الإرياني يكشف تحولات المشهد.. الحوثيون بين ضعف عسكري متصاعد وتصدع اجتماعي لا يمكن ترميمه
الجمعة 21/نوفمبر/2025 - 12:53 م
طباعة
فاطمة عبدالغني
في لحظة فارقة من مسار الصراع اليمني، وفي ظل تراكم المتغيرات الميدانية والسياسية التي تشهدها الساحة خلال العامين الماضيين، جاء تصريح وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني ليعكس قراءة رسمية واضحة لطبيعة التحولات التي تضرب بنية مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران.
فالوزير يؤكد أن المليشيا تمر بمرحلة ضعف غير مسبوقة منذ انقلابها على الدولة، نتيجة الضربات العسكرية المركّزة التي تلقتها وخسارتها أعداداً كبيرة من عناصرها، وفي مقدمتهم القيادات العقائدية التي طالما اعتمدت عليها لترسيخ مشروعها السلالي.
إضافة إلى ذلك، يرى الإرياني أن الجهود الحكومية والإقليمية والدولية التي استهدفت مصادر التمويل والتسليح أسهمت بدورها في إضعاف المليشيا، وأدت إلى تآكل قدرتها على الحشد والتعبئة، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على تماسكها الداخلي وروحها القتالية.
وفي مواجهة هذا التراجع الذي بات من الصعب على الحوثيين إخفاؤه، لجأت المليشيا في الأيام الأخيرة إلى تنظيم ما تصفه بـ"وقفات قبلية" واستعراضات شكلية في عدد من المديريات التي تخضع لسيطرتها بقوة السلاح، وهو تحرك يصفه الوزير بأنه محاولة يائسة للظهور بمظهر القوة، غير أن طبيعة هذه التجمعات، وسياقها المفتعل، يكشفان حجم الإرباك الذي يضرب جسد الجماعة التنظيمي، وسعيها الحثيث لإيجاد أي صورة تعيد لها شيئاً من الحاضنة الشعبية التي فقدتها تدريجياً بعد أن انكشفت شعاراتها الزائفة أمام المجتمع اليمني، واتضح حجم الدمار الذي جلبته على البلاد.
ويؤكد الإرياني أن القبيلة اليمنية، بثقلها التاريخي ودورها المحوري في حماية الثورة والجمهورية، ليست ولن تكون جزءاً من المشروع الحوثي ذي الامتداد الإيراني، فالقبيلة التي حملت الدولة على أكتافها وقدمت التضحيات في مختلف محطات التاريخ اليمني الحديث، لا يمكن لها أن تنحاز إلى جماعة انقلبت على المؤسسات ونهبت مقدرات الدولة ودفعت اليمن إلى مستنقع الفوضى والحرب، ومن هنا يذكّر الوزير بأن علاقة الحوثيين بالقبيلة لم تكن في يوم من الأيام علاقة تحالف أو انسجام، بل علاقة عداء مفتوح، حيث خاضت المليشيا منذ نشأتها حرباً ممنهجة ضد البنية القبلية، بدأت من صعدة وعمران وصنعاء، ووصلت إلى مختلف المحافظات التي توسعت فيها بقوة السلاح.
وتجلت هذه العداوة، كما يشير الإرياني، في حملات القمع والاقتحامات والاختطافات التي نفذتها المليشيا بحق أبناء القبائل، وفي سلسلة الانتهاكات التي شملت تفجير منازل المشايخ، وتشريد بعضهم خارج البلاد، ومصادرة ممتلكاتهم، والسعي لإحلال عناصر موالية للجماعة بديلاً عن القيادات القبلية التقليدية، كما مارست مليشيا الحوثي سياسات تجويع وإفقار بحق المناطق القبلية، وفرضت جبايات غير قانونية، ودفعت بأبنائها قسراً إلى جبهات القتال لتستخدمهم وقوداً لحروبها العبثية، في مسعى واضح لإعادة تشكيل القبيلة بما يخدم مشروعها الطائفي والسلالي.
ويشير الوزير إلى أن لجوء الحوثيين اليوم إلى القبيلة، التي قاومتهم وقامت بصدهم في مراحل متعددة، ليس مؤشراً على قوة، بل علامة على فقدان التوازن داخل الجماعة، وحالة الانهيار التي تعيشها، وعدم قدرتها على استعادة ثقة المجتمع الذي لفظها منذ سنوات، فهذه التجمعات المصطنعة التي تحرص الجماعة على تصويرها وترويجها، ليست سوى محاولة لإيهام قواعدها التنظيمية بأنها ما تزال ممسكة بزمام المبادرة، بينما الواقع يؤكد هشاشتها المتزايدة وافتقارها إلى النفوذ الاجتماعي الذي كانت تدعي امتلاكه.
وفي ختام التصريح، أكد الإرياني ثقته المتجددة بأن القبيلة اليمنية ستبقى، كما كانت دائماً، سنداً للدولة والجمهورية، وأنها ستقف في اللحظة الفاصلة إلى جانب المشروع الوطني ضد المشروع التخريبي الإيراني وأداته الحوثية.
ويرى المراقبون أن تصريح الوزير يعكس قراءة دقيقة لتراجع الحوثيين في مستوياتهم العسكرية والتنظيمية، وأنه يشير إلى تحولات جوهرية في المشهد اليمني قد تمهد لمرحلة جديدة من إعادة تشكيل موازين القوى.
كما يلفت المراقبون إلى أن فقدان الحوثيين للحاضنة الاجتماعية، وتآكل علاقتهم بالقبائل، يمثلان نقطة ضعف استراتيجية يصعب تجاوزها، وأن محاولاتهم الحالية لاستدعاء القبيلة عبر استعراضات شكلية لن تغير من حقيقة الانهيار الذي يضرب منظومتهم الداخلية، ولن يعيد إليهم الثقة الشعبية التي خسروها نتيجة ممارساتهم القمعية وسياساتهم الاستبدادية.
ويرى المراقبون أن مستقبل الصراع في اليمن قد يشهد تحولات مهمة إذا ما استثمرت الحكومة اليمنية والقوى الوطنية هذا التراجع الحوثي لتعزيز حضور الدولة، واستعادة المساحات الاجتماعية التي تضررت بفعل سنوات الحرب، وتهيئة بيئة تسمح للقبيلة بأن تعود لدورها الطبيعي باعتبارها صمام أمان وركيزة للاستقرار الوطني.
