"الأسطول الخفي" تحت مقصلة العقوبات.. واشنطن تعطل شبكات النفط الإيراني العسكري وتستهدف وكلاءه الإقليميين
السبت 22/نوفمبر/2025 - 11:43 ص
طباعة
فاطمة عبدالغني
في خطوة تصعيدية جديدة ضمن استراتيجية الولايات المتحدة لمحاصرة القدرات العسكرية والاقتصادية الإيرانية، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عن حزمة واسعة من العقوبات التي تستهدف شبكة معقدة من شركات الواجهة ووسطاء الشحن وسفن "الأسطول الخفي" التي تعتمد عليها طهران في تمويل قواتها المسلحة عبر مبيعات النفط الخام.
ويأتي هذا التحرك بعد فترة قصيرة من الهزيمة التي مُنيت بها إيران في حرب الأيام الاثني عشر مع إسرائيل، وهي هزيمة انعكست على البنية العسكرية للنظام الإيراني ودفعت قواته إلى الاعتماد بصورة أكبر على عائدات النفط لتغطية ميزانيتها وتعويض خسائرها.
وتؤكد وزارة الخزانة أن هذه الإجراءات تمثل امتداداً لحملة ممنهجة تهدف إلى تجفيف مصادر تمويل الأنشطة النووية الإيرانية ودعم شبكات الوكلاء في المنطقة، إذ شدد وزير الخزانة سكوت بيسنت على أن تعطيل عائدات النظام بات ضرورة ملحّة لوقف اندفاعه نحو تطوير الأسلحة النووية.
وقد شملت الحزمة الجديدة إدراج ست سفن إضافية على قوائم العقوبات، ما يوسع نطاق الاستهداف لـ"الأسطول الخفي" الذي تعتمد عليه إيران في تهريب النفط إلى الأسواق الآسيوية، وقد فرضت إدارة ترمب عقوبات على أكثر من 170 سفينة مسؤولة عن شحن النفط والمنتجات النفطية الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى رفع تكاليف التصدير على إيران وتقليل الإيرادات التي تحصل عليها مقابل كل برميل.
وفي إطار التحرك ذاته، فرضت الخزانة عقوبات إضافية على شركة "ماهان إير" الإيرانية، المعروفة بدورها المحوري في توفير دعم لوجستي وتسليحي لفيلق القدس والجماعات التابعة له في لبنان وسوريا.
وتعتبر الوزارة أن الشركة ما تزال قناة مركزية لنقل الأسلحة والضباط والمعدات إلى ساحات الصراع التي تستثمر فيها إيران لإبقاء نفوذها الإقليمي قائماً، وهو ما يفسر استمرار الإجراءات الرامية إلى استهداف طائراتها وشركات الواجهة التي تعمل تحت مظلتها.
وتكشف التفاصيل أن شركة "سِپَهْر إنرجي جهان نما بارس" (Sepehr Energy Jahan)، الذراع المسؤولة عن مبيعات النفط لصالح الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، تعتمد على شبكة واسعة من الشركات في الإمارات وبنما واليونان والهند وغيرها، لتأمين عمليات النقل والتمويل وشراء السفن المستعملة في عمليات التهريب، فقد استعانت الشركة خلال 2024 و2025 بشركات عدة مثل Luan Bird Shipping Service وMars Investment لتمويل عقود استئجار سفن في الأسطول الخفي، وتولت شركة Oceanlink Maritime إدارة العمليات التشغيلية لنقل النفط، بينما استمرت شركات بنمية عدة في تشغيل سفن جرى تغيير أسمائها وتعديل وثائقها لإخفاء أصل الشحنة.
وتشير البيانات إلى أن بعض هذه السفن نقلت ملايين البراميل خلال فترات قصيرة، من بينها السفينة KALLISTA التي قامت بنقل ما يقارب 4 ملايين برميل في غضون شهرين فقط، والسفينة HEBE التي أعيد تصنيفها تحت اسم DAKSHA لتجنب الرصد.
وفي السياق نفسه، استخدمت الشركة الإيرانية شركات واجهة مثل Moon Line Plastics وAlsafeenah Althahabya لتزوير منشأ النفط عبر عمليات نقل من سفينة إلى سفينة في الخليج، أو عبر تمرير النفط على أنه "نفط ماليزي"، فيما تولت شركات هندية تشغيلاً مباشراً للسفن، ومن بينها SOBAR الخاضعة للعقوبات.
كما تكشف الإجراءات الجديدة تورط شركات ألمانية وإماراتية في شراء النفط الإيراني عبر أساليب معقدة تنطوي على استخدام سفن خاضعة للعقوبات، وإجراء عمليات نقل بحرية في ماليزيا وسنغافورة لإخفاء المسارات الحقيقية للشحنات، وشمل ذلك شركة BPT Berlin Petroleum Trading الألمانية التي سعت للحصول على ملايين البراميل عبر السفينة PANDA، وشركة Shandong Independent Energy التي اشترت شحنات تجاوزت قيمتها 70 مليون دولار.
وتسلط الخزانة الضوء على أن هذه العمليات لا تكتمل دون شبكة من الأفراد الذين يعملون على تزوير الوثائق، وإدارة السفن، والتلاعب بأنظمة التتبع الإلكترونية، وتوفير خدمات مالية وتقنية، وهو ما دفع المكتب إلى إدراج عدد من الإيرانيين والبلغاريين المتورطين في هذه الأنشطة.
وتؤكد البيانات أن "الأسطول الخفي" بات شريان الحياة الاقتصادي للنظام الإيراني في ظل الضغوط المتصاعدة، إذ تعتمد إيران على سفن شركات مثل Pioneer Tankers Marine التي نقلت خلال عامين أكثر من 10 ملايين برميل، إضافة إلى أسطول من السفن البنمية التي تعمل على نقل الغاز المسال والنفط إلى شرق آسيا عبر عمليات نقل بحرية معقدة تهدف لتضليل أنظمة الرقابة الدولية.
وفي سياق متصل، يبرز دور "ماهان إير" وشركاتها المرتبطة مثل Yazd International Airways في تأمين الجسر الجوي الذي تعتمد عليه الجماعات المسلحة التابعة لإيران في الشرق الأوسط، فقد تولت هذه الشركات نقل ضباط من الحرس الثوري إلى لبنان لدعم عمليات حزب الله، إضافة إلى نقل معدات عسكرية متنوعة إلى سوريا، بمشاركة شركات أجنبية ساعدت في تزويد طهران بطائرات غربية استخدمت في تلك العمليات، مثل شركة Macka Invest في غامبيا التي سهلت شراء طائرات A340.
ويرى المراقبون أن هذه الحزمة الجديدة تمثل واحدة من أكثر الممارسات الصارمة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية خلال العام الحالي، وأنها تأتي في وقت حساس تسعى فيه واشنطن إلى إعادة تشكيل خريطة النفوذ في المنطقة عبر تحجيم قدرات إيران العسكرية والمالية.
ويرى هؤلاء أن استهداف الشبكات العابرة للحدود يعكس فهماً أمريكياً أكثر دقة لطبيعة الاقتصاد الموازي الذي تعتمد عليه طهران لتجاوز العقوبات، وأن الإجراءات الجديدة ستضيق الخناق على مصادر التمويل المستخدمة في دعم الأنشطة النووية والعسكرية.
كما يشير المراقبون إلى أن استمرار الضغط على "الأسطول الخفي" سيجبر إيران على استخدام طرق أكثر تكلفة وتعقيداً، مما سيحد من قدرتها على تمويل وكلائها الإقليميين، خصوصاً في ظل التراجع العسكري الذي تواجهه بعد حرب الأيام الاثني عشر، ويعتقدون أن هذه الخطوة قد تمهد لتحولات أوسع في ميزان القوى الإقليمي إذا ما نجحت واشنطن في استثمارها ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى كبح النفوذ الإيراني وتقليص قدرته على إشعال بؤر الصراع في الشرق الأوسط.
