل 12 شخصًا وإصابة 36 آخرين، معظمهم من المحامين
والمراجعين. وأعلنت الحكومة لاحقًا القبض على أربعة عناصر من خلية تابعة لحركة
طالبان باكستان «فتنة الخوارج» يشتبه في تورطهم في الهجوم.
وتزامن ذلك مع عمليات أخرى نفذتها قوات
الأمن خلال الفترة بين 8 و9 نوفمبر في مناطق مختلفة من خيبر بختونخوا، وأدت إلى
مقتل 15 مسلحًا، بينهم قيادي تقول السلطات إنه مرتبط بشبكات «مدعومة من الخارج»،
وتؤكد المؤسسة العسكرية أن هذه العمليات تأتي ضمن حملة «عزم الاستقامة» التي
تستهدف «إنهاء التهديد الإرهابي من جذوره»، عبر دمج العمل الاستخباراتي مع الضربات
السريعة والمركزة.
وتشير البيانات المحلية إلى أن عام
2025 يشهد أحد أعلى معدلات العنف خلال السنوات الأخيرة، إذ سجّل إقليم خيبر
بختونخوا وحده أكثر من 600 حادثة إرهابية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام،
ما أدى إلى مقتل 79 من أفراد الشرطة و138 مدنيًا، ويعزو خبراء أمنيون هذا الارتفاع
إلى إعادة تنظيم بعض المجموعات المسلحة في المناطق الحدودية مستغلة الفراغ الأمني
في بعض أجزاء أفغانستان بعد 2021.
كما أدى تزايد الهجمات إلى دفع قوات
الأمن إلى تعزيز وجودها في المدن الكبرى، وخصوصًا العاصمة إسلام آباد، التي شهدت
خلال الشهور الأخيرة سلسلة من الإجراءات الاحترازية وتكثيف نقاط التفتيش، تحسبًا
لعمليات مماثلة قد تسعى الجماعات المسلحة لتنفيذها ضد منشآت سيادية.
اتهامات باكستان للهند
على المستوى السياسي، تتصاعد لهجة
الاتهامات التي توجهها باكستان إلى الهند، إذ تتحدث تقارير رسمية عن دعم «غير مباشر»
تقدمه نيودلهي لمجموعات «معادية» تعمل قرب الحدود الغربية. وعادة ما تصف مؤسسة
العلاقات العامة بالجيش هذه المجموعات بأنها «أذرع تعمل لحساب أجهزة استخبارية
أجنبية»، في إشارة واضحة إلى الهند، رغم عدم تقديم أدلة تفصيلية معلنة.
هذه الاتهامات ليست جديدة في العلاقات
المتوترة تاريخيًا بين البلدين، لكنها عادت إلى الواجهة مع زيادة الهجمات داخل
باكستان، وهو ما قد يزيد الضغط السياسي والإعلامي داخليًا على الحكومة الباكستانية
لتعزيز موقفها الأمني والدبلوماسي. غير أن نيودلهي تنفي هذه المزاعم، وتتهم
باكستان بدورها بدعم جماعات تعمل في كشمير، وهو ما يعقّد مشهد الأمن الإقليمي.
أما العلاقة مع الحكومة الأفغانية
المؤقتة فليست في أفضل حالاتها، إذ تقول إسلام آباد إن حركة طالبان الأفغانية لم
تفِ بالتزاماتها بموجب اتفاق الدوحة لعام 2020، الذي يتضمن بندًا ينص على منع
استخدام الأراضي الأفغانية ضد دول الجوار. وتشير باكستان إلى أن بعض قادة الجماعات
المسلحة يواصلون التنقل عبر الحدود مستفيدين من ضعف الرقابة في بعض المناطق
الحدودية، وهو ما ترفضه كابول التي تؤكد أنها لا توفر أي دعم أو ملاذ آمن لأي
جماعات مسلحة.
ويرى محللون أن الضغوط المتبادلة بين
البلدين تعرقل جهود التنسيق الأمني المشترك، رغم الحاجة الملحة إلى تعاون فعّال
لكبح تصاعد الهجمات التي تستهدف المناطق القبلية المتاخمة لكلا البلدين. كما أن
عدم التوصل إلى آلية واضحة لضبط الحدود يسهم في استمرار حالة «التداخل الأمني» بين
الجهتين، وهو ما تستفيد منه الجماعات المسلحة القادرة على التحرك بين الأراضي
الوعرة الواقعة بين البلدين.
معركة ممتدة
تؤدي العمليات العسكرية المتكررة إلى
آثار إنسانية مباشرة على السكان المحليين، خاصة في مناطق باجور وبانو ووزيرستان
الكبرى، حيث يضطر السكان في أحيان كثيرة إلى مغادرة منازلهم أثناء العمليات. ورغم
أن السلطات تحاول تقليل هذه الآثار عبر «عمليات دقيقة»، فإن التقارير الميدانية
تشير إلى حالات نزوح مؤقت وعرقلة في وصول الخدمات الأساسية.
وتواجه الحكومة تحديات مركّبة في
التعامل مع هذه الأزمة، تبدأ من تأمين الحدود وتنتهي بتحصين الجبهة الداخلية، وسط
اقتصاد يعاني أصلًا من ضغوط كبيرة. ويؤكد خبراء أن الرد الأمني، رغم ضرورته، لا
يمكن أن يكون وحده كافيًا، وأن المعالجة تحتاج إلى خطط اقتصادية واجتماعية تزيل
أسباب الاحتقان في المناطق المتضررة، وتعالج فجوة التنمية التي طالما استغلتها
التنظيمات المسلحة في تجنيد الشباب.
وفي الوقت الذي تواصل فيه قوات الأمن
عملياتها، تبقى المخاوف قائمة من أن استمرار الهجمات بنسقها الحالي قد يفتح الباب
أمام مرحلة طويلة من عدم الاستقرار، ما لم تنجح الحكومة في تحقيق توازن بين عمليات
«عزم الاستقامة» وبين مسار سياسي أوسع يحدّ من قدرة الجماعات المسلحة على إعادة
تشكيل نفسها.
