مساجد تونس تحت سيطرة الجماعات الإرهابية.. واتهامات للنهضة بدعم التطرف
الأربعاء 15/أكتوبر/2014 - 12:57 م
طباعة
أصبح من الواضح أن أجواء الحرب المفتوحة ضد الجماعات المسلحة، ستبقى مخيمة مدة طويلة على الأجواء التونسية، مع عشرات العمليات الإرهابية التي تقع في تونس، وسط اتهامات بأن المساجد مسئولة عن تخريج عشرات الإرهابيين ويعملون ضد الدولة والمجتمع.
كانت وزارة الداخلية التونسية، قد أعلنت بالفعل في وقت سابق عن إيقاف 16 عنصرا من المتشددين دينيا ثبت احتفاؤهم في المساجد والطرق العامة، ويبلغ عدد مساجد تونس لأكثر من 5100 مسجد منتشر في مختلف محافظات البلاد، فإن حوالي أكثر من ألف و200 مسجد موزعة في كامل أنحاء البلاد ما تزال تحت سيطرة الجماعات السلفية في غياب كامل لرقابة الدولة.
تونس الدولة تفشل في ضبط المساجد
ومع ارتفاع أعداد الإرهابين عقب رحيل علي زين العابدين بني علي عن حكم تونس في 2011، زادة ظاهرة سيطرة التيارات المتشددة علي المساجد التونسية، والتي اعتبرها البعض تمارس تحريضا ضد الدولة وتكفر المجتمع.
فقد أعلنت وزارة الشئون الدينية مؤخراً أن عددا من المساجد التي تعد من «النقاط السوداء» لا زالت خارج سيطرتها حتى الآن مشيرة إلى أنها لا تشكل خطرا على المرحلة الانتخابية .
فشل وزارة الشئون الدينية في استرجاع كل المساجد المغتصبة من قبل عناصر متشددة- أرجعه الفاضل عاشور رئيس النقابة الوطنية للإطارات الدينية إلى عدم احترام الوزارة لما نصت عليه خارطة الطريق من ضرورة مراجعة التعيينات وتواصل الهجمة الوهابية داخل الوزارة من خلال إدماج أئمة وإطارات دينية متحزبة احدث خطابها انقساما كبيرا في صفوف التونسيين.
وأكد الفاضل عاشور أن وزير الشئون الدينية وعد في وقت سابق باسترجاع كل المساجد الخارجة عن السيطرة في ظرف ثلاثة أشهر ولكنه مرة اخرى لم يلتزم بوعده وهو ما يتطلب ضرورة استقالته من منصبه بدل تغليب مصلحته الذاتية والحزبية الضيقة مشيرا إلى أن 800 مسجد ما زالوا يمثلون بوق دعاية حزبية تتطلب اليقظة والتعجيل بإبعادها؛ مراعاة لهذه المرحلة الانتخابية الحساسة وما يمكن ان يهددها من مخاطر خاصة انه تم تسجيل عديد الشكاوى في بعض الجهات بخصوص ترويج هؤلاء المتطرفين لحملاتهم الانتخابية داخل المساجد .
وأضاف رئيس النقابة الوطنية للإطارات الدينية ان الانفلات الحاصل في عدد من المساجد سببه التقصير في تفعيل القوانين التي تنظم الضوابط التشريعية والقانونية لنوعية الخطاب في المساجد لتجنّب الفتن والخلافات مشيرا إلى وزارة الشئون الدينية مورطة حد النخاع في قضية تسييس المساجد وهي اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بمراجعة التعيينات صلبها وإبعاد «العصابة» المتطرفة صلبها التي تسعى جاهدة إلى بث سموم أفكارها عن طريق منظوريها من الأئمة.
وتوجه الفاضل عاشور بنداء استغاثة إلى الرباعي الراعي للحوار الوطني يدعوه إلى ضرورة الحسم النهائي في قضية المساجد الخارجة عن سيطرة الوزارة من خلال محاسبة المارقين عن القانون بمقاضاتهم جزائيا كما دعا إلى ضرورة محاسبة سلطة الاشراف لعدم التزامها بخارطة الطريق في بندها المتعلق بمراجعة التعيينات الذي لم تلتزم به الوزارة.
وقال أعلية العلاني، الباحث التونسي المتخصص بالجماعات الإسلامية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: إن «وضعية المساجد، وخاصة تلك التي ظلت فترات طويلة زمن حكم الترويكا خارجة عن سيطرة الدولة، ساهمت بشكل كبير في عملية غسل الأدمغة التي تعرض لها عدد من الشباب التونسي الذين سافروا إلى سوريا»، مضيفا أن «بعض المساجد فرخت الكثير من الخلايا المتشددة التي قامت بترحيل الكثير من هؤلاء الشبان»، وأنه «لا تزال تجري إلى اليوم محاولات لاستمالة شبان تونسيين وترحيلهم إلى سوريا»، مستشهدا بـ«تواصل توقيف السلطات التونسية خلايا وأشخاصا متورطين في عمليات ترحيل شبان تونسيين للقتال في سوريا».
حركة النهضة .. واتساع نشاط التيارات المتشددة
ولاحظ مراقبون أن اتساع حركة التيارات المتشددة والمتطرفة وفي مقدمتها تنظيم أنصار الشريعة قد زاد بشكل قوي ومخيف في عهد حزب النهضة، عقب حصوله على الأغلبية في المجلس التأسيسي بالإضافة إلى سيطرته على الحكم بالائتلاف مع حزبين علمانيين صغيرين هما المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل.
تونس طيلة أكثر من عامين شهدت تونس خلالها بروز ظاهرة التيارات الإسلامية المتشددة التي باتت تتحرك وتنشط في البلاد بكل حرية مستغلة ما يصفه البعض بالتساهل والبعض الآخر بتواطؤ النهضة لتغرق البلاد بالأسلحة، متظاهرة بالنشاط الدعوي.
ورفضت حكومتا الجبالي والعريض كل الدعوات التي صدرت عن القوى السياسية والمنظمات الحقوقية لها بمقاومة الإرهاب، قبل أن يخرج عن السيطرة لكنهما رفضا بدعوى عدم استعدادهما لاستعادة ممارسات الرئيس السابق زين العابدين بن علي القمعية.
وكان العريض وهو وزيرا للداخلية قد رفض إلقاء القبض على زعيم أنصار تيار الشريعة سيف الله بن حسين (أبي عياض) الهارب إلى جهة مجهولة يعتقد أنها ليبيا، عندما أوعز لقوات الأمن التي كانت قاب قوسين أو أدنى من إلقاء القبض عليه في تهم تتعلق بحادثة الهجوم على السفارة الأمريكية في سبتمبر 2012، بإخلاء سبيله.
ومارس أنصار تيار الشريعة وغيره من التيارات السلفية المتشددة المتناسلة في البلاد ضغوطا شديدة على المثقفين ووسائل الإعلام لفرض أفكارهم الظلامية مستغلين المساجد للدعاية لأفكارهم والترويج للجهاد في سوريا وفي غيرها.
وسيطر إسلاميون متشددون محسوبون على التيار السلفي الجهادي، على المئات من المساجد في أنحاء البلاد عقب الثورة في 2011 وخاض بعضهم من المتحصنين داخلها مواجهات مع قوات الأمن.
وفي هذه الظروف التي يسيطر عليها التشدد الأعمى دافع راشد الغنوشي عن الشباب السلفي مؤكدا انهم يذكرونه بشبابه، رغم أنه حاول لاحقا استدراك مثل هذه المواقف تحت الضغط الشديد من قوى المجتمع المدني والتيارات السياسية الحداثية في تونس.
وأدى ما يصفه المراقبون بتشجيع النهضة للإرهاب برفضها ممارسة قوة قانون الدولة عليهم في النهاية إلى التطورات الخطيرة للإرهاب الذي وصل اليوم إلى حد إعلان الحرب ورفع السلاح في وجه قوى الجيش والشرطة في البلاد.
ويعد تنامي ظاهرة الإرهاب من المواضيع التي باتت تقض مضجع أغلب فئات المجتمع وتهدد السلم الأهلية لبلد لا يزال يتلمس طريق الخروج من نفق الأزمات الاقتصادية والسياسية الخانقة.
ورأى المتحدث الرسمي باسم حركة المسار الاجتماعي، سمير بالطيب، أنه لا يمكن محاربة الإرهاب في تونس البد بتحييد المساجد، مضيفا: هناك العديد من المساجد تعتبر منطلق لبث الفتنة والتحريض والكراهية في صفوف المواطنين.
وطالب المتحدث الرسمي حركة المسار الاجتماعي، بحل وزارة الشئون الدينية التي ترمي برسائل متطرفة، وتهدد السلم الاجتماعي.
معضلة الإرهاب
لقد تجاوز عدد المعتقلين في صفوف المتهمين بالإرهاب 1400 موقوف، وفقا لتقاير إعلامية تونسية، ينتظرون محاكمتهم، يوجد من بينهم عدد هام من الكوادر الأساسية في تنظيم أنصار الشريعة، إضافة إلى من قتلوا أثناء المواجهات الميدانية أو فرّوا خارج تونس وتوجّهوا نحو ليبيا وسوريا والعراق.
وإلى الآن، لا يُوجد رقم دقيق وموثوق في صحّته عن عدد أعضاء هذا التنظيم. فآخر رقم ألقى به وزير الداخلية إلى وسائل الإعلام، كان "عشرة آلاف مسلّح" تونسي موزّعين بين ليبيا وسوريا والعراق، مضيفا بأن "ثمانين بالمائة منهم يتبعون لتنظيم داعش"، وهو رقم لا يُستهان به بالنسبة لبلد صغير وآمن ومفتوح مثل تونس.
ومع ذلك يمكن القول بأن تيار أنصار الشريعة قد تلقّى ضربات مُوجِعة، خاصة خلال الأشهر الماضية، إلا أن ما حدث في الفترة نفسها جاء ليؤكد أن قدرة هذا التيار لا تزال "فاعِلة ومؤثرة".
لقد حصل تغيير نوعي في بِنية هذه الجماعة خلال سَنة واحدة من الصراع الميداني مع قوى الأمن والجيش. ففي سنة 2013، كانت السلطة تواجِه تنظيما يقوده تونسيون بالأساس. ومهما كانت خِبرتهم في مجال العنف المسلّح، فإنها تبقى محدودة وقابلة للمواجهة. لكن نتيجة قتل عدد مهم من كوادر التنظيم أو اعتقالهم، واضطرار الكثير منهم إلى التسلل خارج البلاد، أخذت القيادة الميدانية في الانتقال إلى عناصر جزائرية بالأساس، وهي عناصر أكثر قدرة- حسبما يبدو- على إدارة الصِّراع وأكثر شراسة في القتال.
فتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي أصبح حريصا على استعمال الأراضي التونسية كملجأ لكوادره، وبهدف توسيع دائرة عملياته ضد النظام الجزائري. وقد ترتب عن هذا التحوّل الهام، حصول تغيرات نوعية في تكتيكات هذه الجماعات، وجعل العمليات التي قامت بها خلال الأشهر القليلة الماضية تكون أكثر حِرفية وجُرأة.
المشهد الآن
يرى مراقبون أن تكاسل الدولة أو عدم الإسراع في سيطرتها علي المساجد سيؤدي إلى مزيد من التطرف والتشدد في تونس في ظل، الطريقة الرمادية التي تتعامل بها حركة النهضة في مواجهة هذه التيارات بين المهادنة أحيانا، أو توظيف هذه الجماعات لخدمة مصالح وسياسية الحركة في تونس أو خارجها.
قضية المساجد تعتبر أزمة معضلة في أغلب الوطن العربي في ظل سيطرة العديد من الجماعات المتشددة علي هذه المساجد الأمر التي تستخدم للتحريض الطائفي وضد مؤسسات الدولة، وتكفير المجتمع مما يهدد السلم الاجتماعي والدولة الوطنية.