استمرار العمليات الأمنية في باكستان ضد الخلايا الإرهابية.. وتصاعد العمليات في خيبربوختونخوا
محمد شعت
تشهد باكستان تصاعداً مستمراً في العمليات الأمنية الرامية إلى مواجهة التهديدات الإرهابية التي باتت تمثل خطراً متزايداً على أمن واستقرار البلاد، خصوصاً في المناطق الحدودية مثل خيبر بختونخوا وبلوشستان. تأتي هذه العمليات في إطار استراتيجية وطنية واضحة تهدف إلى القضاء على الجماعات الإرهابية وتحييد تأثيرها على المجتمع المدني وأجهزة الأمن، بما يعكس عزيمة الدولة في التصدي لمظاهر التطرف والإرهاب التي تتغذى على الاضطرابات الإقليمية والتدخلات الخارجية.
كما تم تنفيذ عملية استخباراتية أخرى في
منطقة ديرة إسماعيل خان، تمكنت خلالها قوات الأمن من تحييد ثلاثة إرهابيين آخرين،
مما يؤكد استمرارية وتكامل العمليات الأمنية في مختلف المناطق الساخنة. وأكد بيان
العلاقات العامة للجيش أن العمليات ستستمر تحت رؤية "عزم الاستقامة"،
التي تمثل استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، بهدف القضاء على خطر الجماعات
الإرهابية المدعومة من جهات أجنبية، والحفاظ على استقرار البلاد وأمن المواطنين.
خلفيات الهجمات الإرهابية في باكستان
تأتي هذه العمليات في سياق تصاعد التهديدات
الإرهابية في باكستان، التي شهدت زيادة ملحوظة في الهجمات منذ عام 2021، بعد تولي
نظام طالبان السلطة في أفغانستان. وقد استغلت الجماعات الإرهابية حالة الفوضى
والتغيرات السياسية في المنطقة لتعزيز وجودها وتنفيذ عمليات تستهدف المدنيين وقوات
الأمن على حد سواء. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن ولاية خيبر بختونخوا وحدها
سجلت أكثر من 600 حادثة إرهابية خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، أسفرت
عن استشهاد 79 من أفراد الشرطة و138 مدنياً، ما يعكس حجم الخطر الذي يشكله الإرهاب
على المجتمع المدني وأجهزة الدولة.
وتشير التحليلات الأمنية إلى أن الجماعات
الإرهابية التي تنشط في باكستان تتبع نمطاً منظماً في التخطيط للهجمات، حيث تستفيد
من التضاريس الجبلية والصحراوية لصعوبة الوصول إلى مناطق نشاطها. وقد امتدت
عملياتها لتشمل هجمات على مواقع عسكرية، ونقاط تفتيش، ومرافق عامة، ما يضع البلاد
أمام تحديات أمنية كبيرة. وتؤكد السلطات أن هذه الجماعات لا تعمل بمعزل عن دعم
خارجي، إذ تلعب بعض الدول الإقليمية دوراً في تمويل وتسهيل أنشطتها، وهو ما يزيد
من تعقيد المعركة الأمنية ويجعلها مسألة استراتيجية على صعيد الأمن الوطني.
ولطالما شكلت مقاطعتي خيبر بختونخوا
وبلوشستان الحدوديتين بؤرتين للتطرف والإرهاب بسبب قربهما من الحدود الأفغانية
والإيرانية، مما جعلهما مناطق جذب للتنظيمات المسلحة والمسلحين المتطرفين الذين
يختبئون بين السكان المحليين ويستغلون ضعف البنية التحتية الأمنية في بعض المناطق
النائية. ويشير الخبراء إلى أن العمليات الأمنية المتواصلة على مدى السنوات
الماضية أدت إلى تراجع قدرة هذه الجماعات على تنفيذ هجمات واسعة النطاق، لكنها لم
تقضِ بالكامل على التهديد، وهو ما يبرر استمرار الحملات الأمنية المكثفة.
تزايد التهديدات والإجراءات الأمنية
وفي ضوء هذه التطورات، شددت الحكومة
الباكستانية على أهمية التنسيق المستمر بين مختلف أجهزة الأمن لضمان نجاح العمليات
في مواجهة الإرهاب. وتعتبر العمليات الأمنية الأخيرة، التي نفذت في باهارخيل وديرة
إسماعيل خان، مثالاً واضحاً على فعالية التعاون بين الجيش ووكالات إنفاذ القانون
في استهداف مواقع الإرهابيين وتحييد خطرهم قبل تنفيذ هجمات جديدة. وتؤكد السلطات
أن الحملات الأمنية لا تستهدف الأفراد فقط، بل تهدف إلى تفكيك البنية التحتية
للإرهاب، بما يشمل الشبكات اللوجستية وعمليات التمويل والتجنيد.
كما لفت البيان العسكري إلى أن الجماعات
الإرهابية التي تم تحييدها كانت متورطة في أنشطة إرهابية متعددة ضد المدنيين
وأجهزة الأمن، بما في ذلك الهجمات المسلحة واغتيالات الشخصيات الأمنية ومهاجمة
نقاط التفتيش، فضلاً عن محاولات تهريب الأسلحة والذخائر. ويشير هذا إلى أن الإرهاب
في باكستان لا يزال يملك القدرة على الإضرار بالبنية الأمنية والاقتصادية
والاجتماعية للبلاد، ما يستدعي الاستمرار في الحملات الأمنية المكثفة والمتابعة
المستمرة لجميع عناصر التهديد.
ويشير مراقبون إلى أن العمليات الأمنية
الناجحة التي شهدتها باكستان مؤخراً جاءت نتيجة لتكامل استخبارات الدولة، وقدرتها
على استباق المخاطر، والتنسيق مع المجتمع المحلي لضمان تزويد الأجهزة الأمنية
بالمعلومات الدقيقة حول تحركات الجماعات الإرهابية. وقد أثبتت هذه العمليات أنها
وسيلة فعالة للحد من قدرة الإرهابيين على تنفيذ مخططاتهم، مع تعزيز شعور المواطنين
بالأمان في مناطق كانت تعد سابقاً نقاط ضعف استراتيجية.
وفي الوقت نفسه، يواجه الأمن الباكستاني
تحديات إضافية، تتمثل في الطبيعة الجغرافية الوعرة للمناطق الحدودية وصعوبة الوصول
إلى بعض المناطق النائية، إضافة إلى التهديدات المتنامية من الجماعات الإرهابية
المدعومة من جهات أجنبية. وتؤكد السلطات أن استمرار الحملات الأمنية يشكل جزءاً من
استراتيجية طويلة الأمد، تهدف إلى استئصال الإرهاب من جذوره، وضمان عدم تمكن
التنظيمات المسلحة من إعادة ترتيب صفوفها أو إعادة نشاطها في المناطق التي تم
تطهيرها أمنياً.
كما أن هناك تركيزاً خاصاً على العمليات
الاستخباراتية الدقيقة التي تستهدف الخلايا النائمة والإرهابيين المرتبطين بجهات
خارجية، حيث أثبتت العمليات الأخيرة في خيبر بختونخوا وديرة إسماعيل خان فعالية
هذه الاستراتيجية في تحييد التهديد قبل وقوع هجمات جديدة. ويعد التنسيق بين الجيش
ووكالات إنفاذ القانون ومشاركة السكان المحليين عاملاً محورياً في نجاح هذه
العمليات، إذ يسهم في جمع المعلومات الحاسمة حول تحركات الإرهابيين ومخازن الأسلحة
والذخائر.
إن استمرار الهجمات الإرهابية على الرغم من
الحملات الأمنية المكثفة يشير إلى الطبيعة المعقدة للتحدي الأمني في باكستان،
ويبرز الحاجة إلى نهج شامل يجمع بين العمل الاستخباراتي والعمليات الميدانية
والمبادرات المجتمعية لمكافحة التطرف. وتؤكد الحكومة أن مكافحة الإرهاب ليست مجرد
عملية أمنية قصيرة المدى، بل استراتيجية متكاملة تتطلب استمرارية العمل والتقييم
المستمر للتحديات الجديدة.
تؤكد هذه التطورات على أهمية الاستجابة
المستمرة لمخاطر الإرهاب من خلال استراتيجيات شاملة تتضمن الاستخبارات الفعالة،
والتنسيق بين الأجهزة الأمنية، والمشاركة المجتمعية، لضمان الحفاظ على استقرار
البلاد وسلامة المدنيين. وتستند حملة "عزم الاستقامة" إلى هذه الرؤية،
ما يجعلها محوراً رئيسياً في جهود باكستان لمكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن
والاستقرار في المناطق الحدودية الأكثر هشاشة.
