المرأة مشكلة أم حل؟!
الأربعاء 19/نوفمبر/2014 - 05:59 م
طباعة

الكاتب – الدكتور القس إكرام لمعي
الناشر – دار الثقافة – القاهرة 2014

- قس إنجيلي يدخل منطقة شائكة ويفجر قضية ملتهبة
- الصفات الأنثوية لله في الإنجيل المقدس
- الفصل الذي أسقطته الكنيسة من تعاليم الرسل والذي يسمح للمرأة التناول أثناء الدورة الشهرية
في إطار مشكلة رسامة المرأة قسيسة التي تلقي برأسها من حين إلى آخر في الكنيسة الإنجيلية- أصدر القس الدكتور إكرام لمعي دراسة مثيرة للجدل تحت عنوان المرأة مشكلة أم حل؟ تعرض فيها لعدد من القضايا الساخنة والتي تنحاز في مجملها للمرأة ومساواتها وتكريمها.
بداية مع المرأة

وأكد أن الفكر اللاهوتي المسيحي في القرون الخمسة الأوائل يتحدث عن أن العذراء مريم هي حواء الثانية. كما أن هناك آدم الثاني "السيد المسيح"، والعذراء مريم هي أيضاً رمز الكنيسة عند القديسين الكبار "أمبرسيوس" و"كبريانوس" و"إفرايم السرياني" وعند "ترتليان". وكثيرين من الآباء، ونجد هنا فكرة مهمة جداً تقول إنه بتجسد المسيح من العذراء أعيدت المرأة إلى كرامتها الأولى والتي فقدتها +بالخطية، ويستشهد بقول القديس غريغوريوس النزينزي: "كل من لا يحب النساء يكره الكنيسة، ومن يحتقر المرأة يحتقر الكنيسة".
لقد أخذت المرأة مكانتها في الكنيسة عندما ارتبطت في كتابات الآباء بعلاقة السيد المسيح بالكنيسة. وهناك شواهد قانونية على أن المرأة تمارس في الطقس السرياني "الدسقولية السريانية"- كتاب تعاليم الرسل- دهن المرأة البالغة بزيت الميرون بعد المعمودية وهو الحق المعطى للأسقف فقط. وهناك نصوص عن تكريس المرأة لدرجة الشماسية ووضع اليد عليها واستدعاء الروح القدس. وسمح للمرأة في الطقس البيزنطي أن تدخل الهيكل وتناول من الكأس للآخرين.؟!!- هذا الآن أمر فوق الخيال في الفكر الأرثوذكسي- الذي يمنع المرأة من دخول الهيكل- ويقول لمعي:
توقفت الممارسات الطقسية الخاصة بالنساء نسبة للظروف الاجتماعية التي تغيرت والتي تسيدت فيها الرهبانية على الكنيسة. فأخفت دور العلمانيين من رجال ونساء، فأصبح الراهب هو الأسقف وهو الكاهن.
وقفت المسيحية في القرون الأربعة الأولى تماماً ضد الهرطقات التي وضعت المرأة في درجة دونية مثل المانوية والغنوسية والآريوسية والنسطورية.
إن تجربة القرون الثلاثة الأولى ما قبل "نيقية" توضح أن لاهوت الكنيسة حينئذ كان يعتبر أن جماعة الرب في الكنيسة صورة أرضية للثالوث، ويعتمدون في ذلك على ما جاء في إنجيل يوحنا 17: 21 "ليكون الجميع واحداً" أي أن الكنيسة تصبح على مثال وحدة الآب والابن والروح القدس.
وهذه الوحدة قائمة على التمايز بين كل أقنوم مع وحدة الجوهر. تمايز في العمل لكن يظل الثالوث ثالوثاً. ومن هنا يقدر اللاهوتيون وضع المرأة في الكنيسة في إطار الثالوث فلا توجد عوائق على أساس النوع: ليس رجل وامرأة، عبد أو حر، ولكن هناك تمايزاً في الوظائف. وهذا التمايز في الوظائف يعطي الكنيسة حرية اختيار القيادات وحرية الحركة والاختيار على أساس الموهبة وليس على أساس الجنس أو النوع، وهكذا تتجسد علاقة الرجل والمرأة في الكنيسة وتتحقق من علاقة المسيح بالكنيسة .
أما القديس يوحنا ذهبي الفم، فقد كان يتحدث عن المرأة بمنتهى القسوة في شبابه، وعندما تعرف على الشماسة أولمبية الأرملة الفتية النشيطة الرسولية المضيافة الأرستوقراطية الفكر والعطاء قال عن المرأة: "من المألوف أن تبقى المرأة في المنزل في حين ينصرف الرجل إلى شئون المدينة".
أكثر شجاعة من الرجل

أما في الصراعات والمحن التي يجب احتمالها من أجل الكنيسة، فنجد أن المرأة أكثر شجاعة من الرجل، فإذا كان ينبغي أن يخوض الإنسان هذه الصراعات وأن يجابه هذه الأتعاب فالمرأة في هذه الحالة متقدمة على الرجل؛ الأمر الذي هو مخالف للناموس عند بولس الرسول، حيث إنه في الترتيب الحضاري يكون الرجل رأس المرأة ولكنه ترتيب أفسدته +الخطية. فإذا كانت المرأة سباقة في الصراع لحماية الكنيسة فهي إذن رأس الرجل. وعلى كل حال لا يستطيع أحد منا أن يكون رأساً إلا إذا كان رأساً فعلياً. فالإنسان لا يخترع لنفسه وضعاً لا أساس له فهو يكون أو لا يكون. الإنسان زعيم أو لا زعيم. رئيس أو نفر. فطبيعة الأشياء هي هكذا وبهذه البساطة فمن كان سباقاً في خوض المعارك المسيحية يكون هو الرأس وحتى الآن لا أستطيع أن أعرف ماهية المرأة، فأنا لا أعرف ماهية المرأة كما لا أعرف ماهية الرجل، لكني أستطيع أن أعرف ماهية الرجل والمرأة معاً في المسيح. لاهوتياً ليس عندي ما يخبرني أن المرأة منفصلة عن الرجل ومنفصلة عن المسيح لكني أراها في مسيرة مع الرجل في المسيح، وإذا لم تكن في هذه المسيرة فهي في بحر الظلمات كالرجل".
يقول المطران جورج خضر تعليقاً على كلمات يوحنا ذهبي الفم: "لماذا أصبح الحديث عن الإنسان كذكر وأنثى فاسداً مشيراً للحيض، على الرغم من أن هناك نصاً مسيحياً يسمح للمرأة بالمناولة، مناولة القرابين في أي حال وفي أي طور؟". وإجابتي أن العهد القديم هو الذي أفسد الحديث عن المرأة عندما تسرب إلى القوانين المجمعية بفعل فاعل. يقول د.جورج بباوي في محاضرة بعنوان "المرأة- دراسة في الآباء والقانون الكنسي": "ليس لدينا في كتابات الآباء من فسر طاعة المرأة كطاعة العبد للسيد أو كطاعة الأقل للأعظم. إن الكنيسة تطيع الرب وتدعوه سيدي؛ ليس لأن الكنيسة في أغلال العبودية بل لأنها ذاقت المحبة الإلهية".
وفي تفسير رائع لكلمات بولس: "المرأة التي تصلى أو تتنبأ ورأسها غير مغطى تشين رأسها" (1كو11: 5). يقول العلامة القبطي ديديموس الضرير في حواره مع مهرطق: "إن الكتاب المقدس زاخر بأمثلة هامة لنساء علمن الرجال مثل دبورة النبية، وأن الذي يرفضه بولس هنا هو أن تتكلم المرأة في الكنيسة ورأسها غير مغطى بمعنى أن تتكلم دون العودة إلى المراجع والكتب والمؤلفات التي تعالج موضوعات الإيمان، وهذا هو معنى أن يكون الرأس مغطى... وحتى العذراء مريم كانت تستر رأسها وكان ستر رأسها هو الإنجيل الذي كتبته الرسل. فهي لم تكتب إنجيلاً لكنها اختفت خلف كتابات الرسل التي غطت بها رأسها". وهذا تفسير رمزي رائع لغطاء الرأس فالرأس يعني العقل وعليها أن تغطي رأسها بالإنجيل ولا تقول من عندياتها (أو تأليفها) وإذا لم تفعل. فهي تسيء إلى رأسها (عقلها).
وفي العظة رقم 30 ليوحنا ذهبي الفم على رسالة رومية يقول: "إن المرأة ليست ممنوعة من التعليم؛ لأن بريسكلا هي التي علمت أبلوس الإيمان" وفي العظة 40 يقول: "المرأة لها حق التعليم تماماً مثل الرجل". وفي العظة 10 يقول عن رسالة تيموثاؤس الثانية سلموا على بريسكلا وأكيلا: "إن الرسول ذكر المرأة قبل زوجها؛ لأنها هي التي علمت أبلوس" وفي عظة أخرى يقول: "ليست بريسكلا وحدها بل نساء أخريات مثل برسيس وتريفينا وتريفوسا هؤلاء علمن رجالاً" (رو16: 6- 12).
وفي القرن الخامس تقول المصادر السريانية والبيزنطية: إن خدمة المرأة تقدمت كثيراً وأصبحت المرأة الشماسة تقدم الكأس في القداس الإلهي لا سيما في الأديرة. وكانت تقرأ الإنجيل وتلبس ملابس الشماس. وتقدمت الكنيسة الأشورية (النسطورية) وأعطت المرأة الشماسة أن تبارك النساء وأن تعظ. وحتى هذا القرن لم يكن هناك أي حديث عن نجاسة المرأة بسبب الحيض (العادة الشهرية) أو الولادة... إلخ.
الانتكاسة

أما بعد ذلك في القرن السابع والثامن تدهور التعليم اللاهوتي وحتى اليوم بسبب العودة إلى العهد القديم في الأحكام ثم ظهور الإسلام، وهي ديانة لا تختلف عن اليهودية في نظرتها للمرأة وإلى نجاسة الجسد؛ ولذلك ظهر في القرن الثاني عشر وليس قبل ذلك القانون الخاص بعدم دخول المرأة لتعميد الطفل قبل أربعين يوماً للذكر وثمانين للأنثى لكي تكمل أيام تطهيرها.
وما أعظم الفارق بين القانون الكنسي في الفترة ما بين القرن العاشر والقرن الثاني عشر والقانون الكنسي في القرون الخمسة الأولى! ولدينا في المصادر القديمة تلك القطعة الرائعة التي كتبها أثناسيوس الرسولي حوالي عام 339م. والتي ناقش فيها موضوع إفرازات الجسد. ولب هذه الرسالة "أن الجسد لا يتنجس إلا بالخطية؛ لأنه يؤدي وظائفه الحيوية. فمن المستحيل أن يتنجس وهو يتمم ناموس الخلق".
يقول كتاب الأحكام الرسولية وهو ما يعرف باسم "الدسقولية": "إن المرأة الطامث تنفذ ناموس الخليقة ولا يفارقها الروح القدس في مدة طمثها، فهي تصلى وتقرأ الكتاب المقدس وتتناول من الأسرار المقدسة" (ك3: فصل 24-النص اليوناني). وهذا النص بالذات معروف في الدسقولية السريانية ثم الدسقولية العربية.( تعاليم الرسل ) الذي تعتمد عليه الكنيسة القبطية ككنيسة تقاليدية- لكن ما هو جدير بالملاحظة أن الناسخ القبطي في القرن الثالث عشر أسقط هذا الفصل تماماً وحول الدسقولية من 45 فصلاً إلى 39 فصلاً كل هذا وغيره الكثير كان له الدور الرئيسي في تدنى وضع المرأة في الكنيسة والمجتمع المصري.
الصفات الأنثوية لله!!
ويستمر لمعي في دراسته الشيقة مفجرا القنابل الشائكة، حيث يقول: إن الله ينسب لنفسه صفات أنثوية في الكتاب المقدس، نعلم أن الله منزه عن الجنس. فلا يمكن أن نقول: إن الله رجل أو امرأة؛ لأن الله روح "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يو4: 24).
والكتاب المقدس رغم أنه كتاب الله إلا أنه كتب بلغة البشر لكي يستطيعوا أن يدركوا ما يريد الله أن يحدثهم عنه. فمثلاً بما أن الله روح. فليس له عين أو يد أو قدم والذي يمتلك هذه الأعضاء هو الإنسان وذلك لكي ندرك كيفية رؤية الله لنا. يقول الكتاب: "لأن عينيه على طرق الإنسان وهو يرى كل خطواته" (أى 34: 21). "رأت عيناك أعضائي" (مز139: 16). وعندما يتحدث عن عمل الله في الخلق يقول: "يداك كونتاني" (أى 10: 8) وعندما يريد أن يعبر عن أن الله يسمع. يقول: "وصياح الحصادين قد دخل إلى أذني رب الجنود" (يع5: 4). وهكذا ينسب الكتاب حواس الإنسان إلى الله لكي نستطيع أن نذرك مواقف الله منا كأشخاص وكيفية تعامله معنا.
وعلى نفس هذا المستوى ينسب الله إلى ذاته تعبيرات ذكرية أو أنثوية لا لكونه ذكراً أو أنثى. حاشا. لكن لكي ندرك نحن المعنى الذي يريد الله أن يخبرنا به. فنحن ذكور وإناث، فمثلاً في (1 يو3: 9): "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية؛ لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله". وعملية الولادة أمر بشري بحت تختص به الأنثى. لكن الله أراد أن يقرب لنا معنى التغير الذي يحدث للإنسان لكي ندركه. وعلى امتداد الكتاب المقدس نلاحظ أن الله ينسب لنفسه تعبيرات أنثوية كما ينسب لنفسه تعبيرات ذكرية مثلاً (إش 42: 13): "الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته ويصرخ ويقوي +أعدائه". وهنا نرى الله يستخدم صفات رجل جبار قوي محارب. وفي العدد التالي مباشرة يقول: "قد صمت منذ الدهر سكت تجلدت كالوالدة أصيح وأنفخ وأنخر معاً" (إش42: 14) وهنا صفات أنثى تحبل وتلد وهو ما يخجل أن يتحدث عنه الرجل الشرقي أو ينسبه إلى نفسه، وإذا نسبه إليه آخر يعتبر هذا سبة أو شتيمة ويمكن أن تحدث معركة حامية الوطيس بسبب ذلك. وعلى نفس هذا المستوى نقرأ في (أى 38: 28، 29): "هل للمطر أب. من ولد مآجل الطل؟ من +بكن من خرج الجمد صقيع السماء من ولده؟".
- "هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها حتى هؤلاء +ينسبن وأنا لا أنساك" (إش49: 15).
- "اسمعوا يا بيت يعقوب وكل بقية بيت إسرائيل المحملين على من البطن المحمولين من الرحم إلى الشيخوخة أنا هو وإلى الشيبة أنا أحمل قد فعلت وأنا أرفع وأنا أحمل وأنجى" (إش46: 3، 4).
- "بل هدأت وسكت نفسي كفطيم نحو أمه نفسي نحوي كفطيم" (مز131: 2).
ولقد نسب الله لنفسه صفات أنثوية تساوي في العدد تقريباً الصفات الذكورية التي نسبها إلى نفسه ليعلن فكر الله العام.
من هذا. نرى أن الفكر اللاهوتي العام يعلن تساوي الرجل والمرأة ليس هذا فقط بل أن الله عندما يتحدث مرة عن إسرائيل كابن يتلوها مباشرة عنه كابنة (إر31: 20): "هل إفرايم ابن عزيز لدى أو ولد مسر لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذكراً من أجل ذلك حنت أحشائي إليه رحمة أرحمه يقول الرب"
(إر31: 21) "انصبي لنفسك +صوى اجعلي لنفسك أنصاباً اجعلي قلبك نحو السكة الطريق التي ذهبت ارجعي يا عذراء إسرائيل ارجعي إلى مدنك هذه".