بيان الإخوان.. محاولة للخروج من العزلة ومغازلة مرشح رئاسي
السبت 10/مايو/2014 - 11:24 م
طباعة
طالبت جماعة الإخوان المسلمين شباب الجماعة بعدم مقاطعة الانتخابات الرئاسية، ووجهت إليهم دعوة للمشاركة في الانتخابات المقبلة بدعوى "مصلحة الوطن"، جاء ذلك في البيان الذي نشره الموقع الرسمي لهم "إخوان أون لاين"، والذي نص على: "الشعب هو المالك الحقيقي للأرض وما عليها، وهو المنشئ والمالك لكل المؤسسات، ومن حقه أن يختار من يشغلها أو يضع قواعد اختيارهم، ويضع ضوابط عمل هذه المؤسسات وأدوات الرقابة عليها، فالشعب هو السيد، وهو مصدر السلطات، في ضوء هذه المبادئ التي تتفق مع الإسلام وشريعته نصاً وروحاً، تؤمن جماعة الإخوان المسلمين أن الالتزام بها واجب شرعي، وأنها السبيل لتحقيق الاستقرار والأمن والعدل والولاء، وتحقق التقدم والنهضة، لذلك فإن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى تصحيح الأوضاع المنقلبة، بأن يعود الشعب هو السيد وهو مالك الدولة ومؤسساتها، وهو الذى يحكم نفسه بنفسه عن طريق نوابه، ويختار حاكمه وبرلمانه بحرية ونزاهة كاملة... إلخ".
القراءة الأولى للبيان – الذي اتسمت لغته – بالمهادنة والمداهنة، وليس بالتطرف كبقية حال باقي رسائل الإخوان، في محاولة لنفي صفة الإرهاب عن نفسها في مواجهة الدولة والمجتمع، وأن كل ما تتعرض له من حملات تشويه ادعاءات باطلة، تقدم عليها المؤسسة العسكرية بهدف استكمال مخطط خنق الجماعة والذي بدأته – على حد وصفهم – منذ "إنقلاب" يوليو 1952، وأنها حرصا منها على "مصلحة البلاد" و"إرساء للديمقراطية" وبناء مؤسسات "الوطن"، فهي تطالب شبابها بالقيام بواجبهم القومي في المشاركة في الانتخابات الرئاسية – حتى يزيح الله عنهم الغمة!!
ولكن البيان اكتنفت لغته الغموض ، وهو الامر الذي أشار إليه كثير من المتابعين وخلق حالة من الإلتباس في التعامل معه وصلت إلى كوادر وشباب الجماعة وقواعدها، فالبيان لم يتضمن مطالب محددة أو رسالة واضحة، كما هو الحال في بيانات الجماعة الأخيرة والتي أعقبت ثورة 30 يونيو، في دعم شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي، أو تنظيم مسيرات للتنديد بما وصفوه بـ"الانقلاب العسكري" ... إلخ، مفاجأة البيان هذه المرة أنه تجاهل محمد مرسي ولم يأتي ذكر اسمه قط في البيان على الإطلاق، كما تجاهل مطالبها السابقة بدعم شرعيته، في تحول جديد لموقف الجماعة الذي اتسم بالتعنت طوال الفترة الماضية، والتي اقتربت من العام، ليخرج علينا الإخوان هذه المرة ببيان مبهم متعدد الأوجه والدلالات، يحتمل تأويلات عديدة تختلف عند قراءتها من شخص لآخر، ليكون البيان أحجية جديدة يطرحها الإخوان في محاولة لإثارة الجدل وبلبة الرأي العام قبيل الانتخابات الرئاسية.
أثار البيان هذه المرة جدلا واسعا وردود فعل متباينة، فالبعض اعتبرها مراوغة سياسية جديدة من الإخوان للعودة مرة أخرى إلى المشهد السياسي المصري، واغتنام بعض المكاسب السياسية، بعدما أيقنت تمام اليقين أن محمد مرسي أصبح ورقة محروقة لن تحقق الجماعة من وراءها أي مكاسب تعود على التنظيم، كما أن المجتمع المصري وسياسيها صما أذانهم عن عودته أو عودة الجماعة، فيما اعتبر البعض الآخر البيان رسالة موجهة للتنظيم الدولي وليس لشباب الجماعة المنشق أو حتى لقواعده التي تسانده، في حين قرأ البعض الرسالة على إنها نداء واضح لدعم حمدين صباحي المرشح اليساري، ضد المشير عبد الفتاح السيسي، في حرص منهم على عدم وصول أي مرشح ذو خلفية عسكرية للحكم مرة أخرى.
البيان الذي أثار العديد من التساؤلات فرضت نفسها، لا تجد حتى الآن إجابة شافية ولكن هناك عدد من القرائن التي يجب أن نضعها في الاعتبار عند قراءة البيان وهي، أولا: الدلالة الواضحة وضوح الشمس في هذا البيان أن جماعة الإخوان لن تبقي على أي شخص أو تتمسك به إذا وجدت أن هذا الدعم أو التمسك سيكون له بالغ الضرر على وجود التنظيم ككيان، لأن وجودها على قيد الحياة السياسية خطا أحمر لن تسمح لأي من كان أن يهدده، ثانيا: أن البيان ما هو إلا إتباع لسياسة الإخوان القديمة التي تعتمد على مبدأ إتقاء شر الأنظمة عندما تكون قوية وموقف الإخوان ضعيف فتلجأ في تلك الحالة، إلى عقد الصفقات مع تلك الأنظمة.
في الوقت نفسه أثار البيان عدد من التساؤلات منها أولا: لماذا هذا التوقيت بالتحديد؟ إذا كان هناك نية مُبيّتة لدعم مرشح بعينه فلماذا تأخر الإخوان في إصدار البيان؟، أم أن تصريحات المشير السيسي والتي أدلى بها في حواره التلفزيوني الاسبوع الماضي – والتي قطع فيها بعدم وجود لجماعة الإخوان طوال فترة حكمه حال وصوله - دقت ناقوس الخطر لديهم في دخول الجماعة للمحنة الثالثة عبر تاريخها، ليستشعروا أن وقت المماطلات والابتزاز قد أزف، وأن عليهم أن يتحركوا في اتجاه مغايرا تماما بعيدا عن نهجهم أو سياستهم!!
ثانيا: هل رأوا في حمدين صباحي رجل موائمات قد يقبل تحت ضغط عدد من الممارسات بعودة الجماعة للمشهد السياسي المصري مرة أخرى؟!!، ولذا سعت لمغازلة صباحي حتى يكسب الكتلة التصويتية لجماعة الإخوان والمنتمين إليها، في محاولة لابتزازه حتى يصل إلى الاتحادية ؟!!
أم أن هذه رسالة موجهة لدول العالم الغربي، لتنفي عن نفسها ما وصفت به مؤخرا بـ"الإرهابية"، وتبين للعالم أنها جماعة سلمية تدعم بناء البلاد، فيستمر الضغط الدولي على مصر بفرض الجماعة على أنها فصيل لا يجب تجاهله في العملية السياسية!!
مدى استجابة أي من المرشحين للبيان، وما سيحمله من نتائج وقراءات في الفترة المقبلة هي عملية مرهونة بالوقت ومتغيرات الظروف السياسية القادمة.