تمدد الإرهاب بغرب أفريقيا.. قراءة في تحولات الخطر نحو دول خليج غينيا
الثلاثاء 25/نوفمبر/2025 - 09:28 ص
طباعة
محمود البتاكوشي
يشهد غرب أفريقيا مرحلة حساسة تتقاطع فيها ديناميات الإرهاب، وانهيار المنظومات الأمنية، وتبدل خرائط التهديد، ومع تصاعد نشاط التنظيمات المسلحة في الساحل، أدرجت فرنسا أجزاء جديدة من شمال بنين وغانا وتوغو ضمن مناطق الخطر، في خطوة أثارت نقاشات واسعة حول دلالاتها، خصوصًا فيما يتعلق بغانا التي تعد من أكثر دول المنطقة استقرارًا ومتانة مؤسساتية.
يأتي تعديل التصنيف الفرنسي ضمن سياق إقليمي مضطرب، تتراجع فيه قدرة دول الساحل على احتواء التنظيمات الجهادية، بينما تتزايد الضغوط التي تدفع تلك الجماعات إلى البحث عن مساحات جديدة للتمدد.
ورغم ذلك، تشير تقديرات خبراء في المنطقة إلى أن غانا لا تمثل هدفًا مباشرًا في المرحلة الراهنة، إذ تتحرك الجماعات المسلحة وفق حسابات تتعلق بالكلفة والجدوى، ولا تجد في الساحة الغانية هشاشة كافية لفتح جبهة جديدة.
لماذا لا تستهدف الجماعات غانا الآن؟
الجماعات الناشطة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو تواجه أصلًا استنزافًا كبيرًا نتيجة العمليات العسكرية المتواصلة، هذا الإرهاق يقلص قدرتها على خوض معارك مفتوحة في بلد يمتلك مؤسسات أمنية أكثر جاهزية، وحدودًا تخضع لرقابة أفضل، ونسيجًا اجتماعيًا متماسكًا قادرًا على مقاومة الاختراق.
وبحسب آراء مختصين في ديناميكيات الجماعات المتطرفة، فإن هذه التنظيمات تعتمد دائمًا على البؤر الهشة: مناطق حدودية ضعيفة السيطرة، وقرى مهمشة تنعدم فيها الخدمات، وغابات توفر ملاذًا لوجستيًا، وغانا لا تقدم البيئة المثالية التي تعتمد عليها هذه الجماعات عادة في التأسيس والتمدد.
الاختراق الصامت قبل المواجهة
يشير محللون أمنيون إلى أن انتشار التنظيمات المسلحة في دول خليج غينيا لا يبدأ عادة بهجمات مباشرة، بل عبر توسع غير مرئي يستند إلى شبكات اقتصادية واجتماعية، تتسلل هذه التنظيمات عبر التهريب، والتجنيد المحدود، وبناء شبكات محلية صغيرة.
هذا النمط لا يظهر في شكل «عملية إرهابية» واضحة، لكنه يمهد لوجود طويل المدى قد يتحول لاحقًا إلى تهديد مباشر.
هذا النوع من الاختراق هو ما تخشى منه باريس، وترى أنه يمثل المرحلة الأولى في انتقال الأزمة من دول الساحل إلى جيرانها.
المثلث الساحلي.. مناطق الضعف الفعلية
ورغم أن غانا أقل عرضة للخطر، إلا أن بنين وتوغو تعدان الحلقات الأكثر هشاشة تمتد حدودهما الشمالية بمحاذاة مناطق ملتهبة داخل بوركينا فاسو؛ ما يجعلها معرضة لتسلل الجماعات عبر الممر الشرقي الذي يوفر بيئة ملائمة للعمليات بسبب تضاريسه، وضعف الخدمات الحكومية، ووجود مجتمعات مهمشة يسهل تجنيدها.
كما يكمن التحدي الأساسي في هذه المنطقة في قدرة الجماعات على استخدام هذه المساحات كمنصات خلفية للتحرك، وليس بالضرورة كجبهات قتال أساسية.
هل يمكن أن تتجه الجماعات مستقبلًا نحو غانا؟
احتمال انتقال الهجمات مباشرة إلى الأراضي الغانية ليس مطروحًا بقوة الآن، لكنه غير مستبعد على المدى المتوسط، فمع استمرار الضغط العسكري على الجماعات في مالي وبوركينا فاسو، يزداد احتمال بحثها عن هوامش جديدة أكثر أمانًا للتحرك، وقد تلجأ إلى اختبار قدرات غانا الدفاعية عبر عمليات صغيرة في النقاط الحدودية، بهدف قياس رد الفعل قبل التوسع.
كما يمثل تصنيف فرنسا الجديد إشارة إلى أن خطر الإرهاب يغير اتجاهه، وأن دول خليج غينيا قد تكون الساحة التالية إذا لم تتحرك بشكل استباقي لتعزيز أمن الحدود، وتطوير عملياتها الاستخباراتية، وبناء شبكات اجتماعية تحرم التطرف من البيئة المناسبة للنمو.
بينما ما يجري اليوم ليس إنذارًا بهجمات وشيكة على غانا بقدر ما هو تحذير من مسار زاحف يعيد تشكيل خريطة التهديدات في المنطقة، فمع تراجع نفوذ الجماعات في بعض مناطق الساحل، تتجه أنظارها إلى بيئات جديدة قد تمنحها فرصة لإعادة التموضع، والتحرك المبكر من دول خليج غينيا هو العامل الحاسم لمنع انتقال الصراع إلى حدودها، قبل أن يتحول «الاختراق الصامت» إلى واقع يصعب احتواؤه.
