فيلم مسيء لمؤسس "عسكر طيبة".. يهدد بإشعال الحرب بين باكستان والهند
الأحد 23/أغسطس/2015 - 12:43 م
طباعة
فجأة وبدون مقدمات أصدرت محكمة باكستانية قراراً يقضي بحظر عرض فيلم هندي يسيء لسمعة زعيم جماعة إسلامية متشددة في كشمير، وأحد المطلوبين للولايات المتحدة الأمريكية بتهمة الإرهاب.
أزمة فيلم الشبح
وكان الزعيم السياسي الباكستاني حافظ سعيد مؤسس تنظيم "عسكر طيبة"- الجناح العسكري لتنظيمه السياسي جماعة الدعوة المتهمة بعدة عمليات هدّدت أمن الهند-، تقدم بدعوى إلى محكمة لاهور العليا لوقف فيلم Phantomh (الشبح) مطلع أغسطس الجاري.
واعتبر سعيد الفيلم "دعايةً قذرةً" تشوه صورته وصورة التنظيم الذي يتزعمه، حسب صحيفة Times of India.
وقال محامي سعيد إنه "من الواضح أن محتوى الحوار في الفيلم سيسمم أفكار الجمهور في باكستان، وسيصور حافظ كإرهابي".
وبناء على الدعوى، قرّرت محكمة لاهور العليا حظر فيلم Phantomh الذي سيعرض في الهند وبعض البلدان العربية في 28 أغسطس، وهو من بطولة كاترينا كييف وسيف علي خان.
من جانبه، علق خان، وهو ممثل هندي في أفلام بوليوود. وهو من عائلة مسلمة، على قرار منع عرض Phantomh في باكستان بالقول: إن "الناس سيشاهدون الفيلم أكثر. شكرًا على الدعاية”.
أحداث بومباي
ويروي الفيلم قصة عن فترة أعقبت تفجيرات نوفمبر 2008 الإرهابية في بومباي، والتي اتهم وقتها سعيد بالوقوف وراءها، وتم اعتقاله من قبل السلطات الهندية والتحقيق معه ومع كبار القادة في تنظيميه، لكن السلطات أفرجت عنهم جميعًا بعد تحقيق قصير.
وقام مجموعات من المسلحين بالهجوم على عدد من الفنادق الفاخرة والمطاعم الشهيرة والمستشفيات ومحطات القطارات المكتظة في المدينة التي يزيد عدد سكانها عن 13 مليون نسمة؛ مما تسبب في مقتل 195 شخص، وجرح مئات آخرين واحتجاز عدة سياح أجانب.
واستمرت العمليات الأمنية ضد المهاجمين الذين تحصنوا في عدد من المواقع بينها مركز يهودي وفندق تاج محل حتى أعلنت الشرطة الهندية السبت 29 نوفمبر 2008 انتهاء حالة "حصار مومباي".
من بين المواقع التي استهدفتها الهجمات "فندق برج وقصر تاج محل" الشهير في المدينة والذي يعتبر من أهم معالمها، والذي شوهدت سحابة ضخمة من الدخان الأسود والنيران التي اندلعت فيه، بعد إلقاء المهاجمين عدد من القنابل داخله وحوله، ثم قاموا باحتجاز مجموعة من الرهائن في الفندق، كذلك "فندق أوبروي ترايدنت" الفخم في المدينة الذي حاول الجيش الهندي اقتحامه، إلا أن مجموعة من الرهائن لا تزال محتجزة بداخله. وشملت الهجمات محطة شاهترابتي شيفاجي المركزية (فيكتوريا سابقًا) للقطارات والتي تعد من معالم المدينة.
ومن بين المواقع التي استهدفت مجمع سكني هو "ناريمان هاوس" حيث يقطن مجموعة من اليهود والإسرائيليين، ويوجد بداخله مركز ثقافي يهودي حيث قتل المسلحون اثنان في شقتهم إضافة إلى فتى مراهق قضى عندما قفز من شقته، كما احتجز عدد من الرهائن في المبنى بينهم حاخام وزوجته. فيما ظل مسلحون يحتجزون رهائن داخل المركز لتنتهي العملة في 28 نوفمبر باقتحام قوات كوماندوز هندية المركز وقتل مسلحين اثنين في حين عثرت على 5 رهائن داخل المركز قتلى في مومباي.
حافظ سعيد
ولد حافظ سعيد عام 1945، هو أستاذ سابق للدراسات الإسلامية بجامعة الهندسة والتكنولوجيا في لاهور.. أنشأ جماعة عسكر طيبة كجناح مسلح لحزبه المعروف باسم حزب مركز دعوة الإرشاد، وذلك في موريديخاي، وهي بلدة صغيرة قرب لاهور شرقي باكستان.
في عام 2002 حظرت السلطات الباكستانية رسميا عسكر طيبة، التي تتبنى فكر مدرسة أهل الحديث، وهو الفكري المنتشر في باكستان. وقبل حظرها بفترة وجيزة، ترك سعيد الجماعة، متجها إلى العمل الخيري، حيث أسس منظمة باسم "إدارة خدمات خلق" أو "منظمة مساعدة الناس"، مرددًا أنه قطع كل علاقاته بعسكر طيبة.
ومنذ ذاك بدأت عسكر طيبة العمل تحت اسم جديد، هو جماعة الدعوة، وتدار حاليًا من قبل قاري عبد الواحد الكشميري، الذي كان يومًا عضوًا في حزب مولانا سعيد السياسي، ووجهت "جماعة الدعوة" أنشطتها إلى الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير.
وفي عام 2005، ألقي القبض على سعيد لمدة تزيد عن الشهرين من جانب السلطات الباكستانية، واحتجز دون توجيه أي اتهام له، ثم أفرج عنه بموجب تسوية جرت ما بين عائلته والسلطات.
وحاليًا تدير منظمته الخيرية 200 مدرسة ثانوية، يطلق عليها اسم "مدارس الدعوة"، بجانب كليتين للعلوم الشرعية، كما تقدم المنظمة خدمات طبية مختلفة، مثل خدمات الإسعاف، والعيادات المتنقلة، وبنوك الدم.
وقدمت "إدارة خدمات خلق" الكثير من الخدمات في الشطر الباكستاني من كشمير، وجذبت اهتمامًا عالميًّا بمساعداتها لمنكوبي الزلازل التي ضربت باكستان، خاصة الزلزال الذي ضرب جنوب شرقي إقليم بلوشستان.
يعتبر حافظ محمد سعيد من أكثر الأشخاص المطلوبين في الهند وذلك وفقا لمصادر متعددة؛ وذلك للاشتباه بوجود صلة بين جماعة جيش طيبة وتورطها في هجمات مومباي 26 نوفمبر 2008.
وفي ديسمبر 2008، أعلن مسئولان كبيران في الحكومة الباكستانية والشرطة أن حافظ سعيد سيوضع تحت الإقامة الجبرية في باكستان. وقال مسئول كبير في الحكومة طالبًا عدم الكشف عن اسمه: إن "الأوامر صدرت بوضع حافظ سعيد وكذلك ثمانية مسئولين آخرين (في جماعة الدعوة) قيد الإقامة الجبرية".
مطلوب إرهابي
ويعيش سعيد- بروفيسور اللغة العربية والهندسة- وضعًا مربكاً، فهو مطلوب بتهمة الإرهاب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بمكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار، ومنظمته على قائمة الإرهاب التي أصدرتها الأمم المتحدة في العام 2005.
وهو ينفي في كل مناسبة ضلوعه في أي نشاط غير سلمي، كما أن باكستان لم تعلّق رسميًا على قرار الولايات المتحدة باعتباره إرهابيًا مطلوبًا للعدالة، لكنها أعلنت أكثر من مرة أنها لن تتخذ إجراء بحقه دون الرجوع إلى الشرطة والقضاء.
وهو ليس مطلوبًا لدى السلطات الباكستانية، بل وأنه عقد اجتماعًا كبيرًا لأتباعه في ديسمبر 2014 حضر فيه مؤيدوه من كل أنحاء باكستان إلى لاهور، فيما عرف بـ "مسيرة الخيمة"؛ لأن المدينة امتلأت بمئات الخيام التي ضمت مؤيديه بينهم ناشطون من منطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان.
أزمة بين الهند وباكستان
تشهد العلاقات بين باكستان والهند أزمة كبيرة تهدد بإشعال حرب بين الدولتين النوويتين، في ظل انهيار محادثات السلام المزمعة بين إسلام أباد ونيودلهي قبل ساعات من بدايتها اليوم الأحد، مما يثير تساؤلات عن مدى رغبة الخصمين اللدودين في التغلب على انعدام الثقة المتبادل المستمر بينهما منذ انفصالهما قبل نحو سبعين عامًا، وهو ما يفسر رفض الحكومة الباكستانية عرض فيلم مسيء لأهم حلفائها في كشمير "حافظ سعيد" والذي يتمتع بعلاقات قوية مع المخابرات السكرية، للمزيد اضغط هنا
وهذه هي المرة الثانية التي تلغى فيها محادثات السلام بين البلدين المجاورين اللذين يتمتعان بقدرة نووية، منذ أن تولى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي منصبه في مايو من العام الماضي، واختيار كل من البلدين الدخول في حرب كلمات قبل اجتماع مزمع مدته يومان بين كبار المستشارين الأمنيين في البلدين.
وكان من المقرر أن يسافر مستشار رئيس الوزراء الباكستاني لشئون الأمن القومي إلى نيودلهي هذا الأسبوع، لعقد مباحثات مع نظيره الهندي. وهدف هذه المباحثات التي تعتبر الأولى على هذا المستوى، هو «مناقشة كافة الموضوعات المتعلقة بالإرهاب».
ومنذ أن اتفق مودي ونظيره الباكستاني نواز شريف في روسيا الشهر الماضي على إجراء المحادثات زادت انتهاكات وقف إطلاق النار عبر الحدود بين البلدين ويخشى المحللون أن تزيد.
ورفضت باكستان طلب الهند إلغاء اجتماع مع زعماء انفصاليين من إقليم كشمير المتنازع عليه قبل محادثات حاسمة بين ضباط الأمن من الخصمين اللدودين في نيودلهي.
وأصرت باكستان على إجراء محادثات مع الزعماء الانفصاليين وهي خطوة قالت نيودلهي عنها يوم الجمعة إنها غير مقبولة. وردت باكستان بقولها إنها لن تلتزم "بنصيحة" الهند.
وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان: إن "باكستان ما زالت مستعدة لحضور اجتماع (مستشاري الأمن القومي) دون أي شروط مسبقة."
وكانت الهند قد ألغت محادثات سلام مع باكستان قبل عام بعد أن أجرت جارتها مشاورات مع الانفصاليين قبل اجتماع بين وكيلي وزراتي الخارجية في البلدين.
وقال مسئول بارز بوزارة الخارجية في نيودلهي: "كنا نريد إجراء محادثات لبناء الثقة لكن إسلام آباد رفضت طلبنا."
وقال فيكاس سواروب المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية: إن عرض باكستان للاجتماع مع الانفصاليين "لن يكون مناسبًا" أو "بما يتفق مع روح" تعهد بأن تحارب الدولتان على نحو مشترك خطر المتشددين.
واشتبكت الهند التي بها أغلبية هندوسية وباكستان المسلمة في ثلاث حروب منذ استقلالهما في عام 1947 اثنين منها بسبب إقليم كشمير الذي تزعم كل دولة حقها في السيادة عليه بالكامل، لكنها تحكم جزءا منه.
واعتبر سياسيون هنود سكوت الحكومة الباكستانية، عن نشاط سعيد هو مزيداً من الدعم " لشرعية نشاطه”، وهي التي تتهمه بعدة حوادث أمنية في الهند، وهو المطلوب الأول لدى الحكومة الهندية.
المشهد الباكستاني
في ظل التوتر الذي تشهده الأوضاع بين باكستان والهند يأتي قرار الحكومة الباكستانية بمنع فليم مسيء لشخصية متطرفة "حافظ سعيد" متهم بتنفيذ العديد من العمليات ضد أهداف هندية في اقليم كشمير المتنازع عليه، أو في الداخل الهندي، وهو ما يستفز الجانب الهندي، التي توجه اللوم لباكستان على دعهما لجماعة «عسكر طيبة» التي تتخذ من لاهور الباكستانية قاعدة لها، والتي تتهمها نيودلهي بتنفيذ هجمات بومباي عام 2008 التي أوقعت 160 ضحية من المدنيين.
بالإضافة للإيقاع البطيء الذي تتم به محاكمة «ذكي الرحمن لخوي» الذي تعتبره الهند العقل المدبر لتلك الهجمات، يمثل مصدراً إضافياً للتوتر بين البلدين؛ مما يُسهم في مفاقمة تدهور العلاقات التي وصلت إلى أدنى مستوى لها خلال الشهرين الماضيين.
الهند وباكستان، لا تزالان بعيدتين كل البعد عن وضع عملية السلام مرة ثانية في مسارها الصحيح، بعد أن خرجت منه عام 2008، إثر الهجمات الإرهابية على مومباي، ولم تعد تلك العملية أبداً إلى طبيعتها منذ ذلك الحين. ويمكن القول: إن جميع المحاولات الرامية لتطبيع العلاقات بين البلدين كان يتم إحباطها دائماً من قبل العناصر المتشددة والمتطرفة، فمنع عرض الفيلم في ظل أجواء التوتر السائدة بين الطرفين، يزيد من تأزم الأمور بين البلدين ويهدد بارتفاع مستوي الصراع بين باكستان والهند.