صرح رئيس وزراء العراق "حيدر العبادي" أنه بحلول نهاية العام ستكون الموصل ، ثاني أكبر المدن العراقية ، قد تم تحريرها من سيطرة داعش. وفي هذا الشهر يكون العبادي، الشيعي، قد أمضى عامين في إعادة بناء الجيش العراقي بمساعدة التحالف الدولي. وللأسف، ما زالت المؤسسة العسكرية غير قادرة على تحرير الموصل، بمفردها ، مما يجعل العبادى مضطرًا إلى الاعتماد على الجماعات الشيعية المسلحة - التي يعمل كثير منها كوكلاء لإيران في العراق - لخوض الحرب. 

   وفي الوقت نفسه، يعانى العرب السنة - وهم الذين يجب أن يكون لهم الدور الرئيسي في تحرير أراضيهم - من التهميش والإبعاد من الحكومة في بغداد. 

    تهميش الطائفة السنية هو الأسلوب المتبع منذ عام 2003. وقد أسهم الإقصاء السياسي الذي مارسه رئيس الوزراء السابق "نورى كمال المالكى" ضد السنة في ظهور داعش. واليوم، يوجد رئيس وزراء جديد، ولكن ما زالت السياسات الكارثية نفسها متبعة. وكما اعترف رئيس البرلمان، السني، فإن الباب مغلق أمام العرب السنة للمشاركة في الحرب . 

   هذا خطأ ، ويجب على واشنطن العمل بسرعة لإصلاحه. وسيؤدى منع السنة من تحرير الموصل إلى زعزعة الاستقرار في العراق وجره إلى مستقبل متوقع. 

     ولدى السنة القدرة على القتال ومستعدون له. ولكن ينقصهم الدعم. وعلى بعد نحو 20 ميلا إلى الشمال الشرقي من الموصل ، توجد جماعة تتدرب على القتال تتألف من حوالي ألفين من المقاتلين السنة من القبائل العربية، ممن يعملون مع الزعماء السياسيين المحللين. وهم من الموصل وبعض البلدات القريبة، ويرغبون في قتال داعش ومستعدون لذلك لاستعادة ديارهم، وحماية جيرانهم وأقاربهم، والدفاع عن البنية التحتية للمدينة، التي ستحتاج إلى إعادة بناء اقتصادها. ومن المؤسف أن بغداد لم تمنح هؤلاء المواطنين العراقيين الشجعان الدعم الجوى ولا المعدات العسكرية الضرورية. 

     وكانت الحكومة المركزية العراقية قد اتبعت في معاركها السابقة التي خاضتها لتحرير المدن السنية من سيطرة داعش إحدى استراتيجيتين. ففي مدينة تكريت، قامت الحكومة بنشر ميليشيات شيعية لمساعدة قوات الجيش. وقد نجم عن ذلك عمليات نهب وقتل جماعى. أما في المدن الأخرى، كالرمادى، فاختارت الحكومة بدلا من ذلك الاعتماد أساسًا على القصف الجوى. على الرغم من أن ذلك منع رجال الميليشيات من ارتكاب جرائم حرب، إلا أن النتائج ظلت كارثية، فحسب تصريحات المسئولين المحليين، تم تدمير 80 % من المدينة. 

    والموصل هي أكبر مدينة تمكنت داعش من احتلالها. كما أنها ذات غالبية سنية. والسبيل الوحيد لتحرير المدينة وتقليل الخسائر البشرية هو إشراك السكان المحليين. إن دعوة الميليشيات الشيعية إلى الموصل قد يعجل بحدوث رد فعل عنيف من الأهالى. فقد ينضم البعض إلى جانب داعش، فهم يعتبرون الجماعة المتشددة أقل شرًّا، مقارنة بالميليشيات الشيعية . 

   ومنذ مئات السنين، كانت قبائل العرب السنة تهيمن على المنطقة التي تقع غرب بغداد وحتى الحدود الأردنية والسورية. وعلى العكس من الجيش العراقي، الذي يهيمن عليه العرب الشيعة الذين ينحدرون من أقصى الأقاليم الجنوبية للعراق، فإن هذه القبائل العربية السنية ملتزمة تمامًا بالدفاع بنفسها عن أراضيها .

   إن هؤلاء الرجال الشرفاء ضحوا بحياتهم في الحرب ضد المتطرفين قبل ذلك. من 2006 وحتى 2008، حاربت القبائل العربية وهزمت القاعدة في العراق في عملية، قادها وكان في مقدمتها زعماء القبائل المحلية بالتنسيق مع القوات الأمريكية، عرفت باسم صحوة الأنبار. وأصبحت الصحوة ركيزة في تحقيق استقرار العراق حتى أن "جورج دبليو بوش" زار محافظة الأنبار للتعبير عن امتنانه. 

  لقد كانت الصحوة أهم العوامل التي أسهمت في الحد من العنف في عام 2007 وفي إلحاق هزيمة بتنظيم القاعدة في العراق. إن القبائل العراقية الوطنية- وليس الحكومة الفاسدة- هم من حموا العراق من الضياع. ولكن هذا الاستقرار وهذه التضحيات بددتهم السياسات الطائفية التي مارستها حكومة المالكى. 

   إن مقاتلى القبائل مستعدون وقادرون على دحر التطرف وحماية أراضيهم. وقد عقد زعماء الطائفة السنية اجتماعات عديدة في بغداد وأربيل. وهم دائمًا ما يعبرون للمسئولين الأمريكيين عن قلقهم من الحكومة التي تدعمها الميليشيات الشيعية ودورهم في الحملة العسكرية ضد داعش.  

   ينبغى على الولايات المتحدة أن تتوقف عن تقديم الدعم إذا اشتركت هذه الميليشيات في عملية الموصل. بل على العكس، يجب على واشنطن تسليح القبائل السنية في محافظات الأنبار ونينوى . فهذه القوات – إلى جانب الألفي مقاتل المتمركزين بالقرب من مدينة الموصل – يمكنها القتال جنبًا إلى جنب مع وحدات منتقاة من الجيش العراقي، كقيادة عمليات نينوى ، ووحدات مكافحة الإرهاب العراقية والكتيبة التاسعة مدرعات. 

    ومن المؤسف أن المسئولين الأمريكيين انصرفوا عنهم، وأصروا على أنهم يمكنهم المشاركة في تحرير أراضيهم فقط إذا ما وافقت الحكومة المركزية في بغداد. وهذا يعد أمرًا مخيبًا للآمال ويؤدى إلى نتائج عكسية. إن قوات القبائل هي التي تملك الخبرة بالمكان - وليس بالتضاريس فحسب بل بسكانه أيضًا، الذين تربطهم صلة القرابة بعدد كبير منهم . فالسكان المدنيون سوف يثقون بقوات القبائل التي تقوم على حمايتهم. 

     ولكن السيد العبادى، كالسيد المالكى الذي سبقه، يخشى من أن تهدد القبائل السنية نظام الحكم الذي يهيمن عليه الشيعة في بغداد. وهذه المخاوف، التي تروج لها إيران وحلفاؤها من الشيعة المتشددين في بغداد، ليست في محلها. إن قوات الصحوة السنية لم تنتشر أبدًا في المناطق التي يسكنها الشيعة أو تلك التي لم يتواجد بها تنظيم القاعدة في العراق. علاوة على ذلك، فإن تجريد القبائل السنية من السلاح لن يجعل الحكومة أكثر أمانًا. فلو كانت القبائل مسلحة ومدعومة من الحكومة في عام 2014 ، لم تكن داعش قد احتلت كل هذه الأراضي العراقية. 

    إن تحرير الموصل سوف يكون معقدًا وباهظ الثمن. ولكن من الممكن أن يصبح ذلك أقل كثيرًا إذا دعم سكان المدينة محرريهم، بدلا من أن يخشوهم. 

ثمة قدر كبير من التشاؤم في القول بأن الدبلوماسية فشلت في سوريا وأن خير سبيل إلى إنهاء المعاناة في حلب هو تحقيق "بشار الأسد" لنصر سريع هناك. علينا أن ندرك أن الدبلوماسية لم تواجه قط الاحتياج إلى تقسيم أولي أو مناطق نفوذ تخص الدول المجاورة على طريق تسوية موحدة شاملة في سوريا.

بين 2012 و2014، كانت تركيا على استعداد لخلق منطقة محمية للاجئين في سوريا ، ولكن الناتو لم يدعم ذلك لأسباب عديدة. وكان عزوف تركيا الشديد عن التحرك العسكري في سوريا بمفردها مفهومًا تمامًا. وحينما وسّعت روسيا المجال الجوي بالقرب من اللاذقية، وذلك غير بعيد من الميناء البحري الذي اتخذته في سوريا منذ 1971، ووضعت طائرات متطورة لحماية قوات "الأسد"، تغيّر كل شيء. أسقطت تركيا طائرة روسية وأحست بتهديد من القوات الكردية المندفعة باتجاه حدودها مع سوريا. وأصبحت علاقات تركيا في الناتو شديدة التوتر لا سيما مع الولايات المتحدة في ما يتعلق باستراتيجية التعامل مع الدولة الإسلامية ومع الاتحاد الأوروبي بشأن سياسات اللاجئين وحقوق الإنسان. وكان رد فعل تركيا شديد العقلانية بإزالتها أسباب التوتر مع روسيا.

في هذه المرحلة حقق الجيش الروسي هدفه بدعم من مقاتلي حزب الله في لبنان والقوات الإيرانية، فظفرت باستعادة السيطرة للأسد على الطرق الأساسية الرابطة بين دمشق والبحر المتوسط. ونتيجة لذلك استعادت هذه القوات السيطرة على هذه المنطقة بما فيها حماة التي أصبحت منطقة نفوذ روسية.

تركيا هي البلد الوحيد القادر سياسيًّا وعسكريًّا على التدخل البري في حلب وهي تبين ذلك حاليًا بمهاجمتها داعش. وتركيا قادرة الآن ـ وقد تغيرت الظروف ـ أن تخلق عامل توازن حاسمًا في سوريا بتولي مهام إنسانية عاجلة من خلال قواتها وقوتها الجوية لتخفيف الحصار المفروض على حلب. وفي ظل ميثاق الأمم المتحدة، وحتى مع استعمال روسيا حق الفيتو، بوسع تركيا بما لها من موضع إقليمي وشيء من الشرعية اكتسبته باستيعابها عددًا ضخمًا من اللاجئين.

وهناك دعم ممكن في الناتو لمثل هذا التدخل من قبل تركيا. فهناك بالفعل قوات خاصة من عدد من الدول كالولايات المتحدة وبريطانيا تعمل على الأرض في سوريا ولديها من المهارات ما تساعد به على استهداف المدفعية والصواريخ والطائرات في التحليل الأخير. وثمة مشاركة فعلية في المعلومات مع تركيا ولكن لا بد أن تبذل دول الناتو جهودًا أكبر. وطبيعي أن البعض في تركيا يفضل أن يشترك الناتو بقوات برية، ولكن هناك أيضًا من يبصرون بحكمة مخاطر هذا. فالأفضل بلا جدال لتركيا أن تتدخل كقوة إقليمية يدعمها الناتو، وبإبقائها القوات البرية خارج اللعبة تجتنب إظهار المبادرة برمتها كمواجهة أمريكية روسية.

ما يوفر قاعدة جديدة للتدخل التركي هو أن وزير العدل التركي "بكير بوزداق" قد أعلن في 23 سبتمبر في اسطنبول أن نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أقر بوجود "دليل ملموس" على أن "فتح الله جولن" ـ المنفي التركي المقيم في الولايات المتحدة ـ كان وراء انقلاب يوليو الفاشل. وبافتراض وجود دليل جوهري على تورط "جولن" يصبح الطريق السياسي من ثم مفتوحًا لعمل حاسم مبكر في سوريا.

لقد رحل "جولن" عن تركيا إلى بنسلفانيا في عام 1999. وحركة "سمات" التابعة لجولن حركة إسلامية في تركيا وفي الخارج. وتعمل في العلن وتحت الأرض في تركيا وكانت في مرحلة من المراحل تدعم الرئيس "رجب طيب إردوجان" لكنها تعارضه الآن بشدة. وقد زعم "إردوجان" أن "جولن" هو العقل المدبر للانقلاب وطلبت تركيا من الولايات المتحدة تسليمه. وهي الآن شبه متيقنة من أن النظام القضائي في الولايات المتحدة سوف يرجعه للمحاكمة في تركيا. ومعنى هذا أن مصدر توتر كبيرًا بين واشنطن وأنقرة يوشك أن ينضب.

ينبغي ويمكن القيام بعمل عسكري تركي في غضون ساعات من قرار يتخذه "إردوجان". ولسوف يتوافر لهذا العمل من القوة ما يجعله يقيم منطقة محظورة الطيران تحتوي ممرات برية محمية للمساعدات الإنسانية وحركة الناس من حلب وإليها. وينبغي أن يكون ذلك مصحوبًا بمطالبة قوات "الأسد" بالانسحاب إلى الخط القائم بين حماة وحلب.

طبعي بالتأكيد ولم تمض فترة تذكر على نقلاب عسكري فاشل أن لا تكون شهية بعض القادة العسكريين مفتوحة كثيرًا للقيام بعملية كبيرة من هذا النوع. ولكن الرد على هذا هو أن عملية كهذه كفيلة إذا نجحت باسترداد سمعة القوات المسلحة في تركيا وإظهار ولائها.

قوات الناتو ستحمي تركيا من الجو أثناء قيامها بالعملية الإنسانية. والنشاط الجوي خارج منطقة حظر الطيران سيستمر ضد داعش في سوريا والعراق من خلال روسيا والناتو وقوات "الأسد". ومنطقة النفوذ الكردية في سوريا في ما يتعلق بداعش سوف تستمر كأمر واقع ولكن من دون أن تكون لها تبعات شرعية، لأن ذلك لن يكون مقبولًا من تركيا ولأنه سوف يمنع التسوية الصعبة في المدى المتوسط للقضايا المتعلقة بالعراق وإيران.

ويتم تطبيق مناطق النفوذ في أجزاء أخرى من سوريا في حال استعداد جيرانها كالعراق والمملكة العربية السعودية والأردن أن تدعمها للتعامل الفعال مع داعش. لا بد من مناقشة هذه المبادرة كلها على أعلى مستوى عسكري ممكن، ابتداء بين الناتو وروسيا، قبل الانتقال ثانيًا إلى مجلس الأمن. ويحتمل أن تستعمل روسيا حق الفيتو ضدها في المجلس، ولكن لا ينبغي أن نفترض على أساس القاعدة العسكرية/العسكرية أنه قد يكون من الممكن إطلاق المبادرة في سياق ترى فيه روسيا وجوب عدم التعرض لمنطقة نفوذها. 

 لا يكاد يمر شهر في المغرب دون أن تقوم وزارة الداخلية بإحباط "خطة خطيرة" للدولة الإسلامية المعروفة باسم داعش، فمنذ شهر يناير الماضي تم اعتقال 143 شخصًا من الجهاديين، وفي اليوم السابع من الشهر الحالي تم اعتقال ثلاثة أشخاص ينتمون أيضًا إلى الجهاديين، وفي اليوم السادس عشرـ من سبتمبر ألقى القبض على ثلاثة أشخاص آخرين "شديدي التطرف وينتمون إلى تنظيم داعش" .

هذا ويعد المغرب هو البلد الوحيد الذي لم يعانِ من أي عمل إرهابي من قبل داعش، فسجونه مكتظة، إذ يوجد 900 سجين من المتطرفين، فكفاءة الشرطة هناك تتجاوز حدودها . فقد لعبت الرباط دورًا بارزًا لدى فرنسا في تحديد هوية منفذ الهجمات التي وقعت في شمال باريس في 13 من شهر نوفمبر، وهو البلجيكي من أصل مغربي "عبد الحميد أبو عود" .

وقد حث الملك "محمد السادس" وزيري التعليم والشئون الدينية على ضرورة العمل على إصلاح التعليم الديني من أجل إبراز مفهوم " الإسلام المتسامح " الذي يشجع على "التوازن الصحيح" و"المعتدل" والمقصود به الإسلام الذي ينتمى إلى المذهب المالكى . وفي الوقت الحالي يتم مراجعة 29 كتيبًا إسلاميًّا، ومن أهم النقاط الواضحة التي سيبدأ بها المراجعة هي تلك الخاصة بمسألة التنوير . فحتى الآن، جميع صور النساء التي تظهر في الكتب محجبات، بينما في الحقيقة يذهبون من دون ارتدائه .

هذا الإجراء الأخير هو مجرد عينة من الاستراتيجية التي يستهدفها المغرب في حربه ضد التطرف . فقد أدرك المغاربة منذ وقت مضى مدى أهمية التدابير الحاسمة كالدعاية والتعليم. وجاء هذا الدرس عقب الهجمات التي تعرضت لها الدار البيضاء عام 2003 والتي قتل فيها 45 شخصًا. وكان الملك الذي يعمل بوصفه قائدًا للمؤمنين - وهو أعلي سلطة دينية في البلاد - قد بدأ في هيكلة الشئون الإسلامية في جميع أنحاء الدولة، ففي عام 2004 أنشأ محطة إذاعة القرآن الكريم والتي تعمل على نشر "الإسلام الوسطى "، حيث أصبحت الآن من أكثر القنوات الإذاعية شعبية، وهذا يعد إجراءً مهمًّا ولكنه ليس الوحيد .

وفي مارس عام 2015، أفتتح الملك معهد الملك "محمد السادس"- في الرباط - لتدريب الأئمة والدعاة والوعاظ ذا قدرة استيعابية ألف مقعد، حيث كانت في الماضي  777 مقعدًا لطلاب المنح الدراسية وأكثرهم من مالي وتونس وغينيا وساحل العاج وفرنسا . وعقب مرور ثلاثة أشهر تم إنشاء مؤسسة "محمد السادس" لعلماء إفريقيا في مدينة فاس المغربية . فالهدف الرئيسي من كلام الملك هو العمل على "تنسيق الجهود" بين علماء الدين الإسلامي للتشجيع على قيم " الاعتدال والتسامح "، وبالنسبة إلى العديد من المحللين هناك هدف آخر وهو تصدير نفوذ الدبلوماسية المغربية إلى إفريقيا من خلال الدين .

ولكن هناك العديد من الأماكن في المغرب لم تصلها تلك الرسالة لا عن طريق الراديو ولا التلفزيون، فقط ستصل إذا ما تم إرسال شخص يقوم بإقناع الناس هناك شفهيًّا. فالسلطات الدينية قامت بتدريب أكثر من ألف من الدعاة الوسطيين لـ "تحصين " الشباب من الخطابات الدينية المتطرفة والتي تدعو إلى العنف، ووفقًا لوكالة رويترز الإخبارية قام العديد من الدعاة بزيارة السجون والمعاهد والجامعات تحت مسمى الإسلام الوسطى .

فالدولة تدرك أن المعركة تدور في مجال الشباب، وهو أمر لا يقتصر فقط على الشباب في المغرب، فقد أعلن ملك المغرب في خطاب عيد العرش: " إن الإرهابيين يقومون بتوظيف بعض الشباب، خاصة في أوروبا، مستغلين بذلك جهلهم باللغة العربية والإسلام الحقيقي لنشر رسائلهم الخاطئة، فالإرهابيون الذين يعملون تحت مسمى الإسلام ليسوا مسلمين وليس لديهم مكان في الإسلام، فالجهل هو الذي يقودهم للاعتقاد بأن ما يقوموا بفعله تحت اسم الجهاد . ولكن منذ متى يحرض الجهاد على قتل الأبرياء ؟ وهل من العقل أن يكون مكافأة الجهاد هي التمتع بعدد من العذارى ؟ ". هذه الرسالة كانت موجهة إلى عدد كبير من الشباب المغاربة الذين يعيشون في أوروبا .

كل هذه الاستراتيجية من تدريب وتبشير، أجبرت الدولة على زيادة قدرها 100% من المخصصات الموجهة للشئون الدينية منذ العقد الماضي، فالمغرب يعتزم مواصلة التحدى على المدى الطويل .

ولكن كل هذا المجهود المبذول له ثقل كبير، فالمغرب فشل فشلًا ذريعًا في مجالات يراها العديد من المحللين أفضل لقاح ضد التطرف : مثل التعليم العام، فهي بلد يعاني واحد من كل ثلاثة أشخاص من الأميّة، فقد أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا مؤخرًا تحذر فيه من أن المغرب لديها القدرة فقط على تحقيق أهدافها في مجال التعليم على مدى نصف قرن وهي مدة متأخرة للغاية . فقط نسبة 5% من الفتيات و17% من الفقراء سينهون المرحلة الأولى من التعليم الثانوى، وذلك وفقًا لتصريحات المسئولة عن التقرير في منظمة اليونيسكو .

وهناك النخب التي ترسل أطفالها إلى المدارس الإسبانية والفرنسية والأمريكية في المدن الرئيسية، وهناك أيضًا الطبقة الوسطى التي تشد الحزام لدفع أكثر من 150 يورو شهريًّا في المدارس المغربية والغالبية من العائلات ليس لديها أي خيار سوى الذهاب إلى المراكز العامة التي تفقد مصداقيتها على نحو متزايد .

وفي إطار هذا السياق من البؤس التعليمي، من المرجح أن تستمر وزارة الداخلية على المدى الطويل بتفكيك عصابة من الإرهابيين كل شهر تقريبًا .

 بعد أشهر من الجدل الدبلوماسي أمل وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في أنه قد توصل أخيرا إلى اتفاق مع روسيا، من شأنه أن يساعد على إنهاء الحرب في سوريا، والتي قتل فيها نحو نصف مليون شخص . ولتنجح الخطة يحتاج كلا الجانبين لأن يلقيا أسلحتهما لمدة أسبوع والسماح بوصول المساعدات للمناطق المحاصرة في البلاد . ولو حدث ذلك، لكان قد تم تمديد الهدنة، مما يمهد الطريق أمام روسيا وأمريكا لإطلاق عملية عسكرية مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية وضد جبهة فتح الشام، وهي جماعة إرهابية كانت من قبل فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا .

لكن الخطة لم تستمر طويلا. فرغم تراجع القتال، منعت الحكومة السورية وصول معظم المساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وسحبت المستلزمات الطبية الحيوية من تلك المساعدات القليلة التي سمحت بدخولها عبر الخطوط الأمامية . وفي 19 سبتمبر، رفض النظام السوري تمديد وقف إطلاق النار سبعة أيام، متهما المتمردين بالفشل في الوفاء بالتزاماتهم، وأشار إلى غارة جوية من القوات الأمريكية وقوات التحالف التي قتلت بالخطأ 62 جنديا سوريا .

غير أن الاختراق الحقيقي جاء سريعا، حين عاد الطيران الحربي الروسي والسوري إلى العمل، وقصف الأحياء التي يسيطر عليها المتمردون في مدينة حلب شمالي البلاد . كما قُصفت قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة – وهو أول قصف من نوعه منذ بداية الحرب . وقال مسئولون أمريكيون إن الطائرات الروسية مسئولة، مشيرين إلى ما أظهرته الرادارات من أنها كانت تحلق فوق القافلة عندما ضربت . وقد نفت روسيا ذلك، وقالت إن الشاحنات أشعلت فيها النار أو قصفت .

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قصف القافلة بأنه "هجوم مقزز ووحشي متعمد على ما يبدو ". وقال مسئولون من الأمم المتحدة إنه إذا كانت القافلة قصفت عن عمد فإن ذلك يعتبر جريمة حرب . ( فقد شهدت سوريا الكثير من جرائم الحرب في السنوات الخمس الماضية) . وبعد يوم، قصفت طائرة عيادة طبية متنقلة في الجزء الذي يسيطر عليه المتمردون في حلب، مما أدى إلى مقتل أربعة من الطاقم الطبي . وقالت الأمم المتحدة وكثير من المنظمات الإنسانية إنها سوف توقف قوافل الإغاثة .

واتفاق وقف إطلاق النار الذي استغرق أشهر للتفاوض عليه، استغرق ساعات فقط ليفشل . وقال عمار السيلمو، مدير جماعة الخوذ البيضاء، وهي جماعة دفاع مدني مؤلفة من متطوعين في مناطق المتمردين في سوريا، "كانوا يحملون المساعدات في مخزن عندما ضربته القنابل. قضيت الليلة في استخراج القتلى ".

وما زال كيري، الذي قد تعتبر خطته آخر جهد دبلوماسي أمريكي تحت رئاسة باراك أوباما لخفض عمليات القتل، يهرول لإنقاذ ما بقى من الخطة. لكن إذا لم يتمكن من إقناع نظيره الروسي سيرجي لافروف بتجديد وقف إطلاق النار (وإقناع النظام السوري بمنع التحليق، وهي مناشدة قدمها كيري في الأمم المتحدة في 21 سبتمبر)، فإن سوريا تنتظر أياما أكثر قتامة .

ومن المرجح، أن يحتدم القتال مع مضاعفة الحكومة السورية، المدعومة من إيران وروسيا، من جهودها لسحق المتمردين في شرق حلب، معقلهم الرئيسي الوحيد في المدينة . وسقوط حلب على الأقل يمنح الرئيس بشار الأسد ما يتلمسه: السيطرة على المدن الرئيسية في البلاد، ومراكزها الصناعية وخطوط المواصلات ومن بين ذلك الوصول إلى البحر . وكإشارة مقلقة على القتال القادم ،على ما يبدو استفادت إيران من الهدنة لتعزيز جماعاتها المسلحة حول حلب . وتدرس أمريكا الآن تسليح الأكراد في شمال سوريا، الأمر الذي يضعها في مواجهة تركيا، حليفها في حلف الناتو . 

كما تتجهز القوات المتمردة لجولة أخرى من القتال. فقد عاد إلى السطح اندماج بحث طويلا بين الجماعات المسلحة الإسلامية الأخرى وجبهة فتح الشام .

تسليح المتمردين 

وقال عبد السلام عبد الرازق، المتحدث العسكري باسم جماعة نور الدين زنكي، وهي جماعة متمردة بارزة في شمال سوريا تلقت من قبل دعما عسكريا أمريكيا: "الاندماج هدف لكل الفصائل المتمردة السورية، وإذا تم بنجاح، فإن ذلك يعني تحولا كبيرا في مسار الثورة ". 

ولا يزال الاندماج في مرحلة مبكرة . لكن يخشى تيار المتمردين من تشكيل تحالف مع جبهة فتح الشام مما يعرضه لغارات جوية أمريكية . وهناك اختلاف في رؤية الطرفين لمستقبل سوريا. وإذا بدأت جولة جديدة من القتال ، فسيكون لدى تحالف عسكري أقوى من الفصائل الإسلامية فرصة أفضل لصد تقدم قوات الأسد 

لكن من شأن ذلك الاتفاق أن ينسف خطة كيري لوقف إطلاق النار فضلا عن الهدف الأمريكي الأوسع لمحاولة تسليح المتمردين المعتدلين للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية . وتتهم روسيا بالفعل أمريكا بالفشل في فصل الفصائل المتمردة عن الجماعات "الإرهابية" مثل جبهة فتح الشام، وهو شرط أولي قبل أي عمل عسكري مشترك بين البلدين . وحتى الآن يتردد المتمردون في الانفصال خوفا من أن القيام بذلك سوف ينجم عنه فقط التنازل عن أراضي للجيش السوري 

وحتى إذا أقنع كيري الأطراف المتحاربة بتمديد وقف إطلاق النار، فليست هناك فرصة تذكر لمحادثات سلام تسفر عن نتائج. فالمعارضة السياسية للأسد ضعيفة وثقة المتمردين في الأمم المتحدة وصلت إلى الحضيض. كما أن أمريكا ليس لديها نفوذ يذكر على روسيا أو إيران أو سوريا.

يقول سلمان الشيخ، المسئول السابق لدى الأمم المتحدة والخبير في شئون الشرق الأوسط، "كلما استمر ذلك، كلما بات من الصعب أكثر الحفاظ على تماسك الأراضي. وإحدى العواقب هي المزيد من التطرف من المعارضة. ويمكن للنزاع الذي استمر خمس سنوات أن يصبح بسهولة صراع السنوات العشر

على الرغم من وضوح التطلعات التوسعية لتنظيم "الدولة" المزعوم في شمال إفريقيا أمام ناظري العالم بأسره، إلا أنها اصطدمت بالحقائق الاجتماعية والسياسية لمختلف البلدان، التي أخذت في تشتيت الموجة الأصولية للجماعات الإسلامية التابعة لتنظيم الخلافة.

وفي الجزائر، أطلقت الجماعة الإسلامية "جند الخليفة" على نفسها، منذ نوفمبر ٢٠١٤ ، اسم "ولاية الجزائر"، واتباع زعيمها "خالد أبو سليمان" الخليفة البغدادي مشكلاً ما أطلقوا عليه "المقاطعة الداعشية في الجزائر".

وكما هو الوضع مع "بوكو حرام" في نيجيريا، ومع ميليشيات سرت في ليبيا، ومع أنصار بيت المقدس في سيناء المصرية، وجدت الموجة الإسلامية لتنظيم "داعش" سبيلاً لها في الجزائر، فقط في عام ٢٠١٤ . 

غير أن هذه التجربة الإسلامية انتهت وبشكل تام وكأنها لم تحدث من الأساس. حيث تعلق العمل الإجرامي الوحيد الذي ارتكبه رجال الخلافة في الجزائر بمقتل المرشد الفرنسي "هيرفي جورديل"، البالغ من العمر ٥٥ عامًا، والذي تم اختطافه في شمال البلاد في ٢١ سبتمبر عام ٢٠١٤ وذبحه بعدها بثلاثة أيام. 

وإلي ذلك الحين، كانت هذه الجماعة الإسلامية لا تزال تطلق على نفسها الاسم القديم "جند الخلافة". وحتى لو أن زعيمها "خالد أبو سليمان" أعلن ولاءه لتنظيم داعش، إلا أن التبعية الفعالة للجماعة لم تظهر سوى بعد شهر واحد. مع ذلك، لم يسجل تنظيم "داعش" في الجزائر أي عمل جدير بالملاحظة.

وحاليًا، يتبع حوالي ١٠٠٠ شخص في الجزائر الجماعات الإسلامية، المقسمة إلى مختلف الطوائف، والتي تعتنق جميعها فكرة الجهاد. وتعتبرالجماعتان المرتبطتان إحداهما بتنظيم "الدولة"، والأخرى بـ"تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" أكثرها عددًا. 

وعلي أية حال، يبدو أن المجاهدين الجزائريين يفضلون الانخراط في صفوف "المقاتلين الأجانب" أكثر من القتال داخل أراضيهم. إذ ينضم حوالي ٢٠٠ مجاهد جزائري إلى ميليشيات "فجر ليبيا"، بينما يشترك آخرون في "كتيبة عقبة بن نافع"، التابعة لتنظيم "القاعدة"، والعاملة على طول الحدود التونسية الجزائرية، والمسئولة كذلك عن الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي، الذي أسفر عن مقتل السفير الأمريكي "كريستوفر ستيفينس" في ١٢ ديسمبر عام ٢٠١٢ . 

ومن ثُمّ، ظلت الجزائر أرضًا هادئةً نسبيًّا في مواجهة الأصولية الإسلامية. وبالتالي، يتضح أن الجماعات الإسلامية في الجزائر لا تستطيع سوى إخراج وبث مقاطع الفيديو المليئة -فقط- بالتهديدات والتصريحات المروعة ضد الفرنسيين في البلاد.

وعليه، باتت قوات الأمن الجزائرية، بعد خوضها معركةً بلا هوادة لمدة عشر سنوات ضد الأصولية الإسلامية خلال الانقلاب العسكري والحرب الأهلية، من بين أفضل القوات الأمنية على مستوى العالم. الأمر الذي مثل رادعًا مهمًّا لانتشار الأصولية الإسلامية في الجزائر.

فخلال "العقد الأسود" في الجزائر، انتشرت الجماعات الإسلامية في كل أنحاء البلاد وتمثلت في؛ "جيش الحركة الإسلامية"، و"الحركة من أجل دولة إسلامية"، و"الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد"، و"الجيش الإسلامي للإنقاذ"، و"الجماعة الإسلامية المسلحة". ومثلت هذه الجماعة الأخيرة أكثر الجماعات خطورةً، إذ كانت أكثرهم تنظيمًا والأقدر على التعامل كدولة موازية تستطيع تطبيق الشريعة في المناطق الخاضعة تحت سيطرتها، كما كانت تدير فيها شئون العدالة، وتقدم فيها الخدمات الاجتماعية، وتفرض الضرائب وتضمن الحماية للمواطنين الذين يتبعون الشريعة الإسلامية.

وعن طريق المزج بين القوة العسكرية والحوار السياسي، نجحت الجزائر في الانتصار عام ٢٠٠١ في حربها ضد الأصولية، وبالطبع ليس من دون مآسٍ أو أعمال عنف. غير أن هذا العقد ظل مطبوعًا إما في الذاكرة الجماعية أو في الذاكرة الفعلية لقوات الأمن نفسها. 

علمًا بأن الألف مقاتل الإسلامي الجزائري يتواجدون اليوم في المنطقة الشمالية الشرقية وفي المناطق الحدودية مع ليبيا ومع مالي. 

ووفقاً لما تقوله "داليا غانم يزبك"- الباحثة بمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط- :إن قوات الأمن الجزائرية دائمًا ما كانت وحتى الآن قادرة على الحفاظ على السيطرة المحكمة على الجماعات الإسلامية، حائلةً دون نشأة جماعات جديدة أو مبادرات خطيرة، ومانعةً تشكيل بنيات تنظيمية بين مختلف الجماعات الحاضرة.

وبحسب إحصاءات المحليين، بلغ عدد المقاتلين الأجانب الجزائريين المنخرطين في صفوف تنظيم الخلافة حوالي ٢٠٠ رجل. بينما تراوح عدد التونسيين بين ١٥٠٠ و٣٠٠٠ مقاتل أجنبي. الأمر الذي يوضح التوجه الثقافي الداخلي المختلف بين كلا البلدين فيما يخص مشكلة الأصولية الإسلامية. 

مع ذلك، كانت الحدود مع تونس هي الوحيدة التي تركتها الجزائر مفتوحة، وركزت فيها على القيام بعمليات مستمرة لطرد المقاتلين الموجودين في البلاد، ومنع دخول مقاتلين آخرين.

وتلعب قوات الأمن الجزائرية كثيرًا على التنافس بين تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم داعش. فمن ناحية، تركز على مقاتلي القاعدة لمنع نظرائهم الدواعش من التنظيم، ومن ناحية أخرى تدرك حضور القاعدة في هذه المناطق منذ زمن، وعلمه الجيد بالنسيج الاجتماعي الجزائري، وتنميته للطقوس الصلبة التي أبرزت أعلى مستوى من التأقلم والمرونة، والتي دفعت "مختار بلمختار"، أخطر الإسلاميين في الشمال الإفريقي، والمعروف بتهريبه للمخدرات والأسلحة والدخان، إلى عدم الولاء لتنظيم داعش.

بالإضافة إلى ذلك، استبعد غياب الشيعة، البالغ عددهم ١ % من سكان الجزائر، الانقسام التقليدي الذي يعتمد عليه داعش في الحرب الداخلية الدينية بين السنة والشيعة في جميع أنحاء العالم.

ويؤيد الصحفي الجزائري "أشرف خريف" الخبير بشئون الإرهاب والدفاع في مقابلة صحفية مع مجلة "جين أفريك" الفرنسية، أن نظام الحراسة الذي تتبعه القوات المسلحة الجزائرية على طول الحدود يمثل ضمانًا قويًّا للأمن الداخلي. مُزيلاً حتى الآن أي مخاطر قد تنبع من إمكانية اتخاذ الأعمدة الإسلامية الأثقل تسليحًا من الجزائر موطئ قدمٍ لها.

ولعل مخاطر القيام بهجمات صغيرة ضد آبار البترول، الكائنة في جنوب البلاد، على سبيل المثال لا يزال قائمًا. لذا يستخدم الجيش الجزائري وسائل تكنولوجية عالية، مثل الطائرات من دون طيار، لمسح الحدود والمناطق المحيطة.

بعد اتهامها بالعجز أمام روسيا في سوريا وغياب أية رؤى لديها، أعلنت إدارة الرئيس باراك أوباما "نفاد صبرها" على روسيا وسلوكها في سوريا. واشنطن أعلنت قطع الحوار والتعاون مع موسكو في الشأن السوري وردت الأخيرة بإعلان أسفها.

وأخيرا فعلتها إدارة الرئيس باراك أوباما. فبعد تردد استمر أياما عدة قررت واشنطن "رفع البطاقة الحمراء" في وجه روسيا في الملف السوري، معلنة تعليق مفاوضاتها مع موسكو بشأن إعادة تفعيل وقف إطلاق النار في سوريا، واعتبرت أن "الصبر على روسيا قد نفد". وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست أن "الصبر على سوريا قد نفد". وأضاف "أن صبر الجميع على سوريا قد نفد"، مشيرا إلى أنه "لم يعد هناك ما يمكن أن تتحادث به الولايات المتحدة مع روسيا" بشأن سوريا، معتبرا أن الوضع "مأساوي".

بدوره قال جون كيربي المتحدث باسم الخارجية "لم يتم اتخاذ هذا القرار بسهولة"، متهما روسيا وحليفتها سوريا بتصعيد الهجمات على مناطق المدنيين. واتهمت واشنطن موسكو بالإخفاق في كبح جماح قوات الحكومة السورية وشن ضربات جوية تستهدف المدنيين. بينما تقول روسيا إن واشنطن أخفقت في الفصل بين المعارضين "المعتدلين" وجهاديي تنظيم القاعدة.

وأضاف كيربي إن الجيشين الروسي والأمريكي سيواصلان استخدام قناة اتصال وضعت لضمان عدم حدوث تصادم بينهما خلال "عملياتهما لمكافحة الإرهاب في سوريا". إلا أن الولايات المتحدة ستستدعي الأشخاص الذين تم إرسالهم إلى جنيف من أجل إنشاء "مركز تنسيق مشترك" مع الضباط الروس للتخطيط لشن ضربات منسقة على "الجهاديين". ولم ير هذا المركز النور.

وسيعلق الدبلوماسيون الأمريكيون بذلك المحادثات مع روسيا حول إعادة تفعيل وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في التاسع من ايلول/سبتمبر بين وزيري الخارجية الأمريكي جون كيري والروسي سيرغي لافروف. وانهارت تلك الهدنة خلال أسبوع وسط تبادل للاتهامات بين الجانبين وتصاعد القتال في الحرب السورية المستمرة منذ خمس سنوات.

وجاء في بيان الخارجية الأميريكة "للأسف فقد أخفقت روسيا في الوفاء بالتزاماتها بما في ذلك التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي". وأضاف أن روسيا "إما أنها كانت غير مستعدة أو غير قادرة على ضمان التزام نظام الأسد بالترتيبات التي وافقت عليها موسكو". وقال كيربي أيضا "بدلا من ذلك فقد اختارت روسيا والنظام السوري متابعة المسار العسكري بما لا يتناسب مع وقف الأعمال القتالية كما هو واضح من تكثيف هجماتهم ضد مناطق المدنيين".

واتهم كيربي موسكو ودمشق بـ "استهداف البنى التحتية الحساسة مثل المستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحتاجين". وكرر تهمة واشنطن بأن روسيا والنظام السوري مسئولان عن الهجوم الدامي في 19 أيلول/سبتمبر على قافلة الأمم المتحدة للمساعدات في شمال سوريا على مشارف حلب.

روسيا ترد بإعلان أسفها على القرار الأمريكي

وسارعت موسكو إلى إبداء الأسف لهذا الموقف الأمريكي. وقالت ماريا زاكاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية، "نحن نأسف لقرار واشنطن"، مشددة على آن الولايات المتحدة "تحاول إلقاء تبعة الفشل على غيرها، بعد أن فشلت في الوفاء بالتزاماتها التي عملت بنفسها على وضعها"، بحسب ما أوردت الوكالات الروسية.

وفي السياق نفسه ندد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت الاثنين بما وصفها بـ "صلافة" نظام الرئيس السوري بشار الأسد وحليفه الروسي اللذين يمطران حلب بالقنابل "ويدعيان أن الذين يصابون بهذه الضربات هم من الإرهابيين".

كما قدمت فرنسا مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يدعو إلى فرض وقف لإطلاق النار في مدينة حلب، وإنهاء جميع الطلعات الجوية العسكرية فوق المدينة. وبموجب مشروع القرار، فإن المجلس يهدد باتخاذ "إجراءات إضافية" في حال لم تلتزم الأطراف بوقف إطلاق النار، إلا أنه لا يدعو إلى تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح بفرض عقوبات أو استخدام القوة العسكرية.

وصرح سفير فرنسا في الأمم المتحدة فرانسوا دولاتر "مسئوليتنا تحتم علينا أن نفعل كل ما بوسعنا" لمحاولة توحيد المجلس وراء جهود "إنهاء معاناة حلب". ويعرب مشروع القرار عن "الغضب من مستوى التصعيد غير المقبول في العنف" ويدعو جميع الأطراف إلى التطبيق الفوري لوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووقف تحليق جميع الطائرات الحربية فوق حلب.

بيد أن الجواب الروسي بالرفض جاء سريعا. فقد أعلن غاتيلوف، حسب ما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية "أننا لا ندعم من حيث المبدأ هذا النوع من الإجراءات المسيسة التي تهدف إلى استخدام مجلس الأمن لتكثيف الضغوط على سوريا وروسيا".

أكدت "جبهة فتح الشام" في بيان مقتل أحد قادتها ويدعى "أبو الفرج المصري" في ريف إدلب الغربي إثر غارة جوية للتحالف الذي تقوده واشنطن. يأتي هذا بعيد إعلان وزارة الدفاع الأمريكية استهداف "عنصر بارز" في تنظيم القاعدة بسوريا. 

قالت "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقا) اليوم الاثنين (3 أكتوبر 2016) في بيان إن "الشيخ أحمد سلامة أو أبو الفرج المصري" عضو مجلس شورى الجبهة قتل "إثر غارة جوية للتحالف الدولي في ريف إدلب الغربي". وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قالت في وقت سابق إن غارة جوية أمريكية استهدفت عضوا "بارزا" في القاعدة في سوريا.

وذكرت أنباء اليوم الاثنين أن قياديا مصريا في تنظيم القاعدة، والذي أصبح عضوا بارزا في "جبهة النصرة سابقا، جبهة فتح الشام حاليا" قُتل في هجوم بطائرة بدون طيار في محافظة إدلب السورية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.

وأضافت أن الشيخ أبو الفرج المصري الذي أمضى سنوات في سجن في مصر بتهم التواطؤ مع الجماعات الإسلامية الأصولية غادر بعدها إلى أفغانستان، لقي حتفه حينما قصفت طائرة مجهولة بدون طيار مركبة كان يستقلها بالقرب من جسر الشغور في إدلب في شمال غرب سوريا.

ومنذ أن بدأ التحالف بقيادة الولايات المتحدة عمليات في سوريا ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، استهدفت الضربات الجوية أيضا شخصيات بجبهة النصرة مما أسفر عن مقتل العشرات. وفي الشهر الماضي أدت ضربة جوية في ريف حلب إلى مقتل أبو هاجر الحمصي القيادي البارز بجبهة فتح الشام وهو الاسم الجديد لجبهة النصرة . وكان أبو هاجر الحمصي يعرف أيضا باسم أبو عمر سراقب.

وذُكر أيضا أن "أبو الفرج المصري" من مواليد عام 1956 في محافظة الجيزة وكان واحدا من المرافقين البارزين لزعيم القاعدة أيمن الظواهري خلال وجوده في أفغانستان في أواخر الثمانينيات. كما يعرف بأنه من زعماء القاعدة المخضرمين وقائد في جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة والتي غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام. ر.

وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) قد أعلنت أن غارة جوية أمريكية استهدفت عنصرًا "بارزًا" في تنظيم القاعدة في سوريا الاثنين وسط تقارير عن مقتل قيادي بارز قرب إدلب. وصرح المتحدث باسم البنتاغون كابتن البحرية جيف ديفيز "نستطيع أن نؤكد أننا استهدفنا عنصرًا بارزًا في تنظيم القاعدة في سوريا، ونجري في الوقت الحالي تقييما لنتائج العملية".