17 حكماً بالإعدام تكشف الوجه الحقيقي لميليشيا الحوثي.. قمع يتغوّل وشرعية تتآكل
الثلاثاء 25/نوفمبر/2025 - 12:36 م
طباعة
فاطمة عبدالغني
تشهد الساحة اليمنية فصلاً جديداً من فصول الانتهاكات المروّعة التي ترتكبها مليشيا الحوثي، حيث تواصل الجماعة استخدام القضاء كأداة للانتقام وتصفية الخصوم، في مشهد يكشف بوضوح حجم الانهيار الأخلاقي والقانوني الذي بلغته خلال سنوات الصراع.
وفي هذا السياق جاء تصريح وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني محذراً من خطوة جديدة تتجاوز كل الخطوط الحمراء، بعد إصدار المليشيا أوامر بإعدام 17 مواطناً والحكم على آخرين بالسجن في محاكمات صورية تفتقر لأي شرعية قانونية.
هذه القضية، بما تحمله من مؤشرات خطيرة، لا تقتصر على كونها انتهاكاً فردياً، بل تعكس توجهاً ممنهجاً يعمّق حالة الرعب في مناطق سيطرة الحوثيين، ويدفع المجتمع اليمني إلى مواجهة مرحلة أشد قتامة من القمع والتضييق.
وفي شرحه لما حدث، أكد الإرياني أن ما تروّج له المليشيا من "اعترافات" مزعومة وتسجيلات معدّة مسبقاً لا يمثل سوى محاولة للهروب من أزماتها الداخلية، وتغطية تصدعاتها الأمنية والتنظيمية، في ظل اختراقات متصاعدة تضرب صفوفها القيادية.
ووصف الوزير تسريع جلسات المحاكمة وبث الاعترافات الملفقة بأنه استعراض إعلامي يهدف إلى خلق شعور زائف بالقوة، بينما الواقع يشهد احتقاناً شعبياً غير مسبوق وتراجعاً واضحاً في قدرة المليشيا على ضبط مناطق نفوذها. وفي إطار هذا السلوك، تلجأ الجماعة إلى اتهام المواطنين بتهم جاهزة، خاصة "التخابر"، لتحقيق غايات سياسية وأمنية، وتحويل الضحايا إلى أدوات في معاركها النفسية والإعلامية.
ولا تنفصل هذه القضية عن سجل طويل من الجرائم التي ارتكبتها الجماعة، أبرزها إعدام تسعة من أبناء تهامة في سبتمبر 2021 بعد محاكمة صورية استُخدمت فيها اعترافات انتُزعت تحت التعذيب. وقد شكّلت تلك الواقعة، وما رافقها من إدانات محلية ودولية واسعة، دليلاً دامغاً على أن الحوثيين اعتمدوا منذ وقت مبكر استراتيجية ثابتة تقوم على تصفية الخصوم تحت لافتة "التخابر"، وفرض منطق الترهيب كأداة سياسية وأمنية، وبات بث الاعترافات التلفزيونية قبل انعقاد المحاكمات ممارسة راسخة تعكس أن الأحكام تصدر مسبقاً، وأن ما يحدث لا علاقة له بالعدالة، بل هو مسرحية تعيد إنتاج نفسها مع كل أزمة تعيشها الجماعة.
ويحذّر الإرياني من أن هذه الخطوة تأتي في ظل حملة أوسع تستهدف العاملين في المنظمات الأممية والإنسانية، عبر تلفيق تهم التجسس لهم، بهدف السيطرة على مسار المساعدات وخلق بيئة طاردة تقوّض العمل الإغاثي في اليمن، ومع اعتماد ملايين اليمنيين على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، فإن هذا السلوك يهدد بتفاقم الكارثة الإنسانية، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات أخلاقية وقانونية عاجلة لوقف هذا الانفلات.
وفي مواجهة هذه التطورات، يطالب الوزير المبعوث الأممي والمفوضية السامية والمنظمات الحقوقية الدولية بالتحرك الفوري لوقف تنفيذ الإعدامات والإفراج عن المختطفين، والضغط لوقف استخدام القضاء كمنصة للتصفية والإرهاب، كما يحذّر من أن استمرار هذا النهج قد يمهّد لموجة جديدة من الإعدامات الجماعية، يكون العاملون في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أول ضحاياها، خصوصاً في ظل رغبة المليشيا الدائمة في تغطية فشلها عبر خلق أعداء وهميين وتقديم ضحايا جدد للرأي العام.
ويرى المراقبون أن ما يحدث ليس مجرد تصعيد عابر، بل مؤشر على مرحلة أشد خطورة في سلوك المليشيا، تقوم على تعزيز قبضة الحديد والنار وتعويض الانهيار الداخلي بالمزيد من البطش، ويعتبرون أن استمرار هذه السياسة دون ردع دولي جاد سيؤدي إلى توسع دائرة القمع، وإعادة إنتاج جرائم مماثلة لما حدث في 2021 وربما على نطاق أوسع، الأمر الذي يجعل التدخل العاجل ضرورة ملحة لوقف هذا المسار قبل أن تتحول المحاكمات الصورية إلى وسيلة ممنهجة لإعدام الأبرياء وفرض واقع أكثر قسوة على المجتمع اليمني.
