جحيم الحرب يلتهم الطفولة في اليمن.. 4595 طفلاً قُتلوا برصاص الحوثي وألغامه وقصفه العشوائي

الجمعة 21/نوفمبر/2025 - 12:37 م
طباعة جحيم الحرب يلتهم فاطمة عبدالغني
 
في اليوم العالمي للطفل، الذي يوافق العشرين من نوفمبر من كل عام، تتجه أنظار العالم للاحتفاء بحقوق الأطفال وحمايتهم ورعاية مستقبلهم، بينما يجد أطفال اليمن أنفسهم في واقع مختلف تماماً؛ واقع عنوانه الألم والخوف والحرمان، بعد ستة وثلاثين عاماً من تصديق بلادهم على اتفاقية حقوق الطفل. 
ففي الوقت الذي تعلن فيه دول العالم التزامها بمبادئ الاتفاقيات الدولية، يعيش أطفال اليمن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، ويقفون في بؤرة صراع دامٍ جعلهم وقوداً لحرب لا يد لهم فيها، وتركهم ضحايا انتهاكات وجرائم متواصلة ترتكبها مليشيات الحوثي بحق الطفولة، وتدفعهم إلى مستقبل مجهول تسيطر عليه المعاناة من كل اتجاه.
وفي هذا السياق كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، عبر آلية الرصد والتوثيق الميداني، أن الفترة الممتدة من 1 يناير 2015 وحتى 20 نوفمبر من العام الجاري شهدت ما مجموعه 28005 واقعة انتهاك واعتداء مباشر وغير مباشر على الأطفال في اليمن، هذه الأرقام الكبيرة تعكس حجم المأساة وحقيقتها، وتؤكد أن الأطفال يواجهون الموت يومياً إما بالقتل المباشر أو نتيجة آثار الحرب التي حرمتهم من الغذاء والصحة والتعليم والمأوى، وجعلتهم عرضة لأقسى أشكال الانتهاكات التي تتعارض كلياً مع القوانين الدولية.
وخلال هذه السنوات، تسببت مليشيات الحوثي في مقتل 4595 طفلاً، بينهم 512 رضيعاً، قُتل 560 منهم برصاص القناصة، فيما سقط 784 طفلاً نتيجة المقذوفات العشوائية التي استهدفت الأحياء السكنية. 
كما قتلت الألغام التي زرعتها المليشيات في القرى والمزارع والطرقات 698 طفلاً، بينما راح 413 طفلاً ضحية المجازر الجماعية التي ارتكبتها الجماعة، ومعظمها في محافظة تعز، وإضافة إلى ذلك، قُتل 432 طفلاً برصاص مباشر لقوات الحوثي، فيما تسبب رواجع المقذوفات في مقتل 748 طفلاً، ودهست الأطقم التابعة للمليشيات 42 طفلاً، بينما توفي 514 طفلاً نتيجة الحصار وانعدام الأوكسجين والدواء وإغلاق المستشفيات والمرافق الصحية، وتوزعت بقية الوفيات على أسباب أخرى مرتبطة بالعمليات العسكرية.
أما الإصابات، فبحسب الشبكة اليمنية للحقوق والحريات بلغت 6317 إصابة موثقة بحق الأطفال، بينها 723 إصابة بأسلحة الألغام الأرضية، و3972 إصابة نتيجة القصف المتعمد للأحياء السكنية، بينما تنوعت الإصابات الأخرى بين الطلق الناري المباشر وأعمال القنص ومختلف الانتهاكات. 
وخلّفت الألغام التي زرعتها مليشيات الحوثي في المناطق المدنية إعاقات دائمة لـ347 طفلاً، ما يحرمهم من مستقبل طبيعي ويزيد أعباء أسرهم في ظل ظروف اقتصادية منهارة.
وفي جانب آخر، ارتكبت المليشيات 317 جريمة اختطاف وإخفاء قسري للأطفال، منها 180 حالة اختطاف، و137 حالة إخفاء قسري ما تزال المليشيات ترفض الكشف عن مصير ضحاياها، بل وتستخدم بعضهم رهائن لإخضاع أسرهم. 
وتشير الوثائق إلى أن 117 طفلاً تعرضوا للتعذيب الجسدي والنفسي داخل معتقلات الحوثي، بينهم 9 أطفال قضوا تحت التعذيب، فيما خضع 18 طفلاً لتعذيب مركب، وتم توثيق 53 حالة اغتصاب لأطفال في عدة محافظات، ما يشكل أحد أخطر الانتهاكات التي تهدد النسيج الاجتماعي وتُعد جرائم ضد الإنسانية.
كما تسببت الحرب في تشريد وتهجير 43965 طفلاً، وتوسعت المأساة مع استمرار تجنيد الأطفال بوتيرة عالية، إذ تؤكد تقارير دولية أن الحوثيين جنّدوا أكثر من 30 ألف طفل، وتوضح الشبكة أن فريقها الميداني وثق مقتل 6728 طفلاً مجنداً تم تشييعهم علناً عبر وسائل الإعلام الحوثية، بالإضافة إلى إصابة 9851 طفلاً مجنداً في جبهات القتال، فيما تشير التقديرات إلى أن العدد الحقيقي للقتلى والمصابين من الأطفال المجندين أكبر بكثير، لأن الكثير منهم لا يُدفَنون في مراسيم معلنة ولا تُنشر أسماؤهم.
وتتنوع الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال بين القتل والإصابة والاختطاف والتجنيد القسري والحرمان من التعليم والغذاء والعلاج، نتيجة حصار المليشيات واستخدامها المفرط للقوة وقصف الأحياء السكنية بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة بما في ذلك مدافع الهاوزر وصواريخ الكاتيوشا وقذائف الدبابات، فضلاً عن زرع الألغام في الطرقات العامة والمدارس والمزارع. 
وبحسب شهادات أهالي قابلهم فريق الرصد، فإن المليشيات تلجأ لأساليب متعددة في تجنيد الصغار، تشمل غسل الأدمغة عبر الدورات الثقافية، والإغراءات بالوظائف والشهادات المدرسية، واستغلال الوضع الاقتصادي المتدهور، إضافة إلى فرض التجنيد الإجباري على بعض القبائل.
وعلى الصعيد الإنساني، دفع انقلاب المليشيات الحوثية أكثر من ثلاثة ملايين طفل إلى سوق العمل، نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي وغياب الرعاية الاجتماعية، كما وثّق الفريق الميداني وفاة 37 طفلاً جوعاً خلال خمسة أشهر فقط في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات، في وقت حُرم فيه 4.5 ملايين طفل من التعليم بعد تحويل المدارس والمنشآت التعليمية إلى ثكنات عسكرية ومراكز تدريب.
وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أن ما تتعرض له الطفولة في اليمن يُعد كارثة إنسانية مكتملة الأركان، تتضمن جرائم وانتهاكات جسيمة تستدعي تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، إذ تتعارض هذه الانتهاكات مع قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع، ومع القوانين الوطنية واتفاقيات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، خاصة تلك المتعلقة بالانتهاكات الستة الجسيمة بحق الأطفال.
وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يعيش أطفال اليمن وضعاً نفسياً معقداً نتيجة العنف المستمر والمشاهد اليومية للقتل والدمار، مما يهدد بظهور جيل كامل يعاني من اضطرابات نفسية واجتماعية عميقة. 
ومن هذا المنطلق، حذرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات من أن اليمن على وشك فقدان جيل كامل إذا لم يتحرك الضمير العالمي لإيقاف جرائم مليشيات الحوثي، مؤكدة أن الضغوط الدولية الحالية لم تحقق أي تغيير ملموس يمنح الأطفال أملاً بالعيش بسلام أسوة بغيرهم من أطفال العالم.
ويرى المراقبون أن الأرقام الموثقة في هذا التقرير لا تُعد فقط شهادة على الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في اليمن، بل تمثل إنذاراً خطيراً بضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل أكثر فاعلية ومسؤولية، كما يؤكدون أن استمرار الجرائم دون محاسبة يعزز ثقافة الإفلات من العقاب، ويُضاعف من معاناة الأطفال، ويهدد بفقدان جيل كامل، ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمدى التزامه بحماية الأطفال كما تنص عليه الاتفاقيات الدولية. 
ويشدد المراقبون على ضرورة تقديم مرتكبي الانتهاكات إلى العدالة، وتفعيل القرارات الأممية، والضغط لوقف تجنيد الأطفال والهجمات العشوائية والحصار، وتوفير الدعم الإنساني العاجل لإعادة تأهيل الأطفال نفسياً وتعليميًا، باعتبار أن حماية الطفولة في اليمن ليست مسؤولية وطنية فقط، بل واجب إنساني عالمي لا يحتمل الانتظار.

شارك