مراكز إعادة الدمج.. هل تنجح خطة فرنسا في مواجهة "داعش" فكريًّا؟
الإثنين 09/مايو/2016 - 04:52 م
طباعة
أعلنت فرنسا عن إنشاء مراكز إعادة دمج لمن اعتنقوا الفكر المتطرف أو المعرضين للجهاد في محاولة لإعادتم إلى المجتمع الفرنسي مرة أخرى.
مراكز إعادة دمج
أعلن رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس الاثنين خلال تقديمه خطة جديدة لمكافحة "الإرهاب"، أن فرنسا ستنشئ بحلول نهاية 2017 مركز إعادة دمج في كل منطقة لمن اعتنقوا الفكر المتطرف أو المعرضين للالتحاق بالجهاديين.
وتهدف الخطة التي تم تخصيص 40 مليون يورو إضافية لها حتى 2018 وعلى مدى عامين مضاعفة قدرات متابعة الشباب الناشطين في الشبكات الجهاديين أو المعرضين للالتحاق بصفوفهم.
وقال فالس في مؤتمر صحفي محاطًا بوزيري الداخلية والعدل بشكل خاص: "إن مكافحة الجهاديين تشكل التحدي الأكبر بالنسبة لجيلنا دون أدنى شك".
وأضاف: "سيتم إعداد أول مركز الصيف المقبل مشيرًا إلى أن أول من سيستقبلهم هم من التائبين الذين يجب اختبار صدقهم ورغبتهم في إعادة الاندماج في الوقت المناسب".
وتابع فالس: "إن نصف المراكز "على الأقل" ستستقبل بناء على طلب السلطات القضائية أولئك الذين لا يمكن احتجازهم".
وفي وقت سابق أعلنت مدينة باريس عن خطة لملاءمة الأنشطة الإسلامية على أراضيها بالقيم الفرنسية التي تقوم على العلمانية، وشرعت في تدريب ما يقرب من 2000 من الأئمة ورجال الدين المسلمين على تقبل فكرة الإسلام المتناغم مع البيئة الفرنسية.
وتنص الخطة على إعادة النظر في وضع الأئمة والخطباء الذين يصعدون على منابر المساجد، خاصة أن أغلبهم يلقون خطبًا تتنافى مع قيم فرنسا ومصالحها.
وتعمل الخطة على منع التمويل الأجنبي للمساجد التي تحولت إلى حلبة صراع بين بلدان شرق أوسطية، وبين جماعات متشددة مثل الإخوان المسلمين.
الفرنسيين في "داعش"
وتعد فرنسا من أكبر الدول الأوروبية التي انضم عدد من مواطنيها إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فقد ذكرت تقارير إعلامية غربية أن هناك حوالي 2000 فرنسي انضمو إلى القتال في سوريا بجانب تنظيم "داعش" الإرهابي.
وبحسب إحصائيات وزارة الداخلية الفرنسية، فإن الأجهزة الأمنية تلقت، منذ أن وضعت بتصرف المواطنين أرقامًا هاتفية محددة وخلية متخصصة، اتصالات تفيد بأن 3142 شخصًا بدت عليهم ملامح التشدد والراديكالية، مما يعني دخولهم في دائرة المتشددين.
واللافت في إحصائيات الوزارة الداخلية الفرنسية أن 35 % من هؤلاء من الفتيات أو النساء وربعهم من القاصرين، وأن 40 % من هؤلاء هم من الذين تركوا ديانتهم الأصلية واعتنقوا الإسلام. وفيما كانت المساجد والسجون في السابق الباب الرئيسي للدخول في الفكر الجهادي، تبين دراسة علمية أن 90 % من الذين انجذبوا إلى الفكر المتطرف، إنما تأثروا بالدرجة الأولى بشبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وشهدت فرنسا تفجيرات داميةخلال 2015 أسفرت عن 147 قتيلًا، ومئات الجرحى، تبني تنظيم "داعش" تنفيذها، مما وسط مخاوف من وجود قرابة عشرة آلاف من المتطرفين وفقًا لصحيفة "لو باريزيان".
الجمعيات السلفية
وفي يناير الماضي قامت فرنسا بحظر ثلاث جماعات دينية، وكذلك إغلاق مسجد في شرق باريس لارتباطه الوثيق بشبكة تجنيد للجهاديين.
ويطلق على الجمعية الأولى جمعية "العودة إلى الأصل" تأسست في عام 2010، مؤسسها محمد حمومي، وتتبنى الجمعية أفكارًا وأيديولوجية معادية للقيم الغربية والفرنسية، والدعوة إلى إبادة أعداء الإسلام والدعوة الجهاد والاستشهاد، وهناك العديد من أتباعها انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الإرهابي.
وجمعية مسلمي لاني سور مارن، وهي تأسست في مايو 2015، ورئيسها يدعو محمد رمضان، وتعتبر قريبة النهج والأيديولوجية من جمعية العودة إلى الأصل أو الجذور، فمحمد رمضان كان من تلاميذ محمد حمومي، والجمعية الثالثة هي جمعية "العودة إلى المنابع الإسلامية".
ويبسط السلفيون سيطرتهم على أكثر من 90 مسجدًا من أصل 2500 مسجد في فرنسا، خاصة في مدينة مرسيليا التي تعتبر معقل السلفيين في فرنسا؛ حيث يديرون حوالي عشرة أماكن يجتمعون فيها للعبادة والقيام بأنشطة متنوعة.
كما لهم حضور في مدينة "جوي لوتور" ومدينة "براست" التي يوجد فيها أحد أشهر الأئمة السلفيين، رشيد أبو حذيفة. كما يدير السلفيون اليوم بعض المدارس الابتدائية الخاصة في مدينة "روبي" في الشمال، ويحافظون على علاقات طيبة مع السلطات المحلية.
وفي 2009 شهدت بلدة شاتونوف سيرشار التي تضم 1500 نسمة، قدوم حوالي عشرين من منتسبي التيار السلفي بقيادة الإمام محمد زكريا شفا، الذي نظّر لفكرة انتقال المسلمين المتدينين للعيش في الأرياف. وفي سنة 2013 شهد سكان بلدة مارجيفول البالغ عددهم خمسة آلاف وصول أربع عائلات من مدينة مونبيليي ترتدي نساؤها الحجاب. والشيء ذاته حصل في سنة 2014 في سان إيز التي تضم ألفي نسمة؛ حيث قدمت عائلة فرنسية اعتنقت الإسلام مع أطفالها الستة وكانت بناتها يرتدين النقاب.
صورة الإسلام
وكانت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسي، قد القت الضوء على دراسة تظهر أن صورة الإسلام تدهورت في فرنسا وألمانيا. الدراسة التي أعدها معهد "ايفوب" تظهر أن "انعدام الثقة بموقع الإسلام في فرنسا تخطى مجتمعات اليمين واليمين المتطرف ليطال ناخبي الحزب الاشتراكي الفرنسي" ذلك أن الدراسة كشفت أن "%52 منهم باتوا يعتبرون أن الإسلام يحتل مكانة مبالغ فيها".
وأشار الاستطلاع أيضًا إلى أن "%68 من مجمل الفرنسيين يعتقدون أن المسلمين غير مندمجين في المجتمع لا بل إنهم يشكلون خطرًا عليه بحسب %47 من المستجوبين".
رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أنور كبيباش لم تفاجئه نتائج الدراسة؛ نظرًا لواقع الاعتداءات على فرنسا إلا أنه قال لـ "لوفيغارو": إن المسلمين يطمحون إلى التمتع "بحق اللامبالاة بهم"، وأشار إلى وجود بعض الإيجابيات في الدراسة منها تأييد أو عدم ممانعة %56 من الفرنسيين انتخاب رئيس بلدية مسلم.
مستقبل التشدد
تعمل فرنسا جاهدة من أجل مواجهة ودرء خطر التشدد والتطرف عن مواطنيها المسلمين، لضمان السلم الاجتماعي والاستقرار الأمني للبلاد بعد عام من الهجمات الدامية في البلاد خلال 2015.
إعادة تأهيل المنضمين أو المعتنقين لفكر متطرف وتدريب أئمة وإغلاق جمعيات ومساجد متشددة يشير إلى وجود خطة فرنسية للمواجهة فكرية طويلة الأمد ضد الجماعات الإرهابية.
وتؤشر الإجراءات الفرنسية الأخيرة على أن باريس بدأت بنهج الخطى البريطانية في خنق الإسلاميين، بعد اكتشاف هذه البلدان لخطر توغل الفكر المتطرف بالبلاد.